تعز ـ «القدس العربي»: شهد الوضع السياسي والعسكري في اليمن تغيّرا ملحوظا بعد قصف جماعة الحوثي المتمردة في اليمن العاصمة الإماراتية أبو ظبي، الاثنين الماضي، والذي خلق تحوّلا كبيرا في اتجاهات المعركة وفي مسارات المواجهة، والتي عبّرت عنها نظريا لغة الخطاب الجديدة للإمارات والسعودية، وعمليا الغارات الجوية المكثفة لمقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية على مواقع الحوثيين في العاصمة صنعاء والعديد من المدن الأخرى.
ومنذ القصف الحوثي لأهداف حيوية في مطار ومنشآت نفطية بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، الاثنين الماضي، والغارات الجوية لمقاتلات التحالف العربي، لم تتوقف على أهداف حوثية محتملة في العاصمة صنعاء ومحافظات مأرب وشبوة وعمران والحديدة وغيرها، والتي أسفرت عن سقوط الكثير من المدنيين ضحايا لتلك الغارات، وخاصة إثر قصف الأحياء السكنية والمساكن الخاصة، والتي لم تثبت التحقيقات الأولية وجود أي مبرر موضوعي لقصفها.
وتزامن ذلك مع التصعيد العسكري على الأرض من قبل قوات الحكومة اليمنية المدعومة من قبل التحالف العربي، بقيادة السعودية، والتي حققت مكاسب عسكرية كبيرة مؤخرا في محافظتي شبوة ومأرب، وما زالت تشهد تقدما عسكريا مهما في مختلف الجبهات، بعد أن حظيت بدعم عسكري ولوجستي كبير من قبل التحالف بشكل غير مسبوق، وهو ما عزز النداءات السياسية التي تطالب بضرورة أن يلعب التحالف دورا واضحا في معركته باليمن، إمّا بدعم قوي للجيش اليمني، يتناسب وقدرات دول التحالف العسكرية، وإما يترك اليمنيين يقررون مصيرهم برفع الحظر الخليجي عنهم ورفع أيدي التحالف المقيّدة لبناء جيش يمني قوي ومسلح بأحدث المعدات العسكرية.
ويرى العديد من السياسيين اليمنيين أن الصراع في اليمن بعد قصف الحوثيين للعاصمة الإماراتية أبو ظبي ليس كما قبله، ويعدّون ذلك «نقطة تحول كبير في مسار المعركة في اليمن، لصالح الحوثيين دعائيا وضدهم عسكريا، حيث شكل ذلك استفزازا لدولة الإمارات والتي تلعب دورا بارزا في قيادة قوات التحالف العربي في اليمن بعد السعودية، والتي دفعت بالتحالف إلى استنفاد كل طاقته لاستئصال مكامن القوة لدى الحوثيين دون هوادة» في إشارة إلى كثافة الغارات الجوية لمقاتلات التحالف ضد الحوثيين خلال الأيام الماضية.
وعلى الصعيد العسكري الميداني أكد محافظ مأرب، الشيخ سلطان العرادة، أن «الجبهات الآن تشهد تحولا كبيرا لصالح الشرعية وانتصارات في جنوب مأرب». مشيرا إلى انتصارات كبيرة استطاعت قوات الحكومة الشرعية تحقيقها مؤخراً ضد الميليشيا الحوثية، جنوبي محافظة مأرب، وقال إنها أتت انعكاساً لعملية «حرية اليمن السعيد» التي أعلن عنها التحالف العربي عقب تحرير محافظة شبوة الأسبوع قبل الماضي.
إلى ذلك قال عضو مجلس النواب اليمني عن حزب المؤتمر الشعبي العام علي المعمري ان «توحيد اليمنيين ضد الحوثي مرهون بتوحيد الجبهة العسكرية وليس باستجداء قيادات الأحزاب أو السياسيين خاصة وأن قرار الحرب والدعم والتمويل هو قرار التحالف وهو الذي يدير العمليات العسكرية».
وأوضح المعمري في منشور له بصفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» ان «توحيد القيادة العسكرية وتوحيد القرار العسكري وجعل اليمن كلها مسرح عمليات واحد بغرفة سيطرة واحدة وخطة عسكرية واحدة ودعم عسكري واحد لكل الجبهات هو من سيوحد الجبهات العسكرية، ويحقق الحسم وليس السياسيون اليمنيون» في إشارة إلى أن القرار في الحسم العسكري مرهون بيد التحالف العربي، بقيادة السعودية، وهو ما خذل الحكومة الشرعية اليمنية ومن يقف معها في خندق المواجهة ضد المتمردين الحوثيين.
مكاشفة يمنية جريئة
وقال نائب رئيس مجلس النواب، الأمين العام لحزب العدالة والبناء، عبدالعزيز جباري، في تعليق له على تغريدة لنائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز «تابعت كغيري تغريداتكم الأخيرة بخصوص اليمن ودعوتكم لليمنيين أن لا يصدقوا كذب الحوثي وتحذيركم من مشروعه المدمر لليمن والمنطقة وبأن قيادة المملكة وقادة مجلس التعاون الخليجي يرغبون بإدماج اليمن في منظومة المجلس وبأن هدفكم مصلحة وخير الشعب اليمني، كما تابع اليمنيون تصريحات المتحدث باسم التحالف وانطلاق عملية تحرير اليمن السعيد وقبلها عاصفة الحزم وعاصفة الأمل ومن ثم اتفاق الرياض وبيانات وتصريحات لمسؤلين كثر حول اليمن ومستقبله».
وأضاف «الحقيقة أن هذه التصريحات الإيجابية منكم محل تقدير لدى الشعب اليمني الذي أصبح أكثر ما يتمناه أن يترك وشأنه فقط ولا يطمح لشيء آخر». وقال «اسمح لي أن ألفت انتباهك بصدق ووضوح إلى ما يفكر فيه اليمنيون وما يرونه في سياستكم نحو اليمن، ففي الوقت الذي تشكل فيه السعودية سياستها تجاه الملف اليمني، فليس مطلوبا منكم سوى أن تأخذوا مصلحة اليمن الجار والشقيق لكم بعين الاعتبار».
موضحا أن الأيام أثبتت أن عدم استقرار اليمن ليس في مصلحة المنطقة، والسعودية بشكل خاص وبأن اليمن القوي المستقر فيه مصلحة للجميع، وبأن تعريض اليمن للتجزئة والتقسيم فيها خطورة على اليمن ودول المنطقة «فلن يقف التقسيم عند حدود اليمن فحسب فأغلب دول المنطقة مرشحة لذلك وفيها من المشاكل مثلما لدى اليمن وأكثر».
وأشار إلى أن السعودية انخرطت خلال السنوات الأخيرة فيما يشكل بكافة المقاييس «محادثات حسن النية مع إيران بشأن مستقبل اليمن وقبل ذلك مع الحوثيين لكنها لم تفعل ذلك مع اليمنيين وتصر على تقييد حركة القيادة اليمنية ومصادرة القرار السيادي اليمني وتمنع عن الجيش السلاح النوعي والكافي مما أتاح لميليشيات الحوثي البقاء والسيطرة لهذه الفترة من الزمن».
وأضاف «نسمع كلاما جميلا يخص اليمن، لكننا نلمس أفعالا تخذلنا، فقد قلتم أنكم جئتم لدعمنا، لكن الواقع يقول أنه تم السيطرة على الممرات المائية والجزر اليمنية من خلال الوجود العسكري وبطريقة غير قانونية، كما هو حاصل في سقطرى والمهرة وجزيرة ميون، وغيرها فهذه التصرفات أفضت إلى تعقيد المشهد السياسي والعسكري والوصول باليمن إلى مرحلة اللا دولة وأدت إلى تمكين الميليشيات المسلحة المناوئة للشرعية من بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية».
وكشف جباري أن «استمرار الصراع الهجين بهذا الشكل يضر بمصالح اليمن والسعودية ولذلك من مصلحة المملكة أن تغيّر من سياساتها، لأن الاستمرار بهذا الشكل في التعامل مع اليمنيين لن يخدم سوى إيران». مشيرا إلى أن الكرة ما زالت في ملعب السعودية، إما أن يكسب اليمن ومعه ثلاثون مليون يمني ليكونوا سندا لها حاضرا ومستقبلا وتبقي على اليمن في الدائرة العربية، أو أنها تدفع بهم إلى حضن إيران وإخراج اليمن من الدائرة العربية.
وكان نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، قال في تغريدته «تسعى المملكة ودول الخليج العربي ليكون اليمن ضمن المنظومة الخليجية لينعم شعبه بالأمن والاستقرار والتنمية كسائر شعوب الخليج، إلا أن الميليشيات الحوثية اختارت الإرهاب والدمار واستخدمت أبناء اليمن كحطب يخدم أجندة النظام الإيراني؛ ونؤكد لشعب اليمن بأنه منّا ونحن منه وسنكون دومًا إلى صفه».
تغيّر معادلة المعركة
ويبدو أن التطورات الراهنة في اليمن خلقت مسارات وآفاق جديدة للصراع هناك بشكل أكثر وضوحا أكثر من ذي قبل، ولم تعد محصورة محليا، بل اتخذت اتجاهات إقليمية، سعودية – إيرانية، وبينهما تلعب الإمارات على حبل المتناقضات، لاقتناص الفرص في كسب وتعزيز المزيد من طموحاتها في اليمن، التي تعد الرابح الأكبر في هذه الحرب، من خلال السيطرة- عبر أدواتها المحلية المسلحة – على الكثير من المحافظات الجنوبية، والمناطق الحيوية فيها، على حساب الحكومة الشرعية اليمنية، التي أصبحت أبو ظبي تستخدم إعلامها للنهش من جسدها الشرعية اليمنية المنهك، وتوجيه السهام المسمومة نحوه بشكل مستمر.
وقال رئيس مركز «أبعاد» للدراسات والبحوث، عبدالسلام محمد، وهو مستشار في وزارة الإعلام اليمنية «لن يعرقل مسار التصالح بين اليمن بشرعيته وأحزابه مع كل دول الخليج بما فيها الإمارات أي حدث ناهيكم عن مقابلة» في إشارة إلى مقابلة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي في عدة قنوات سعودية وإماراتية، شن فيها هجوما على الحكومة الشرعية وعلى شخصية الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، واتهمها بدعم الإرهاب، وهي ما لقيت استهجانا كبيرا من قبل المشاهدين اليمنيين، في كيفية بث مثل هذه الاتهامات من قبل قنوات سعودية ومن عاصمتها الرياض، وهو ما دفع بهذه القنوات إلى حذف تسجيل هذه المقابلة من حسابها في موقع يوتيوب.
وأوضح أن «الإمارات الآن أصبحت جزءا من قوتنا وحربنا ضد الانقلاب الحوثي، وكل التشوهات التي خلقت فجوة بين الشرعية بأحزابها بما فيها الإصلاح مع الإمارات انتهت، وهناك مرحلة جديدة مختلفة». مضيفا أنه بعد تهديد ممرات التجارة الدولية واستهداف السعودية والإمارات بصواريخ ودرونز إيرانية/حوثية من صنعاء، «لم تعد حرب اليمنيين مع الحوثيين حربا أهلية كما تصور، بل حربا إيرانية عربية».
ويبدو أن مسار المعركة في اليمن سيشهد خلال الفترة المقبلة تحولات عديدة، تتكشف ملامحه من خلال المستجدات الراهنة، كما تنبئ عنه بعض التصريحات الرفيعة لقيادات دول التحالف ولغة الخطاب السياسي فيها، التي تحاول من خلالها دغدغة عواطف اليمنيين ورفع معنوياتهم ودفعهم نحو الشعور بالأمل، بعد سيطرة ركام الإحباط عليهم جراء سبع سنوات من الحرب المدمرة، بدون مكاسب ملموسة على أرض الواقع باتجاه استعادة الدولة في اليمن.