غموض
وفي الوقت الذي لا تزال تفاصيل الهجوم غير واضحة إلا ان المسؤولين اليمنيين قالوا السبت إن المهاجمين اليمنين مرتبطان بتنظيم القاعدة الذي خطط ونفذ سلسلة من العمليات ضد الأجانب. وسواء كانت عملية ‘تاج’ مقصودة أم مصادفة فقد ساعد الأمريكيون في الكشف عن خلية متخصصة في خطف الأجانب في اليمن، وهي المسؤولة عن قتل فرنسي الإسبوع الماضي، واختطاف هولنديين العام الماضي ومحاولة اختطاف دبلوماسي ألماني الشهر الماضي والهجوم على السجن المركزي وتحرير 19 سجينا من القاعدة. وتقول السلطات اليمنية إن عملية القتل في محل الحلاقة قادتها إلى زعيم الخلية وائل عبدالله الوائلي الذي قتل في اشتباك مع القوات اليمنية يوم الأربعاء، وهو اليوم نفسه الذي اعلنت فيه الولايات المتحدة إغلاق السفارة لدواع أمنية.
عمليات سرية
وتعلق صحيفة ‘نيويورك تايمز’ على التفاصيل الجديدة بأنها تقدم نافذة نادرة عن العمليات الأمريكية السرية في اليمن، الذي تحول لساحة حرب مع ما تقول السلطات الأمريكية بأنه أخطر فرع لتنظيم القاعدة. وتحولت المواجهة مع القاعدة كما تقول الصحيفة لمصدر إحراج كبير للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي أخفت حكومته الدور الأمريكي في عملية محل حلاقة ‘تاج’ وسمحت للضابطين الأمريكيين بمغادرة اليمن بهدوء بعد أيام من الحادث. وتقول الصحيفة إن المسؤولين اليمنيين لم يعترفوا علنا بمسؤولية الأمريكيين عن قتل المهاجمين الذين أشارت إليهما بالأجانب. فيما رفضت كل من وزارة الخارجية والدفاع الامريكيتين ووكالة الإستخبارات الأمريكية ‘سي أي إيه’ تقديم معلومات عن الهجوم، رغم اعتقاد المسؤولين الأمريكيين أن القاعدة هي التي تقف وراء محاولة الإختطاف وأن العاملين في السفارة الأمريكية هم هدف لعمليات اختطاف.
وفي سياق آخر اعترفت الخارجية الأمريكية يوم الجمعة أن مسؤولين في سفارة واشنطن في اليمن قاما بإطلاق النار على مهاجمين حاولا اختطافهما وأن تحقيقا يجري في ما حدث. وقد تم تحديد الرجلين بأنهما ضابط في سي أي إيه وآخر من قوات العمليات الخاصة. وتشير الصحيفة إلى أن عملية القتل تشبه حالة 2011 عندما سجنت السلطات الباكستانية ضابط سي أي إيه ريموند ديفز عدة أسابيع بعد قتله باكستانيين في شارع مزدحم في مدينة لاهور.
ويقدم شهود عيان وتصريحات مسؤولين يمنيين رواية مختلفة نوعا ما حيث يقولون إن واحدا من ‘الاجانب’ قام باستخدام سلاحه وأطلق النار على كل مهاجم مرتين. وبحسب مسؤول يمني فقد تظاهر المهاجمان بأنهما من الشرطة، حيث قام الأجنبي بإطلاق النار أولا على المهاجم الذي يحمل بندقية إي كي-17 وبعدها أطلق النار على شريكه. ويقول شهود عيان إن الشرطة حققت مع صاحب المحل لساعتين ثم اعتقلته قبل أن تطلق سراحه لاحقا، فيما حصل جدال بين الشرطة وأقارب المهاجمين الذين جاءوا لنقل الجثث وقامت الشرطة باعتقالهم. وفي وقت متأخر من الليل جاءت الشرطة وأخذت نسخة من الصورة التي سجلتها الكاميرا في المحل، وبعد ذلك دمروا الكاميرا. وأغلق المحل منذ ذلك مع أنه فتح لفترة قصيرة لكي ينظفه صاحبه.
ويثير ذهاب الأمريكيين لمحل الحلاقة الكثير من التساؤلات التي لم تجب بعد، خاصة أنهما ذهبا من دون مرافقين أمنيين. وينقل التقرير عن غريغوري دي جونسون، الباحث في شؤون اليمن ومؤلف ‘الملجأ الأخير: اليمن، القاعدة وحرب أمريكا في الجزيرة العربية’ ‘ذهبا فقط لحلاقة شعرهما، وهذا أمرغريب بالنسبة لي’. وينقل التقرير عن مسؤول أمريكي سابق قوله إن محل الحلاقة كان مشهورا بين موظفي السفارة الذين كانوا يعيشون خارج مجمع السفارة، إلا أن معظم الموظفين يحلقون شعورهم داخلها ومنذ وقت طويل. ويقول جونسون الذي زار صنعاء قبل خمسة أسابيع أن الإجراءات الأمنية كانت مشددة في السفارة لدرجة كان على من يريد مغادرتها الحصول على إذن من واشنطن، وعلى ما يبدو فالمسلحان الأمريكيان كانا يعملان في مهمة مختلفة.
دعم الرئيس اليمني
فمنذ انتخاب الرئيس هادي قبل عامين، زادت وزارة الدفاع الامريكية من حضورها في اليمن وأرسلت حوالي 50 من عناصر القوات الخاصة لتدريب قوات مكافحة الإرهاب اليمنية، وعدد مماثل من عناصر الكوماندوز للمساعدة في تحديد الأهداف التي تضربها طائرات الدرونز ضد القاعدة. وتنطلق الطائرات بدون طيار من قاعدة سرية في صحراء السعودية إلا أن سي أي إيه لديها عناصر في اليمن يقومون بمهام مكافحة إرهاب ويقدمون تدريبات لليمنيين. وتقول الصحيفة إن المخابرات الأمريكية زادت من تعاونها ليس مع اليمنيين ولكن مع المخابرات السعودية التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع الجار اليمني. وقد أثمر التعاون الأمريكي ـ السعودي في مجال الأمن عن سلسلة من النجاحات منها الكشف عام 2010 عن المتفجرات التي وضعت في حاويات لحبر الطابعات كانت في طريقها لشيكاغو، ونجح السعوديون عام 2012 في الكشف عن خطة لتفجير طائرة كانت في طريقها لأمريكا. ويهدف دعم إدارة أوباما للرئيس اليمني لتمكينه من إعادة إصلاح وتشكيل القوات اليمنية لكي تكون قادرة على مواجهة ناشطي القاعدة، ملاحقتهم وقتلهم. ويتسق المدخل الأمريكي مع الجهود الأخرى في العراق وأفغانستان حيث أرسلت الحكومة الأمريكية أعدادا من القوات الخاصة التابعة لسي أي إيه للمساعدة في مواجهة عناصر القاعدة. ولا يعرف إن كانت الجهود هذه ستنجح أم لا حيث يقول الباحث جونسون إن في اليمن الكثير من الفصائل والجماعات المسلحة وكل له جماعته وأسلحته ولا أحد من هذه الجماعات قادرا على فرض إرادته على الآخر وهذا هو ‘سبب المناورات التي تجري من خلف الأضواء’.
تحديات مكافحة الإرهاب
وتظل مواجهة الإرهاب في اليمن تحديا من التحديات الكبيرة لإدارة أوباما خاصة أن سياسة طائرات الدرونز وتصعيد استخدامها تخلق أعدادا كثيرة وتخلف ضحايا كما أظهر تحقيق لمجلة ‘رولينغ ستونز’ الذي قدم أدلة عن الطريقة التي تدمر فيها الهجمات اليمن. وتقول هيلين كوبر في ‘نيويورك تايمز’ إن العلاقات الأمريكية- اليمنية اتسمت في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالتقلب، ولهذا تأمل إدارة أوباما بأن يؤدي دعمها لخلفه منصور هادي لتأكيد مصداقيته لأنه يظل محوريا في حرب الولايات المتحدة ضد القاعدة في اليمن. ولكن العلاقة لا تزال تشهد اضطرابات خاصة.
ان عملية القتل الشهر الماضي وضعت حكومة منصور هادي في وسط جدل وفاقمت من سخط اليمنيين الذين اشتكوا من تعاون حكومة بلادهم مع واشنطن في غارات الطائرات بدون طيار ‘درونز’. وترى كوبر أن الحادث وتداعياته مهم لأن اليمن تحول إلى مركز حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب، مشيرة إلى أن غالبية المعتقلين الباقين في سجن غوانتانامو هم من اليمنيين، واعتمد أسامة بن لادن، زعيم القاعدة على اليمنيين كحراس له. وكان اليمن أيضا قاعدة للناشط الأمريكي-اليمني أنور العولقي الذي قتلته غارة أمريكية في أيلول/سبتمبر2011.
ونظر مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيين ولسنوات طويلة للتعامل مع الحكومة اليمنية فيه كجزء حيوي في محاولات تفكيك القاعدة في الجزيرة العربية. وفي عام 2011 وصف مايكل إي ليتر، مدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب تنظيم القاعدة في اليمن بأنه ‘أخطر تنظيم على الأرض الأمريكية’. وواجهت الولايات المتحدة مصاعب في التعامل مع صالح في أثناء انتفاضات الربيع العربي التي ادت لتنحيه عن السلطة، فيما واصل خلفه منصور هادي التعاون مع الولايات المتحدة، ومنذ بداية العام الحالي قامت الولايات المتحدة بـ 11 غارة بالطائرات الموجهة حسب موقع ‘لونغ وور جورنال’ الذي يتابع الهجمات. ولكن منصور هادي يواجه وضعا حساسا حيث يجد نفسه محل انتقادات وغضب خاصة عندما تتسبب الهجمات بقتل مدنيين.
الدرونز ممنوع
وفي تعليق نشرته مجلة ‘فانيتي فير’ كتبته كيا ماكاريتشي عن استخدام الطائرات بدون طيار تحت عنوان ‘يحظر استخدام الدرونز في يوزمايت وتطن فوق اليمن’. وجاء التعليق في ظل الجدل الدائر في الولايات المتحدة حول استخدام الشركات والمؤسسات للطائرات بدون طيار في العديد من المجالات من مثل نقل الطرود، وتصوير المناسبات الرياضية، ومع زيادة الإستخدام لها قررت إدارة النقل الجوي الفدرالية منع استخدامها في الفضاء العام الأمريكي، وانضم للمنع خدمات المتنزهات الوطنية التي منعت استخدام العربات الموجهة حيث يحظر الإعتماد عليها في نقل او استلام شخص أو شيء بالمظليات أو المروحيات أو اي وسيلة جوية إلا في حالات الطوارىء’ بل وزادت إدارة المنتزهات الوطنية على ذلك بالقول إن صوت الطائرات الموجهة يؤثر على حاجز الصوت، ويخلق مناخا ليس محفزا للحياة البرية إلى غير ذلك. وقارنت الكاتبة هنا بين الرهاب والجدل الذي لا محل له حول استخدام الدرونز بما قدمته فيفيان سلامة في تقريرها المطول في ‘رولينغ ستونز’ تحدثت فيه عن نظرة مرعبة عن ‘حرب الدرون’ التي تقوم بخلق حالة من الرعب بين اليمنيين، حيث تقوم الطائرات باستهداف الأهداف الخطأ وتقتل المدنيين.كما تؤثر الهجمات التي تسبق بمستويات عالية من الطنين على نفسية اليمنيين وتثير قلقهم.
إبراهيم درويش: