■ عن سن 98 عاما فقد الهايكو الياباني في 20 فبراير/شباط أحد أصواته المتميزة: طوطا كانيكو، الذي ولد سنة 1919 في المنطقة الجبلية شيشيبو في كيميكايا، التابعة لمحافظة سايتاما الواقعة على بعد مئة كيلومتر من شمال طوكيو. كان شاهدا في سنواته الإعدادية على صعود العسكر في اليابان. والده كان طبيبا في القرية، وشاعر هايكو «غير محترف» لكنه معروف نسبيا في مدرسة هي بالأحرى مُحَافِظة، في مجلة Ashibi التي يديرها .Shuoshi Mizuhara شارك طوطا في «نادي الهايكو» في ثانويته في مدينة Mito في الحي الشمالي لطوكيو.
كان طموحا تُحَفِّزه رغبة عميقة لتغيير المجتمع، فقد نجح بتألق سنة 1941 في مباراة الدخول إلى الجامعة الدولية في طوكيو قسم الاقتصاد. منذ السنوات التي قضاها في الثانوية نشر طوطا أشْعار هايكو كل شهر في مجلة «الهايكو الواقعي» التي أدارها سيلهو شيمادا مُعَلِّمه الأول، لكن الأخير، فضلا عن طالبين من أتباعه، تم توقيفهم في فبراير 1941 من طرف «الشرطة الخاصة» Tokko (المعادلة للجيستابو في ألمانيا) بسبب آرائهم الانقلابية باسم «قانون الحفاظ على السلام».
مات شيمادا بفعل مرض السلّ الذي أصيب به في محبسه أيّاما قليلة بعد تحريره. فهم طوكا كانيكو أن كل الشعراء الشباب لجيله محكوم عليهم بالاضطهاد من طرف الشرطة. في انتظار إرسالهم إلى الجبهة باعتباردهم مجرد جنود. وعلى الرّغم من اقتناعه بأن الحرب ستخسر مسبقا، فقد تقدَّم بطلب منصب عميد محافظ في البحرية كي «تكون له حظوظا أكبر لإنقاذ نفسه»، ثم اختار تحت وقع الغضب بمثالية طفولية، أقصى التعيينات جبهة الجنوب. سيندم على هذا الاختيار طيلة حياته. بعد مرور سنتين كعقيد في مقتصدية جزر truck، في جهنم هذه الكارثة عاد إلى اليابان الذي وجده قد تغيَّر بعمق.
فهم طوكا كانيكو أن كل الشعراء الشباب في جيله محكوم عليهم بالاضطهاد من طرف الشرطة. في انتظار لحظة إرسالهم إلى الجبهة باعتباردهم مجرد جنود.
أول ديوان له «الشاب» المنشور سنة 1955 تم اعتباره نقطة انطلاق «هايكو اجتماعي». وفي سنة 1957، ذهب كانيكو أبعد من معلمه شوزان كاطو رئيس شعبة «الهايكو الإنساني» بإعلانه أن «الهايكو الاجتماعي» ليس له أي معنى بدون التزام في الحياة الواقعية. فقد اشتغل عاملا في بنك اليابان، الذي وقع فيه ضحية الحملة ضد الشيوعية التي كانت تطارد السحرة الذي كان ينتقدهم بحرارة في كتاباته. بقي كانيكو إلى حدود سنة 1979 في أسفل سلم التراتبية مع إدارته لنقابة المستخدمين في بنك اليابان. في سنة 1962 أنشأ مجلة هايكو kaitei كنوع من شعار ما زال يعارض اليوم الهايكو التقليدي وبالخصوص مجموعة Hototogisu الذي يديرها كيوشي طاكاهاما وورثته. طالب مئات من أعضاء كايطاي بحرية استعمال (الكيغو) لكلمة الفصل، أو احترام ما هو وزني (5-7-5)؛ أو المعالجة من عدمها لمواضيع المجتمع. لقد أبدع كانيكو مصطلح الهايكو الطليعي: هو أول من استعمل الاستعارة في الهايكو، ثم بلور شيئا فشيئا مفهومه لـ«هايكو التأليفي» الذي تكون فيه حرية الإرادة للهايجين مركزية في تجميع الصُّور، مع المعارضة دائما لمدرسة kachō fūei (هايكو الورود والطيور)، المتعلّقة بالهايكو التقليدي، باعتبار كانيكو متخصِّصا كبيرا في الهايكو الكلاسيكي لاسيما هايكو إيسا وباشو، فقد حدَّدَ الهايكو كفن روحاني مُعَادٍ للصُّور، في الوقت نفسه، لصورة ـ أسلوب- كوباياشي إيسا المتأخر.
إن مواقفه السياسية لم تفكّك خاصة بعد الحادثة النووية لفوكوشيما سنة 2011. انتقد بقوة حكومة الوزير الأول shinzo Abe بالرسم الكاليغرافي في لافتة مشهورة مكتوب فيها: «نرفض سياسة Abe» بإعادة تشغيل المراكز النووية وإعادة عسكرة البلد. هذا لم يمنعه من معارضة جوائز رفيعة مثل جائزة الأكاديمية اليابانية للفنون 2003، وجائزة kankikuchi (2010)، وجائزة Asahi (2015).
خلف أكثر من خمسين كتابا، كتاباته تتمفصل في ثلاثة مراحل:
*في البداية اتجه إلى هايكو أعمال طاكيشيتا وأصبح بعد الحرب الناطق الرسمي باسم الاتجاه الطليعي في كتابة الهايكو، وأسس بذلك مجلة kaiter سنة 1952. قبل حرب 1955 شدد على أهمية النزعة التشكيلية «الاجتماعية» في الهايكو.
*المرحلة الثانية تمتد من سنوات 60 إلى 1975 في دراسة معمقة للهايكو. في خضم النقاشات العاصفة التي كانت بين الكتاب المحافظين والطليعيين.
*الدعوة إلى شعبية الهايكو باعتباره «قصيدة من أجل الجماهير» مازجا فيها بين أعمال شعراء مثل إيسا وسانتوكا وخليط النزعة الطليعية التي سماها «الهايكو الحديث».
يظل الشعر في اليابان تعبيرا شعبيا، وبالخصوص شعر الهايكو. تشهد على ذلك نصف الصفحة التي تخصص له كل أسبوع اليوميات الكبرى، من خلال انتقاء الأشعار التي يرسلها هواة هذا الشعر. لقد أراد كانيكو أن يجعل من الهايكو أداة في خدمة السلام. قبل وفاته، كان يريد أن يفتتح معلمة لتخليد ذكرى عشرات شعراء الهايكو المضطهدين خلال الحقبة العسكرية، لكن الموت لم يمهله أسبوعا بعد ذلك.
بعض أشعاره
في مُؤَخّرةِ كلّ نملة
شَرَارةُ
شمسُ الرّبيعِ
بداية الصيف
حبّة رمل في طحلب بحري
في وجبة الإفطار
كل العائلة مريضة
والزّيز يغنّي
على أبواب اللّيل
على ورق الصيدلية
أنثر قصائدي
ليلة صقيع جليدي
برودة الليل
بنفس واحد أُثَبِّتُ في عين المكان
صرصورا
لم أعد قطّ رجلا
ولا إبرة كذلك أيضا
أمطار حزيران
الجار وكلامه الوقح
هما بعيدان الآن
عقوبة حبسية شتوية
نائمُ تحت الكِلَّة
تحت وقع صفير القطارات
بي رغبة للذهاب في عطلة
مثل الماء
اليوم من خلال الغيوم
السوْسنة مزْهرة
الحزن يملأ الحنجرة
أدندن فجأة
ليلة الخريف
في الحلم أراهم من جديد
سيكون الموت مألوفا جدٍّا
القبلة في الأشجار
٭ كاتب ومترجم مغربي