اليمن: إذا تقهقر العدو نطارده

هذه قاعدة ذهبية في الحروب الشعبية صاغها الجنرال جياب وزير الدفاع الفيتنامي، الذي كسر ظهر القوات الأمريكية، وأجبرها على الرحيل ذليلة من بلاده. جياب كان يقود جنوده من أجل انتصار يوحد الشمال والجنوب، عبر إنهاء وجود الحكومة المدعومة من واشنطن في سايغون (هوشي منه – حاليا).
ويبدو أن مقاتلي حركة أنصار الله «الحوثيين» في اليمن، درسوا الجنرال جياب جيدا، ويطبقون القواعد التي حققت له النصر، بصرف النظر عن طبيعة الحرب التي يخوضونها في اليمن. ولذلك فإنهم ضغطوا بعد انسحاب الإمارات، لتصفية ما تبقى من نفوذها في اليمن، ومطاردة خصومهم، ولم يتوقفوا، ولو حتى لمجرد التقاط الأنفاس.
الوضع الاستراتيجي في اليمن يتجه حاليا إلى نقطة توازن جديدة، تتمتع فيها قوات أنصار الله باليد العليا فوق ما عداها. التوازن في الشمال تم حسمه تماما لمصلحتهم عام 2015، لكن السعودية قررت خوض حرب طاحنة جنوب حدودها، من أجل إعادة تثبيت الحكومة التي هربت من صنعاء. وعلى غرار الولايات المتحدة منذ حرب أفغانستان، سعت الرياض إلى إقامة تحالف عسكري بقيادتها من دول عربية وإسلامية (سنية) بقصد تحويل المواجهة إلى حرب مقدسة ضد الشيعة. وقد استجاب لها من استجاب سواء بالوعد او بالوعيد. أمير السعودية الجديد وجنرالاته، اعتقدوا في مارس/اذار 2015 أن حربهم في اليمن لن تطول أكثر من عدة أسابيع تعود بعدها إلى صنعاء (حكومة الشرعية) ويندحر الحوثي إلى مغاراته في صعدة.
الإمارات كانت أهم حلفاء السعودية في حرب اليمن، لكن أهدافها كانت تختلف عن أهداف السعودية، كذلك فإن حلفاء الإمارات في اليمن لم يكونوا هم حلفاء السعودية. وبسبب اختلاف الأهداف والمصالح والحلفاء المحليين، فإن الإمارات راحت تراجع نفسها عندما اصطدمت حساباتها في حرب اليمن بثلاث عقبات رئيسية.
*الأولى، تمثلت في أن حرب اليمن، التي وعد بن سلمان بأنها لن تستمر أكثر من عدة أسابيع، مضى عليها الآن أكثر من 4 سنوات، ولا تبدو لها نهاية تلوح في الأفق. على العكس من ذلك فإن حسابات الربح والخسارة على الأرض تشير إلى أن قوات أنصار الله بقيادة الحوثي، تحقق بشكل عام تقدما استراتيجيا في الجبهات الرئيسية. وأهم ما حققته أخيراً هو، الانتصار في معركة الساحل الغربي، الذي كان أحد الأسباب المباشرة وراء قرار الإمارات الانسحاب العسكري من اليمن. الإمارات كانت تراهن بقوة على دحر أنصار الله في الحديدة، وحسم معركة الساحل الغربي بسرعة من أجل حرمانهم من شريان الحياة الرئيسي، المتمثل في ميناء الحديدة. لكن الإمارات خسرت الرهان على جبهتي الحرب والدبلوماسية في آن. في الحرب أثبت أنصار الله وجودهم، وفي الدبلوماسية كسبوا ثقة الأمم المتحدة والمبعوث الأممي للسلام في اليمن.
*العقبة الثانية تمثلت في الحلف المقدس بين السعودية وحزب الإصلاح في اليمن (الإخوان المسلمون). ومنذ بداية الحرب حتى الآن تعمل السعودية على ترجيح كفة (الإصلاح) بقيادة علي محسن الأحمر، وتمكينه من السلطة على حساب عبد ربه منصور هادي رئيس (الجمهورية الشرعية). وينتشر رجال الإصلاح في هياكل السلطة التي تدعمها الرياض، كما يقود زعيمهم الحالي، القوات المسلحة، ويحتل منصب نائب رئيس الجمهورية. هذا الحلف المقدس آثار حفيظة الإماراتيين الذين يتزعمون تيار مقاومة الإخوان في العالم العربي وليس في اليمن فقط.
*الثالثة التي أفسدت حسابات الإمارات، فكانت امتداد شرر الحرب إلى داخل الإمارات، وتهديد موانئها ومطاراتها. وبصرف النظر عما يتردد من قلق أبداه حاكم دبي بشأن تورط أبو ظبي في حرب اليمن، فإن كثيرين من أصدقاء الإمارات، بمن فيهم دول كبرى، قدموا للشيخ محمد بن زايد نصائح غالية بضرورة التقليل من تورطه مع الرياض في اليمن، حرصا على استقرار الإمارات، وعلى استمرار عملية التنمية الجارية فيها. وقد جاءت أزمة الملاحة في مضيق هرمز والخليج، التي طالت موانئ الإمارات وبعض سفنها، لكي تفتح عيون حكام أبو ظبي على حقيقة التهديدات التي تتعرض لها بلادهم بسبب تورطهم في حرب اليمن.

انسحاب الإمارات يفتح الطريق أمام قوات أنصار الله للتقدم من أجل ملء الفراغ الذي سيتركه هذا الانسحاب

ومن ثم فإن عوامل خسارة معركة الساحل الغربي، وتحالف السعودية مع الإخوان المسلمين في اليمن، ثم امتداد نيران الحرب إلى الإمارات نفسها، أدت إلى إجراء مراجعة شاملة للموقف. ولعب وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد دورا مهما في هذه المراجعة، وكان حريصا أشد الحرص على عدم إغلاق أبواب الحوار مع إيران، وعلى اتخاذ موقف متوازن في ما يتعلق بالدور الإيراني في الخليج، ورفض بوضوح اتهام إيران مباشرة بأنها المسؤولة عن ارتكاب حوادث تفجيرات الناقلات في ميناء الفجيرة. وكانت نتيجة المراجعة هي قرار الانسحاب من العمليات العسكرية في اليمن، وهو ما يعني عمليا فك التحالف العسكري مع السعودية، وفتح باب الحوار مع إيران، ولذلك كانت زيارة قائد سلاح حرس السواحل الإماراتي إلى طهران في الأسبوع الماضي.
انسحاب الإمارات يفتح الطريق أمام قوات أنصار الله للتقدم من أجل ملء الفراغ الذي سيتركه هذا الانسحاب، أو طبقا لمفهوم الجنرال جياب التقدم لمواصلة مطاردة الخصم عملا بالقاعدة الذهبية التي تقول «إذا تقهقر العدو نطارده». وقد بدأ ذلك فعلا بالضربات التي وقعت يوم الخميس أول أغسطس، وأسفرت عن مصرع العشرات. وكان من أهم ضحاياها العميد منير اليافعي (أبو اليمامة) قائد اللواء 11 صاعقة، وهو أيضا قائد قوات الدعم والإسناد، التي كانت ترعاها الإمارات.
وتبدو ملامح الموقف على جبهات المواجهة في اليمن حاليا كالتالي:
في جبهة الساحل الغربي حققت قوات أنصار الله مكاسب كبيرة، لكنها ربما تحاول التقدم باتجاه الجنوب وتعزيز وجودها في المخا، تمهيدا لفرض طوق عسكري على مصافي البريقة، وغرب عدن.
في جبهة الوسط، ستدخل قوات أنصار الله، لا محالة، في مواجهة شرسة مع قوات حليف السعودية اللواء علي محسن الأحمر، الذي يقود قوات جيش (الشرعية) وأيضا مع ميليشيات حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) الذي ما يزال يتمتع بنفوذ لا بأس به هناك.
على مشارف جبهة الجنوب في الضالع ولحج، ليس أمام أنصار الله إلا التوصل من خلال حوار عاقل إلى حل وسط يضمن أمن المنطقتين، والبدء في إقامة ترتيبات لبناء الثقة مع الأهالي والقيادات المحلية. أهمية ذلك تتمثل في أن قيادات الحراك الجنوبي المتمركزة في عدن، ينحدر معظمهم من هناك. ولن يتمكن أنصار الله من دخول عدن لمجرد القضاء على أبو اليمامة وتشتيت قواته. كما أن دخول عدن ليس أبدا مثل دخول صنعاء أو الحديدة. الوضع في الجنوب يختلف سياسيا، وهناك مخزون ضخم من القوة الشعبية والمقاومة.
في عدن توجد قيادات مدنية/عسكرية لها نفوذ كبير في الجنوب اليمني بشكل عام وليس في عدن فقط. صحيح أن أبو اليمامة كان يتمتع بنفوذ قوي، لكن ذلك النفوذ كان يعود في جزء كبير منه إلى الدعم الإماراتي في مجالات التمويل والتدريب والتسليح. ومن ثم فإن انسحاب الإمارات، ثم مقتل أبو اليمامة، يعني أن قوات الحزام الأمني فقدت مصادر نفوذها الفعلي، وسوف تتفكك خلال الأسابيع المقبلة، ما لم تبذل السعودية جهدا هائلا للمحافظة عليها، والاستمرار في دفع رواتب المنتسبين إليها. ومع ذلك فسيبقى ويتعزز نفوذ شخصيات ما يزال لها وزن ومصداقية في الجنوب مثل عيدروس الزبيدي، وشلال شايع يمكنها إدارة حوار لتجنب حدوث كارثة دموية.
قبل أن يفكر أنصار الله في التقدم نحو الجنوب، سواء من جبهة الغرب، عبر المخا والبريقة، أو من الشمال عبر الضالع ولحج، عليهم أولا أن يعيدوا النظر في مشروعهم السياسي لليمن، بما يحقق حلم الفيدرالية لأقاليم الجنوب والشمال والشرق، ووضع صيغة عادلة لاقتسام وتوزيع ثروة البلاد، وتصميم برامج فعالة لتنمية مصادر هذه الثروة. بغير ذلك ستكون محاولة أنصار الله اقتحام الجنوب عسكريا بمثابة انتحار سياسي، يضيع عليهم ما حققوه من مكاسب في صنعاء، ومن صمود في وجه التحالف السعودي الغاشم خلال الفترة منذ مارس 2015 حتى الآن.
إن تقدم قوات أنصار الله جنوبا يمثل الجواب الموضوعي على انسحاب الإمارات من اليمن، لكنه لن يستطيع تحقيق أهدافه ما لم تبدأ من الآن حوارات من خلال أبواب مفتوحة، ربما تشارك فيها الأمم المتحدة و (أو) سلطنة عمان، من أجل ضمان الا تتحول معركة الجنوب إلى مذبحة تسفر عن خسائر متبادلة لكل أطرافها. وبدلا من ذلك من الضروري البحث عن الفرص لتحقيق (مكاسب متبادلة) على أساس التفاهم بين اليمنيين أنفسهم، من أجل دحر التدخل السعودي نهائيا، ووقف نزيف الدم، وتحقيق السلام، والعمل المشترك من أجل بناء (اليمن السعيد) من جديد، بأيدي أبنائه ومساعدة القوى الصديقة الحقيقية.
كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالسلام احمد بريطانيا:

    يبدو أن كاتب المقال يفهم بالتاريخ ولكنه غير ملم بالواقع اليمنى .
    الحوثيون ليس لهم دور بأحداث عدن وانما تم التخلص من الشرعيه المعترف بها دوليا عن طريق السعوديه والامارات . ( القوه تفرض الواقع وتحميه )

إشترك في قائمتنا البريدية