اليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث: قصة أطول ملوك بريطانيا اعتلاء للعرش

مولود بن زادي
حجم الخط
0

احتفلت الملكة إليزابيث الثانية البالغة 96 عاماً مؤخراً بيوبيلها البلاتيني بمناسبة مرور 70 عاماً على توليها العرش البريطاني وخدمتها الكومنولث، يشاركها فرحتها البريطانيون وشعوب الكومنولث ومعجبون في أنحاء المعمورة. ملكة بريطانيا ليست رمزا للتاج البريطاني ووحدة الشعب فحسب، بل أيضا رئيسة الدولة التي تقوم بزيارات رسمية للدول وتدعو زعماء العالم لزيارة المملكة. ولها صلاحيات افتتاح البرلمان وحله. وهي قائدة القوات المسلحة التي لا تنشبُ حربٌ ولا ترخي سدولها من دون إذنها. وهي رئيسة كنيسة إنكلترا التي تتولى تعيين رؤساء الأساقفة والأساقفة. وهي ممثلة المملكة المتحدة في الأفراح والأتراح. صلاحيات الملكة تتعدى حدود إنكلترا لتشمل علاقات وستمنستر بالحكومات الإقليمية في اسكتلندا، وويلز وإيرلندا الشمالية. فالعاهل هو من يعيِّن الوزير الأول في اسكتلندا وفقا لما يُرشحه البرلمان الاسكتلندي، والوزير الأول لويلز وفقا لما تختاره الجمعية الوطنية لبلاد الغال.
تغنَّى باسمها مطربون كبار في مقام نجم فرقة البيتلز، بول مكارتني الذي عبّر عن إعجابه بها في مقابلة على أمواج «راديو تايمز» في ايلول/سبتمبر 2019 شبّه فيها الملكة بـ «النجمة السينمائية الساطعة». وعرض سيرتها مخرجون في أفلام ومسلسلات على منوال «الملكة» الصادر عام 2006، من إخراج ستيفن فريرز. وكتب عنها كثيرون كمحرري «لايف» الأمريكية التي صدر عنها كتاب بعنوان «الملكة إليزابيث في التسعين: قصة أطول ملوك بريطانيا اعتلاء للعرش».

محبوبة إنكلترا

يوثق الكتاب بدقة ولادة الملكة ونشأتها، واصفا الأجواء التي عاشتها إنكلترا والعالم عند ولادة إليزابيث ألكسندرا ماري وندسور، وهو اسمها الكامل، «بعملية قيصرية، في الساعة 2:40 صباحًا، في يوم 21 نيسان/أبريل 1926 استقبل ولادتها البريطانيون بالأهازيج وقرع كؤوس الشراب – احتفلوا بشرب (الشاي في وندسور والبيرة والويسكي في الحانات وفي الشوارع)». وراحت الصحافة البريطانية تحتفي بمولد «الأميرة إليزابيث الشقراء ذات العيون الزرقاء» بإثارة وتشويق. ففي حديثها عن حفل التعميد الذي أقيم في كنيسة قصر باكنغهام، كشفت مجلة «تايم» أنّ «المياه كانت من نهر الأردن».
تطلَّع البريطانيون إلى مشاهدة المولودة الجديدة بشغف. فتدفَّقت الحشود لإلقاء نظرة عليها في عربتها أو اختلاس نظرة من إحدى نوافذ قصر باكنغهام. بدا «وجهها الملكي صغيرا، مستديرا، ورديا» وهي تمص إبهامها، مثلما ذكرت مجلة «تايم».

ملكة كلّ الأوقات

الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس قد لا توجد اليوم، ولكن التاج البريطاني ما زال إلى يومنا هذا قويا مؤثرا يضمّ 14 دولة، بما في ذلك كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا. وهي دول تعترف بإليزابيث ملكة لها. إليزابيث هي أيضا رئيسة الكومنولث المؤلفة من 54 دولة تمتد عبر رقعة جغرافية واسعة في العالم.
الملفت للانتباه في حياة إليزابيث أنها لم تكن بأي حال من الأحوال مرشحة لأن تتربع على العرش يوما، في البداية. فالعرش كان بين يدي عمها وليس والدها. فلولا تقلبات الدهر لكانت حياتها «امتدادا لطفولتها التي أمضتها في التجديف في الجداول، وتمشية كلابها، وركوب خيولها. ولكن عندما تخلى عمها الملك إدوارد الثامن عن العرش ليتزوج من عامة الشعب، اعتلى والدها العرش ليحمل لقب الملك جورج السادس، وأصبحت إليزابيث الوريث المباشر للعرش».
وبعد مرور سنوات، كتب لها الملك: «لقد شاهدتك تكبرين بفخر طوال هذه السنوات» وبعد رحيل والدها في شباط/فبراير 1952، أصبحت إليزابيث ملكة لسبع دول من دول الكومنولث المستقلة وهي المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وباكستان وسيلان. كانت آنذاك تبلغ من العمر 25 عامًا.

واجباتها العائلية

على الرغم من كل مهامها وواجباتها المتعددة خدمة للمملكة المتحدة ودول الكومنولث، تبقى إليزابيث الثانية تلك الأم الحنون والجدة العطوف المُحبَّة لأطفالها والمُشفقة بأحفادها. قال عنها الأمير هاري يوما، «إنها مجرد جدة عادية، هادئة للغاية». تصريح الأمير هاري يفند شائعات ترددت بأنّ الملكة كانت بعيدة ومنشغلة عن الأسرة. الأميرة آن، أخت تشارلز الصغرى، دافعت هي الأخرى عن والدتها حيث ذكرت في كتاب «فيليب وإليزابيث: صورة زواج ملكي» تأليف جيلز براندريث، إصدارات 2006: «لكني ببساطة لا أعتقد أن هناك أي دليل على الإطلاق يشير إلى أنها لم تكن مهتمة. فهذا كلام لا أساس له من الصحة. لعلنا لم نكن أطفالا متطلبين للغاية، بمعنى أننا في الوقت المناسب، فهمنا القيود والمسؤوليات الملقاة على عاتقها بحكم أنها ملكة، والأشياء التي كان عليها التكفل بها والرحلات التي كان عليها القيام بها.»

هواياتها

من هوايات الملكة الكبرى التي يشير إليها هذا المؤلَّف ركوب الخيل، وهي هواية مارستها في سن مبكرة. بدأت ممارسة ركوب الخيل وهي لم تبلغ بعد سنّ الرابعة. «أخذت أول درس في ركوب الخيل في عام 1930 في قصر باكنغهام ميوز. وفي عيد ميلادها الرابع، منحها والدها الملك جورج السادس أول مهر من صنف شتلاند كان يُدعى بيغي.»
وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كانت الملكة تركب فرسا بورمية سوداء استلمتها هدية من شرطة الخيالة الكندية الملكية. أثارت الفرس أنظار الجماهير وذاع صيتها في أنحاء الدنيا بعدما ركبتها الملكة في رحلتها الشهيرة رفقة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في عام 1982.
ومعروف عن الملكة أيضا اهتمامها بالفن والموسيقى. وهي من التقت بعدد غير عادي من النجوم في مسيرتها، بمن فيهم السير إلتون جون، والسير كليف ريتشارد، ودام شيرلي باسي، والسير توم جونز، ونجم فرقة البيتلز السير بول مكارتني. قال عنها هذا الأخير بعد لقائها لسنوات طويلة، «إنها جميلة… وودودة للغاية.»

لاحقتها المتاعب

لاحقت المتاعب الملكة في مشوار حكمها الطويل. وإلى يومنا هذا تعدّ سنة 1992 أصعب وأمرّ سنة تمر بها العائلة الملكية البريطانية، تلقت فيها ضربات متتالية. ففي هذه السنة «انفصل أندرو نجل إليزابيث الثاني عن زوجته سارة؛ وطلقت ابنتها آن زوجها الكابتن مارك فيليبس». أثارت كل هذه الأحداث اهتمام وسائل الإعلام البريطانية والعالمية لا سيما علاقة ديانا وتشارلز التي تابعتها الصحف الشعبية باهتمام بالغ وسببت كثيرا من الإزعاج للعائلة المالكة. علاقتهما المضطربة آلت بهما إلى الانفصال في عام 1992، لكنهما استمرا في أداء واجباتهما الملكية إلى غاية 1996 عندما توصلا إلى اتفاق نهائي منح ديانا تسوية سخية، وخوّلها حق الاحتفاظ بشققها في قصر كنسينغتون ولقبها «أميرة ويلز» مقابل تنازلها عن لقب «صاحبة السمو الملكي» وأي مطالب مستقبلية في العرش البريطاني.
وشهدت سنة 1992 أيضا حريق قصر وندسور المهول الذي استمر 15 ساعة، ملحقا الضرر بقسم كبير منه بما في ذلك 100 غرفة. ونتج عنه أيضا تدمير غرفة طعام الدولة في برج أمير ويلز وغرفة الاستقبال الكبرى.
وفي تلك السنة، أثناء زيارتها درسدن الألمانية رفقة زوجها الأمير فيليب، ألقى المتظاهرون الألمان البيضَ عليها. كان ذلك الحدث من مخلفات الحرب العالمية الثانية لأن المنطقة تعرضت للقصف البريطاني. تذكَّر الألمان فجأة القنابل البريطانية ونسوا الأضرار الألمانية التي ألحقها النازيون بمدينة لندن في الحرب العالمية الثانية – فضلا عن الهولوكوست – حيث ألقت القاذفات الألمانية 503 أطنان من المتفجرات شديدة المفعول و30 ألف قنبلة حارقة على المدينة، ما أدى إلى مقتل 568 شخصًا وإصابة 850 آخرين بجروح بالغة. كما تم تدمير ما يناهز ثلث منازل المدينة و35 في المئة من متاجرها، فضلا عن تدمير كاتدرائية القرون الوسطى الشهيرة.
من السنوات الصعبة في سجل الملكة إليزابيث الثانية سنة 2002 حيث توفيت شقيقتها مارغريت. وبعد شهر ونصف فقط من ذلك، توفيت والدتها إليزابيث. فكانت الخسارة مزدوجة، والمأساة شديدة.

خادمة بريطانيا والكومنولث

ورغم كل الأحداث والمآسي، تحتفظ الملكة إليزابيث الثانية بصفات جليلة عُرفت بها منذ أجيال كلطفها وشعورها الفطري بالهدوء وثقتها بنفسها، فضلا عن روح الدعابة وتعلقها بالأسرة. يضاف إلى ذلك كله إرادتها القوية وعزمها على خدمة بريطانيا. قال عنها رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون في يوم 9 ايلول/سبتمبر 2015 «لقد خدمت هذا البلد بنعمة وكرامة ولياقة». لم تخدم الملكة إليزابيث بريطانيا فحسب بل أيضا شعوب الكومنولث. كانت إليزابيث في الحادية والعشرين من عمرها – أي قبل خمس سنوات تقريبًا من توليها منصب الملكة – عندما تعهدت بذلك في كلمة للشعب البريطاني وشعوب الكومنولث، جاء فيها، «حياتي كلها، سواء كانت طويلة أو قصيرة، ستُكرَّس لخدمتكم». وهو ما تجسَّد فعلا.
يرفرف العلم البريطاني هذه الأيام في شرفات المنازل والمدارس والمتاجر والمحطات ووسائل النقل والسيارات هنا، وتعم الأفراح كامل أرجاء المملكة المتحدة احتفالا بمرور 70 عاما على جلوس الملكة إليزابيث الثانية على العرش وبعيد ميلادها الـ 96. هذا الاحتفال المزدوج يُعدّ لحظة تاريخية نادرة، وكيف لا وإليزابيث الثانية تحطم رقما قياسيا ببلوغها اليوبيل البلاتيني الذي لم يبلغه ملكٌ قبلها لتكون أطول ملوك بريطانيا اعتلاء للعرش. وهي اليوم ثاني أطول عاهل يحكم في العالم بعد لويس الرابع عشر في فرنسا، الذي حكم لمدة 72 سنة و110 أيام، لا تفصلها إلاَّ سنتان عن أن تصبح أطول عاهل اعتلاء للعرش في تاريخ البشرية. تواصلت الاحتفالات في كامل أرجاء المملكة المتحدة وترددت في أجوائها أنغام النشيد البريطاني: فليحفظ الله الملكة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية