‘إن أنينا يصدر عن قلب اليسار الاسرائيلي وربما أجزاء في الوسط ايضا. إنه بكاء صامت لمن وجد نفسه في موقع الضحية ويعامل نفسه برحمة بالذات. لا يستعمل اليسار الاسرائيلي حتى في أجزائه المعتدلة كلمة ‘صهيونية’ لأن استعماله لها لا يلائم عمق الرحمة بالذات. لأن الصهيونية اذا كانت على مثال افيغدور ليبرمان وزئيف إلكين وأوري اريئيل فلن يكون مكاننا معهم لأنهم اذا كانوا صهاينة فليس اليسار الاسرائيلي كذلك. إن اليسار بفعله ذلك يقف نفسه في المكان الذي أراده معارضوه، فهو في نظرهم ‘بعد صهيوني ومعاد لاسرائيل’. واليسار لا يثور على التصوير المنسوب اليه لأنه ضاق ذرعا باعتقاد أنه سيعيد الدولة الى سلامة عقلها والى التسامح والتقدم بقوة صناديق الاقتراع. هل يؤمن أحد ما بأن اليسار سيعود الى موقع القيادة؟ وهل يؤمن أحد ما بأنه سينشأ بديل آخر بالتنكر لقادة يوجد مستقبل وميرتس والعمل والحركة؟ أشك في ذلك كثيرا. إن مشكلة اليسار الكبرى هي أنه كف عن التفكير تفكيرا سياسيا حقيقيا. وكف عن التفكير في بناء قوة تكون بديلا عن داني دنون والكين وليبرمان. فقد استقرت آراء هؤلاء على استغلال كل قوة وكل موقع لتغيير المعايير والقيم في دولة اسرائيل. وسيهزون أكتافهم حتى لو صرخ اليسار قائلا إنهم يُضرون بالديمقراطية وبالتعادل بين الدولة اليهودية والدولة الديمقراطية. فهم ينوون أن يأخذوا دولة اسرائيل الى المكان الذي يخشاه اليسار، بالضبط، وهو دولة يهودية تتنكر لكل أقلية، ولا تؤمن بتسويات سياسية، وتبني في المناطق كلها، وتحاصر امكانية حصول معارضيها على تبرعات، وتتراجع فيها حقوق المواطن. يوجد في أطراف معسكر اليسار’ من يتمسكون بأمل أن يفضي التنديد باسرائيل من الخارج الى تغييرات صحيحة في الداخل. ولن يحدث هذا حتى لو وجدت عقوبات (ونشك في أن توجد بسبب موقف الولايات المتحدة) من قبل الامم المتحدة أو من قبل دول اوروبية، تفضي الى تراجع اقتصادي وزعزعة سياسية فهي لن تؤتي الثمار المأمولة، ولا سيما التأييد الشامل لمن لم يكترثوا باستعمالها في الموقع ما بعد الصهيوني. ‘يجب على اليسار السليم العقل أن يقترح بديلا قد يحشد تأييدا كبيرا من جزء من الجمهور ليس أسيرا لتصور سياسي ما، وقد يغير مواقف سياسية. إن هذا الجمهور قد يؤيد حركة تبدو له وطنية وتخدم أهدافها دولة اسرائيل ومجتمعها من جهة اقتصادية وسياسية واجتماعية. ويتعلق التحول بالقدرة على التأليف بين حركات مختلفة ووجود جامع مشترك بين كل من ليس من اليمين ولا من المستوطنين ولا يكفر بالمساواة باعتبارها قيمة ينبغي السعي إليها. ينبغي قُبيل الانتخابات انشاء حركة كبيرة تسعى الى التحرر من الرأسمالية الاستغلالية وهذا شأن له صلة بكل مواطن تقريبا؛ والتحرر من مبدأ أنه لا احتمال لتسوية سياسية؛ تعطي اسرائيل صورة أكثر مدنية وأكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحا. وستكون حركة كبيرة تشمل اولئك الذين يدعون أنفسهم ‘يسارا’، لكنهم منفتحون لتأثيرات من قبل الوسط، ‘الوسط’ العاشق لاسمه وموقعه، لكنه حساس بقيم كاليسار السليم العقل. إن تحصن كل تيار فرعي في قيمه كلها سيحبط كل امكان للتغيير. ولن يُمكن العامل السكاني الاسرائيلي ايضا من تغيير كهذا بعد عشر سنوات. يجب أن تكون الرؤية واقعية وشجاعة وعدم الاكتفاء بمنحة الله الصغيرة التي تفضي الى شعور بعدل انتقائي ورحمة بالذات.