ربما لا نعلم الآن ما هو الوضع الدقيق للتفاوض غير المباشر بين بنيامين نتنياهو ومحمود عباس، الذي يتم برعاية جون كيري، لكن الاستماع لخطاب نتنياهو قد يُبين الى أين يحاول ان يقودنا. لا يستطيع أحد ان يعارض استعداده لدخول تفاوض مع عباس بلا شروط مسبقة، وإن كان واضحا أن عباس لا يتحدث باسم الفلسطينيين جميعا ولا يستطيع ان يلتزم باسمهم. فهذا الأمر هو الموقف الاسرائيلي التقليدي وهو منطقي ايضا: تعالوا نجلس ونتحادث، فربما يتبين لنا أنه يمكن التوصل الى اتفاق، لكن تكمن وراء هذا الموقف البسيط، التبسيطي تقريبا، تنازلات اسرائيلية يُشار اليها اشارة خفية أخذت تصبح أكثر وضوحا. حينما يكرر نتنياهو قوله في كل يوم تقريبا: ‘لا نريد دولة ثنائية القومية’، أو بعبارة اخرى لا نريد ان نضيف عربا آخرين الى دولة اسرائيل، وأنه يؤمن بحل الدولتين وانه مستعد لتقاسم المنطقة غرب الاردن مع الفلسطينيين، لا يفهم عباس فقط أنه ينوي ان ينقل يهودا والسامرة بشكل كامل تقريبا الى سلطة سيادية فلسطينية ما. إن عرض هذا الموقف في التفاوض قد يبدو لرئيس وزرائنا شيئا يمكن ان يكسب منه فقط، لأنه اذا رفض عباس التفاوض أو رفض بعد بدء التفاوض التوصل الى اتفاق، رغم الاقتراح السخي، فستخرج اسرائيل من كل هذه المسألة نقية كالثلج وتبرهن على أنه لا يوجد شريك حقا. مثل ايهود باراك قبل 13 سنة، الذي عرض على ياسر عرفات كل شيء تقريبا مع جبل الهيكل، وحينما رفض أعلن بفخر أنه برهن على أنه لا يوجد من يتم الحديث معه حقا في الجانب الفلسطيني. واذا وقع ما لا يُصدق ايضا وكان عباس مستعدا لقبول الاقتراح الاسرائيلي فستنجو اسرائيل من خطر التحول الى دولة ثنائية القومية، وستُسقط عنها وصمة ‘دولة محتلة’ أو كما تقول تسيبي ليفني ‘قوة استعمار’ وهو شيء سيُبرئها في هتاف عال من ‘المجتمع الدولي’. لكن لا يجوز لنا التسرع، لأنه اذا أصر عباس على الرفض رغم الاغراءات الاسرائيلية والضغط الامريكي فهل يكون ذلك ربحا صافيا لاسرائيل حقا؟ وهل يختفي اقتراح نقل يهودا والسامرة الى الأبد مثل تنازلات مكتوبة في الجليد في يوم صيف حار؟ لا احتمال لذلك. فما اقترحه باراك واقترحه ايهود اولمرت بعد ذلك ويقترحه نتنياهو الآن، أصبح منقوشا في الاسمنت وسيُحتاج لمحو ذلك الى جهود كبيرة جدا في المستقبل. ولنفرض أن عباس سيوافق. ماذا سيكون آنذاك؟ أحل للمشكلة الفلسطينية؟ أو إنهاء للصراع الاسرائيلي الفلسطيني؟ ألا توجد مطالب فلسطينية اخرى من اسرائيل ـ لا مطالب حق العودة ولا زيادة ارض؟ أيكون سلام بعبارة اخرى؟ الامر أبعد من ذلك. يجدر أن نقتبس من كلام نتنياهو في جبل هرتسل في مراسم الاحتفاء بذكرى مرور 109 سنوات على موت المتنبئ بالدولة التي تمت في نهاية حزيران/يونيو إذ قال: ‘لا نريد دولة ثنائية القومية، لكننا لن نوهم أنفسنا أننا اذا اتفقنا مع الفلسطينيين فسيقضي ذلك على التشهير الأهوج بدولة اليهود’. ماذا يعني ذلك؟ يعني ان الاتفاق مع عباس لن ينهي الصراع ولن يأتي بالسلام. وستوجد مطالب اخرى من اسرائيل وتوجد صواريخ على اسرائيل، لكن دولة اسرائيل ستترك يهودا والسامرة قلب ارض اسرائيل. وسواء استجاب عباس للتفاوض أم لا، فالحديث في الحالتين عن خسارة لاسرائيل. ولن يكون هذا وضعا يمكن الفوز فيه فقط، بل سيكون وضعا نخسر فيه فقط.