اليمن والتمويل الإنساني: هل صار سؤال السلام مؤجلا؟

أحمد الأغبري
حجم الخط
0

عدد من كبار المانحين، هم ممن يسهمون في تأجيج الصراع في المنطقة؛ لكنهم في ذات الوقت قرروا أن يتراجعوا عن تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للمأساة اليمنية.

صنعاء ـ «القدس العربي»: ربما كان متوقعًا فشل اجتماع كبار المانحين السادس في بروكسل، والخاص باليمن، الثلاثاء، لكن فشله لم يكن متوقعًا بالمستوى الذي ظهر عليه؛ إذ لم يتجاوز التمويل المعلن (ربع) التمويل المطلوب والبالغ 2.7 مليار دولار؛ وهو أدنى تمويل التزم به المانحون منذ بدء الصراع؛ في دلالة على تراجع اهتمام المجتمع الدولي الإنساني بواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم؛ وهو إهمال ربما كان واردًا، وإن لم يكن بالدرجة التي جاء عليها؛ لكنه كان قد سجل حضوره في اجتماع تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2023 والتي لم تتحصل سوى على 41 في المئة من التمويل المطلوب البالغ 4.3 مليار دولار أمريكي، لكن أن يسجل تمويل خطة استجابة 2024 تراجعًا أكثر مما نالته خطة 2023 على الرغم من تركيز خطة هذا العام على الاحتياجات الملحة والضرورية جدًا؛ فهو ما لم يكن متوقعا!

واللافت في الأمر أن عددا من كبار المانحين، وهذه نقطة نوهت بها منظمات إنسانية دولية في تعبيرها عن الاستياء من نتائج الاجتماع السادس؛ هم ممن يسهمون في تأجيج الصراع في المنطقة؛ لكنهم في ذات الوقت قرروا أن يتراجعوا عن تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للمأساة اليمنية؛ وهي مأساة تشمل جميع أنحاء البلد شمالًا وجنوبًا، وتشمل عددًا كبيرًا من مجالات التمويل من غذاء وتطبيب ومأوى ومياه شرب وصرف صحي…الخ؛ وبالتالي فإن تراجع تمويل البرامج الإغاثية لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في اليمن والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية سينعكس في تفاقم الوضع الإنساني، الذي كان قد شهد تحسنًا نسبيًا مع استمرار الهدنة بشكل غير رسمي لأكثر من عامين؛ وعلى ما يبدو أن هذه المكاسب ستنحسر؛ وقد بدأت بالفعل في الانحسار بوضوح من النصف الثاني من العام الماضي؛ نتيجة توقف عمل عدد من البرامج الإغاثية؛ وخاصة برنامج الغذاء العالمي.
وكانت خطة الاستجابة للعام الماضي تتطلب الوصول إلى 17.3 مليون شخص من الفئات الأشد ضعفًا والمحتاجين الدعم الإنساني، نتيجة الصراع الذي طال أمده والنزوح والتدهور الاقتصادي، والذي تفاقم بسبب الكوارث الطبيعية المتكررة، إلا أن عدد ذوي الاحتياج في العام 2024 ارتفع إلى 18.2 مليون شخص.
مهما كانت المؤشرات الأممية المعلنة فهي في الأخير تعود لما تنتهي إليه تقييمات الاحتياجات وتوقعات الأمن الغذائي. ما نريد الذهاب إليه أن تراجع التمويل الإنساني قد يُفضي إلى فقدان المكاسب التي تم تسجيلها في الأعوام السابقة قبل 2023وهي وإن كانت مؤشرات هشة إلا أنها كانت تمثل خطوة للأمام؛ وهو ما يجعلنا نتوقع تراجعًا في مؤشرات الوضع الإنساني في اليمن مع نهاية العام 2024 ما سينعكس على الوضع الديموغرافي والعمل الصحي والأمن الغذائي… الخ في ظل الوضع السيء للغاية الذي تعيشه الحالة الإنسانية في اليمن؛ والتي ما زالت حسب الأمم المتحدة المأساة الأسوأ في التاريخ الحديث.
إن قراءة الأسباب التي أفضت إلى تراجع التمويل الإنساني للمأساة اليمنية تقتضي تقديم قراءة موازية لما يمكن أن تكون عليه جهود السلام في الفترة المقبلة؛ إذ أن إهمال المجتمع الدولي الإنساني بما فيه اللجنة الرباعية (أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات) المعنية بالشأن اليمني سينعكس على رؤية هذه الدول للسلام في هذا البلد القصي؛ أو ربما نقول إن رؤيتها للسلام قد انسحبت على علاقتها بالتمويل الإنساني.
وعلى امتداد تاريخه المعاصر؛ اليمن يعاني من مشاكل بالغة التعقيد؛ يمكن اختزالها بتكثيف في علاقة قواه الفاعلة بمراكز خارجية تمارس ضغطًا وتوجيهًا لمسارات وعلائق واقعه المحلي؛ وهو ما يمكن قراءته بجلاء في أزمته الراهنة.

أجندة وأولويات

لم يستغرب الباحث، أنور الخضري، من نتائج اجتماع كبار المانحين السادس بشأن اليمن؛ فحسب رأيه فإن الحروب والأزمات العالمية هنا وهناك قد جعلت كثيرًا من الدول تُعيد ترتيب أجندتها وأولوياتها، وتتجاوز أي التزامات مكلفة؛ مشيرًا إلى ما اعتبرها مسؤولية التحالف العربي تجاه اليمن، على صعيد إخراجه من حالة الحرب والحصار وإعادة إعماره.
وقال لـ«القدس العربي»: «الدول ليست جمعيات خيرية، وبالتالي فهي عندما تنظر لليمن وظروفه تتعامل معه بمستوى عالٍ من السياسة. وبالتالي فإن اليمن اليوم يعاني من تعنت في استمرار الحصار عليه، ومن منعه من تصدير ثرواته، وهذا يعني أن تضخم الأزمة الإنسانية ليس إلا نتاج سياسة فاشلة وغير منطقية. ما يعني أن الأصل هو فتح المجال الجوي والبحري والبري، ورفع الحصار عن اليمن أولًا، وتمكين حكومته من تصدير ثرواته النفطية والغازية ثانيًا، ثم النظر إلى حجم الفجوة الاقتصادية التي يمكن تغطيتها كي لا تشتد المعاناة الإنسانية للمجتمع اليمني. هذا هو الأساس المنطقي لمعالجة الواقع اليمني واليمن كدولة.. لا أن تظل في خانة الفقير المعدم لمجرد حصاره وتعطيل موارده».
ويرى أنه لذلك «لا تتجاوب الدول المانحة مع الدعوة المتعلقة بدعم اليمن. وفضلًا عن ذلك تسببت الحروب والأزمات العالمية بارتفاع كلفة الاقتصاد على الكثير من الدول ما جعلها تُعيد ترتيب أجنداتها وأولوياتها، والخروج من أي التزامات مكلفة عليها، وفي حين كان يُفترض أن يتولى التحالف العربي مسؤولياته تجاه اليمن، والعمل على إخراجه من حالة الحرب والحصار وإعادة إعماره، إذا بدوله تتخلف عن ذلك، وتصب اهتماماتها بملفات أخرى».

السلام… مسار غامض

فيما يتعلق بجهود السلام ومواقف كبار المانحين منها، لا يتوقع أنور الخضري أن لدى الدول الغربية أي قناعة بجدوى عملية السلام وانعكاسها على تحسن الأوضاع في اليمن.
وقال: «حتى الآن ليست واضحة المعالم، وتُدار بتكتم شديد وبعيد عن الأنظار. وبالتالي فلا أتوقع أن لدى الدول الغربية تحديدًا أي قناعة بجدوى عملية السلام وانعكاسها على تحسن الأوضاع في اليمن، خصوصًا أن جماعة الحوثي وبعد تسع سنوات حرب تتهدد خطوط الملاحة الدولية. لهذا لا يمكن أن يتم التعامل مع وضع غامض، وفي ظل فشل سياسي للتحالف العربي أدى لبقاء اليمن بلد منهار ويتهدد المصالح العالمية. كما أن الدعم الذي سيوجه في هكذا ظروف لن يكون ذو ثمرة، خاصة أن الدولة غائبة ككيان مهيمن وذو سيادة وقدرة على القيام بمسؤولياته الوظيفية الدستورية على أكمل وجه. وفي حال قامت دولة يمكن مراقبتها ومساءلتها، حينها يمكن دعمها، أما وقد توزع اليمن على كنتونات ممزقة تحكمها ميليشيات مسلحة تتبع دولا خارجية فالدعم هنا سيغذي الحرب؛ لأنه سيذهب لجيوب زعماء الميليشيات الحاكمة بالأساس».

طول فترة الصراع

الصحافي معين النجري عزا تراجع التمويل الدولي للوضع الإنساني في اليمن إلى توقف مساهمة السعودية والإمارات، بالإضافة إلى طول فترة النزاع الذي أثر سلبًا على حماس المانحين.
وقال لـ«القدس العربي»: «باعتقادي أن تراجع حجم التمويل الدولي لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن يعود لعدة أسباب، أهمها توقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن المساهمة في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن. السعودية مثلًا أعلنت أنها حولت التمويل الذي كانت تقدمه للمنظمات الدولية لتمويل الأنشطة الإنسانية التي ينفذها مركز الملك سلمان في اليمن. على كل حال، لقد كانت السعودية والإمارات أكبر الممولين لخطة الاستجابة في اليمن، ولذلك فقد مثل توقفهما مشكلة كبيرة وتراجعا قويا في حجم التمويل».
ويعتقد أن «السبب الثاني لتراجع التمويل الإنساني الإغاثي في اليمن يرتبط بطول فترة الأزمة والصراع، وهذا أثر سلبًا على حماس الدول المانحة في تمويل العمل الإنساني، بالإضافة إلى حدوث أزمات وحروب مماثلة في أكثر من منطقة مثل أوكرانيا والسودان».
ويرى النجري «أن تمويل النشاط الإنساني والإغاثي في هذه المناطق جاء بنسب متفاوتة على حساب تمويل العمل الإغاثي في اليمن».
ويعتقد «أنه ربما كان لعدم التعامل الجدي من قبل أطراف الصراع في اليمن مع المساعي الدولية للوصول إلى حل دائم والدفع لتحقيق السلام دورًا في تراجع حجم التمويل الدولي للأعمال الإغاثية والإنسانية في اليمن».
تراجع تمويل العمل الإغاثي في اليمن يؤكد بجلاء أن الأزمة اليمنية إنسانيًا وسياسيًا صارت مؤجلة لدى المجتمع الدولي، لاعتبارات لا يمكن قراءتها في إصرار أطراف الصراع على إطالة أمده، والكلفة الباهظة لإغلاق ملفه، والتهرب الإقليمي من تبعات إعادة إعماره…بل ورغبة البعض في تهيئة البلد لإعادة التموضع جيوسياسيًا بما يتفق ورؤيتهم لما يفترض أن يكون عليه في علاقته بمفاعيل القوة والتأثير.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية