اليمن والوساطة الأممية: اقترب الاختراق

عبد الحميد صيام
حجم الخط
1

نيويورك-»القدس العربي»: زيارة مبعوث الأمين العام الخاص لليمن، مارتن غريفيث، لطهران يومي الأحد والإثنين الماضيين على قدر كبير من الأهمية. إنها اعتراف، ولو جاء متأخرا، بالدور المحوري لإيران في حل النزاع في اليمن الذي مضى عليه نحو ست سنوات. وكما هو الحال في سوريا وليبيا، فقد تحول النزاع في اليمن إلى نزاع ذي أبعاد إقليمية ودولية تتوزع أوراقه على أكثر من لاعب. وإذا لم يتم التشاور مع كافة الأطراف ومحاولة التوصل إلى نوع من التفاهمات المشتركة بينها فستظل الحلول بعيدة المنال.
هذا ما توصلت إليه الوساطة الدولية في مسألة ليبيا وسوريا، حيث ساهم التفاهم المصري التركي الروسي على حلحلة الأمور في ليبيا بعد إقصاء الدورين التخريبيين للإمارات وفرنسا. وكذلك عندما حصرت التفاهمات في القضية السورية في الثالوث المؤثر روسيا وتركيا وإيران وإقصاء الأدوار لعشرات الدول التي تبخرت بعد أن كان قد وصل عددها لسبعين دولة تحت مسمى أصدقاء سوريا.
إن أهم تطور في الأيام الأخيرة هو وصول جو بايدن للبيت الأبيض. كل دول المنطقة بدأت ترتب أوراقها لتغييرات سياسية جذرية بعيدة عن أساليب الرئيس السابق، دونالد ترامب، المزاجية.
في أيامه الأولى أكد الرئيس الأمريكي على أن إنهاء حرب اليمن يقع على رأس أولوياته خاصة وأن الشعب اليمني يتعرض لأكبر كارثة إنسانية بسبب الحرب التي شنتها دول التحالف لتنهي انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية التي يمثلها عبد ربه منصور هادي. وكان التدخل السعودي الإماراتي كالذي جاء «ليكحلها فخلع عينها». فبدل أن تنجح في احتواء الحوثيين وإعادتهم إلى مناطقهم في صعدة، استطاع الحوثيون أن يوسعوا من مناطق سيطرتهم وأن ينقلوا المعركة إلى المدن والمطارات والمنشآت السعودية. ولا شك أن الدعم الإيراني الواسع للحوثيين، هو الذي مكنهم من الصمود والتوسع والتفوق. بالضبط مثل الدعم التركي لحكومة الوفاق في طرابلس. الفرق أن إيران تدعم انقلابا غير شرعي بينما تركيا وقفت إلى جانب الحكومة الشرعية. لقد وعد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن ينهي الحوثيين خلال ثلاثة أسابيع، مثلما وعد الجنرال المنشق خليفة حفتر أن يحتل طرابلس خلال أسبوعين وينهي ما سماه حكومة الإرهابيين. وانظر إلى المعادلة الآن وكيف انقلب السحر على الساحر وأصبحت السعودية تبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه أما حفتر فلم يجد من يحفظ له ماء الوجه بعد سلسلة هزائمه المتواصلة.
ولمتابعة هذه السياسة الجديدة للبيت الأبيض أصدر الرئيس الأمريكي أمرا تنفيذيا لوقف تزويد دول التحالف بأسلحة هجومية، كما ألغى تصنيف الحوثيين بأنهم جماعة إرهابية، وهو الفرمان الذي أطلقه وزير خارجية ترامب، بومبيو في أيامه الأخيرة. ولتأكيد اهتمامه الشخصي بالملف اليمني عين بايدن مبعوثا خاصا له لليمن هو تيم ليندركنغ. من هنا بدأت بوارق الحل للأزمة اليمنية.

عودة إلى البيان المشترك

كان المبعوث الخاص لليمن، مارتن غريفيث، قد أطلق مبادرة تحت عنوان «الإعلان المشترك» في أوائل تموز/يوليو وعرضه على كافة الأطراف للتشاور حوله. وقد جرت عليه مجموعة من التعديلات. وأعتقد أن الأمور الآن، وبدعم أمريكي كما أسلفنا، جاهزة لإعادة طرح الموضوع بشكل كامل كخريطة طريق لحل النزاع في اليمن.
وتنص مسودة «البيان المشترك» المعدلة على نقاط رئيسية أهمها ثلاث:
أولا: وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك الجبهات التي تشارك فيها جهات غير حكومية في مواجهات مع الحوثيين. وكذلك في المناطق التي لا يسيطر عليها الحوثيون. والمطلوب الآن عن طريق تعاون سعودي إيراني أن يتم الإعلان عن وقف جميع الأعمال العسكرية في كل البلاد على الطريقة الليبية. ويشمل وقف إطلاق النار، كما ينص الإعلان على التزام الطرفين بـ «الوقف الكامل لجميع العمليات الهجومية العسكرية البرية والجوية والبحرية، بما في ذلك إعادة انتشار القوات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخيرة». ويشمل وقف إطلاق النار كذلك وقف الهجمات الجوية والبرية على الأراضي السعودية. تقوم لجنة مشتركة من أطراف النزاع تحت رعاية الأمم المتحدة بمراقبة وقف إطلاق النار وعقد اجتماعات أسبوعية للمراقبة والتشاور.
ثانيا: يتم تعاون جميع الأطراف مع الأمم المتحدة لتسهيل وصول المواد الغذائية لكل أبناء الشعب اليمني المحتاجين خاصة من الأطفال والنساء على وجه السرعة لتلافي مأساة إنسانية قد تودي بحيات مئات الألوف بسبب المجاعة ونقص الغذاء والدواء وسوء التغذية الحاد لحوالي 2.3 مليون طفل. وهذا يتطلب فتح الطرق الرئيسية للمدن، لا سيما في تعز وصنعاء والحديدة ومأرب وصعدة والجوف. وكذلك تسهيل وصول المساعدات الغذائية عن طريق ميناء الحديدة. كما تدعو الخطة إلى فتح مطار صنعاء الدولي، وتسمح للرحلات الإنسانية والتجارية والمدنية بالهبوط دون عقبات.
كما تدعو خطة غريفيث إلى إصلاح خط أنابيب مأرب – رأس عيسى حتى يتمكن من استئناف ضخ النفط، وضمان سلامة خزان النفط المتهالك «صافر» الذي يحمل مليونا ونصف الميلون من النفط لمدة تزيد عن خمس سنوات ويهدد في حالة تسرب النفط بوقوع كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لا مثيل لها. كما يشمل الإعلان إعادة تشغيل محطة كهرباء مأرب الغازية ورفع القيود المفروضة على دخول سفن الحاويات والمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة.
ثالثا: الخطوة الثالثة التي تلحق بوقف إطلاق النار الشامل وتسهيل توزيع المعونات الإنسانية هي استئناف المفاوضات بناء على ما تم تحقيقه في جنيف والكويت وستوكهولم. الهدف هو الوصول إلى توافق على تشكيل حكومة انتقالية تشمل جميع مكونات الشعب اليمني تسيـّر أمور البلاد ضمن خريطة طريق متفق عليها تشمل الاستفتاء على دستور جديد والتوجه نحو الانتخابات الشاملة التشريعية والرئاسية.

ضوء في نهاية النفق

لقد تبدل على اليمن ثلاثة مبعوثين خاصين هم المغربي جمال بنعمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد والبريطاني مارك غريفيث. تناولت المرحلة الأولى (2011 -2015) تحت إشراف جمال بنعمر البدء بعملية انتقالية سياسية ودعمها على النحو الذي أرسته مبادرة مجلس التعاون الخليجي. وتوجت هذه المرحلة بالتوصل إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر تسعة أشهر بمشاركة كافة أطياف الشعب اليمني. جاءت المرحلة الثانية التي قادها المبعوث الثاني لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد (2015- 2018) والتي شهدت إنطلاق عاصفة الحزم بقيادة السعودية بعد أن قامت قوات «أنصار الله» والحرس الجمهوري التابع للرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، باحتلال العاصمة اليمينة صنعاء في ايلول/سبتمبر 2014 وبدأوا يتمددون إلى الجنوب وصولا إلى مشارف عدن. في هذه المرحلة ركزت جهود المبعوث الخاص الثاني على إقناع أطراف النزاع بوقف القتال والعودة إلى العملية السياسية. استطاع ولد الشيخ أحمد أن يجمع الفرقاء أولا في جنيف وثانيا في الكويت. كان يؤمن بأن الحوار وجها لوجه هو أفضل طريقة لمحاولة كسر الجمود مصحوبا بخطوات صغيرة لبناء الثقة. استمرت حوارات الفرقاء في الكويت عام 2016 نحو 3 أشهر، لكنهم لم يتوصلوا إلى أي اتفاق لحل الأزمة. استقال ولد الشيخ أحمد في كانون الثاني/يناير 2018 وبدأت المرحلة الثالثة من شباط/فبراير 2018 وحتى الآن مع النهج الجديد للمبعوث الخاص، مارتن غريفيث، القائم على تحقيق خطوات صغيرة على طريق التسوية السلمية الشاملة بين أطراف النزاع. وقد نجح غريفيث بجمع الأطراف اليمنية في السويد لمدة أسبوعين توصلوا بعدها إلى اتفاق ستوكهولم في كانون الأول/ديمسبر 2018 الخاص بالحديدة، وهو أكبر إنجاز حققه غريفيث في بداية ولايته. ثم استطاع أن يحقق انجازات صغرى أخرى كتبادل بعض الأسرى وإرسال عدد من المصابين للعلاج الخارجي من مطار صنعاء وتجميد القتال إلى حد كبير في منطقة الحديدة.
الآن يقف غريفيث أمام استحقاق أكبر. فإذا ضمن تأييد الولايات المتحدة وكل أعضاء مجلس الأمن، وضمن التعاون الإقليمي من إيران والسعودية والإمارات، فإننا نعتقد أن الأزمة اليمنية في طريقها إلى الحل. لكننا لا نريد أن نغرق في التفاؤل. فحتى لو قبلت الأطراف الخارجية جميعها بالحل السلمي والتسوية الشاملة عن طريق المفاوضات فلن يجدي ذلك شيئا إذا لم يتعاون اليمنيون مع الأمم المتحدة وومثليها في تنفيذ خريطة الطريق هذه كما فعل إخوانهم في ليبيا. هذا هو الامتحان لكل النخب السياسية اليمنية. فهل سيضعون مصلحة اليمن والشعب اليمني أولا أم أنهم سينتصرون لمصالحهم الشخصية ومصالح القوى الإقليمية الداعمة لهم؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الجرموزي:

    تحليل جدا رائع وموضوعي وقريب الي الواقع..، شكرًا يا دكتور عبدالحميد علي اهتمامك بالشأن اليمني.

إشترك في قائمتنا البريدية