انبهار الغرب بزيجات العرب والعجم
د. مضاوي الرشيدانبهار الغرب بزيجات العرب والعجميجد الاكاديميون المختصون بالمجتمعات العربية والمسلمة انفسهم مضطرين لتفكيك سلسلة من الصور النمطية والافكار التعميمية عن هذه المجتمعات قبل البدء بشرح التطورات الاجتماعية والسياسية والتحولات الجوهرية التي عصفت بالشعوب في المنطقة. ومن اكثر الموضوعات المثيرة للطلاب في الغرب موضوع المرأة والزواج والاسرة خاصة وان مثل هذه المحاور اصبحت مساحة للتعليق والرأي ليس فقط من قبل المختصين والاكاديميين بل هي مادة مثيرة للسياسيين والناشطين والصحافيين.ومن خلال تجربتي الشخصية اتضح ان ردة فعل الطلاب اهم بكثير من مضمون المحاضرات اذ ان هذه المحاضرات والافكار المطروحة مدونة في كتب ومقالات كثيرة يستطيع الطالب ان يراجعها في مكتبات الجامعة، ضمن سلسلة من المحاضرات المعنية بالمرأة والزواج قدمناها لطلاب تتراوح اعمارهم بين العشرين والخمس وعشرين سنة اتضح ان الذهول كان سيد الموقف وبدا ذلك واضحا علي وجوههم خلال المحاضرات ولاحقا من الرسائل الالكترونية التي تلت حالة الذهول. يأتي الطالب الغربي الي مقاعد الدراسة وخاصة الصفوف التي تعني بالشأن العربي والاسلامي وفي مخيلته لائحة طويلة من الصور عن المرأة وهي في مجملها صور سلبية تعتمد علي تركيبات استمدها اما من خلال احتكاكه باطفال الجاليات المسلمة في المرحلة الدراسية الاولي او من خلال قراءات سطحية في الاعلام وصور نساء مسلمات تتبلور في الافلام الوثائقية، تتلخص هذه الصورة بكون المرأة عنصرا ضعيفا لا يمتلك اي حرية شخصية، بل هو يساق الي زيجات تدبرها العوائل دون الرجوع الي الارادة الفردية ومن ثم يفرض علي هذه المرأة زي معين وتحرم من فرص العمل الي ما هنالك من صور نمطية سطحية. طرحنا في احدي هذه المحاضرات العامة موضوع الزواج ومعناه في المجتمع العربي والاسلامي وبدأنا بمفهوم الشريعة الاسلامية ومن ثم تحولنا الي الممارسة الاجتماعية وبينا مدي قرب هذه الاخيرة او بعدها عن المفهوم المطروح شرعا كذلك بينا لطلابنا التعددية الشرعية في مفهوم النكاح، بدأنا بالزيجات المعروفة شرعا والتي تمثل اكثرية الانماط شيوعا وعرجنا علي مفهوم تعدد الزوجات والطلاق وشروطه معتمدين علي دراسات انثروبولوجية قام بها طيف كبير من الاكاديميين.ومن ثم انتقلنا الي ممارسات تستمد شرعيتها من الدين وبعض التفسيرات المحدودة وفصلنا وجهات النظر بزواج المتعة والمسيار والمسفار والزواج الصيفي ومن ثم وصلنا الي الزواج العرفي. وفي كل حالة كنا نطرح التبريرات الشرعية لبعض المنظرين لمثل هذه الزيجات ونقابلها بالرد الاجتماعي ونشدد علي كيفية استقبال المجتمعات العربية والاسلامية لمثل هذه الممارسات ونضعها في اطار البيئة التي تنتشر فيها ونحدد ردة فعل المجتمعات المختلفة علي مثل هذه الابتكارات والتي اصبحت اليوم مثارا للجدل بين أطياف مختلفة في المجتمع كرجال الدين ومؤسسات المجتمع المدني والقيادات السياسية وجمعيات حقوق المرأة الي ما هنالك من مؤسسات تناقش مثل هذه الموضوعات، وكلما حاولنا ان نطرح امثلة دقيقة من خلال دراسات عن انحاء متفرقة في العالم الاسلامي وجدت طلابي يعيدونني لاناقش الزواج في بلدين وهما السعودية وايران. فهمت مدي قدرة هاتين الدولتين علي جذب انتباه الطلاب واستجبت لطلباتهم بالرجوع الي السعودية وايران لدرجة ان المحاضرة تقلصت واصبحت عرضا للوضع الاجتماعي وخاصة موضوع الزواج في هاتين الدولتين، صفق الطلاب عندما سمعوا بزواج المتعة في ايران وزواج المسيار في السعودية اذ ان تصورهم لهذين المجتمعين وهو تصور ظلامي غذته حملات اعلامية بعضها مبرر وبعضها متجني لا يسمح لهم باستيعاب زيجات كهذه المطروحة. انقسم الصف الي معجب ومبهور بزيجات المتعة والمسيار وآخر مشمئز اصابه القرف من حالة وصفها بأنها نفاق يصب في صالح الرجال. وكذلك الحال تجاه تعدد الزوجات وحصرها بأربعة فبعضهم وجده يلبي حاجة المجتمع وطبيعة الانسان وآخر اعتبره ينافي القيم الانسانية ويهدر كرامة المرأة ووجودها كانسان. وبعد تكرار الاسئلة وارتفاع الاصوات وقفت اتفرج علي حوار ملتهب بين شابات وشبان ومنهم مسلمون وآخرون ينتمون الي اديان متعددة بالاضافة الي ملحدين يعتبرون الاديان كلها موروث يحد من الحرية الشخصية ويضلل العقول ويقمع الفرد وخاصة المرأة. امام هذا الزخم الحواري والذي من حسن الحظ تقيد بأدب الحوار تبين لنا مدي جهل الغرب عموما والشرائح الطلابية خصوصا بالتعددية التي كانت وما زالت سمة من سمات المجتمعات المسلمة في الماضي والحاضر. كذلك تبين لنا مدي تمركز الصور النمطية السلبية في المخيلة الغربية خاصة في المجالات المتعلقة بالمرأة والزواج والاسرة.كانت سلسلة المحاضرات هذه نافذة نطل منها علي الغرب وليس المجتمعات المسلمة ذاتها. فبدل ان نعلم الاخرين تعلمنا الكثير منهم ومن حوارهم الساخن، وكذلك اقتربنا من حقيقة صعبة وهي دور الاكاديمي العربي في جامعات الغرب. هذا الدور ما زال في بدايته وامامه طريق طويل ووعر من اجل الوصول الي مفاهيم جديدة تنطلق من معايير اكاديمية واعية ومنهجية واضحة. ليس الهدف من المحاضرات الجامعية تلميع صورة المجتمعات الاسلامية عن طريق تبني الاسلوب الذرائعي التبريري ولكن هدفه الاول والاخير هو تبني منهجية واضحة وصريحة تكشف طبيعة المجتمعات كما هي لا كما يجب ان تكون. الهدف هو عرض الواقع بما فيه من جمال وقبح وليس تغطية القبح وتعرية الجمال ليظهر للعيان. كذلك الهدف ليس جلد المجتمع او رسمه بريشة رسام يستعمل الالوان الزاهية والبراقة. هدف المحاضرات الاكاديمية ليس تغيير المجتمع وانما تفجير العقول حتي تستطيع هذه العقول ان تصل دون وصاية الي الحلول لتتجاوز مشاكل اجتماعية مستعصية.قد يخلط البعض كما خلط طلاب الجامعة بين عرض الواقع وتغييره. الاول يعتمد علي تفسير المجتمع وليس تبرير ممارساته والثاني يعتمد علي تطور طبيعي لا يأتي نتيجة هندسة اجتماعية تصوغها نخبة ثقافية بل يأتي نتيجة تشابك عوامل اقتصادية وثقافية ودينية وسياسية تعزز بعض الاحيان قطيعة مع الماضي ومتطلبات الحاضر. وان تساءلنا لماذا كثرت انماط الزواج وتعددت مفاهيمها فالجواب يكمن في معطيات الواقع الذي تعيشه هذه المجتمعات والذي يتطلب تفعيل مفاهيم ربما تكون قديمة بنصوصها وشرعيتها ولكنها تستعاد اليوم من اجل التفاعل مع اوضاع اجتماعية جديدة فرضتها مسيرة التطور الاجتماعي وانتشار ظواهر جديدة منها تأخر سن الزواج واتساع مساحة التعليم للاناث والرجال ودخول المرأة حيز العمل وضغوط سياسية وازمات اجتماعية وقوانين حديثة، وان تساءل احدهم عن ظاهرة زواج المسيار في السعودية فيجب ان يبحث عن الجواب في التغيرات الاجتماعية ورفض الكثير من النساء لتعدد الزوجات الشرعية وهروب الرجل الي الحيلة والشريعة كملاذ لتحقيق رغبات آنية. التغيرات الاجتماعية طالت النسيج الاجتماعي وبسرعة فائقة لم يكن المجتمع مهيأ لها مثل ظاهرة العنوسة وعدم القدرة علي تحمل تكاليف الزواج التقليدي المعروف وتحول المهور الي سلع والزيجات الي عملية استهلاكية تفوق قدرة الكثير من الشباب.اما اذا انتقلنا الي ايران فسنجد ان زواج المتعة وانتشاره رافق ازمة سياسية حرجة مرت بها ايران في حربها الطويلة مع العراق حيث ظهرت دراسات اجتماعية لهذه الظاهرة المستساغة شرعا في ايران ولكنها مرفوضة اجتماعيا حسب دراسة قامت بها باحثة ايرانية ووجدت ان الخلل الديموغرافي الناتج عن الحرب ادي الي تكاثر الارامل وازدياد العنوسة في غياب الرجال الذين شغلوا بالحرب والعمل العسكري.سيظل الزواج والمرأة والاسرة نوافذ نطل منها علي التطور الاجتماعي في بلاد نكبت اما بسبب تنمية سريعة او تغييرات اجتماعية طارئة لم تشهدها مجتمعات العالم بهذه الشدة والصرامة او مزقت بسبب مغامرات سياسية وعسكرية وخطط خمسية لم تستطع ان تنتشل المجتمعات العربية والاسلامية من مزالق التغيير السريع المنسلخ عن التطور الطبيعي للامم.تظل المنطقة العربية والاسلامية تنبش تراثها الاجتماعي والثقافي والديني بحثا عن حلول مستقبلية تنتشلها من ازمات اجتماعية وتكون حصنها ضد التنمية المبتورة والتغيرات الطارئة. مهمة البحث الاجتماعي تنحصر في رصد هذه التغييرات ورصد تداعياتها وردة فعل المجتمعات عليها لا ادانتها او تشجيعها من منطلقات متحجرة لا تخدم الا الايديولوجيا والمروجين لها. هدف البحث العلمي هو البدء بسؤال وجيه ـ لماذا انتشرت وفعلت هذه الزيجات القديمة المتجددة في الوقت الحالي ـ من هم المروجون لها وما هي رسالتهم المبطنة ولمصلحة من تصب وما هو مستقبل هذه التعاقدات الحديثة والاسر الناتجة عنها. ان استطعنا الاجابة عن هذه الاسئلة الشائكة نكون بالفعل وصلنا الي نتيجة مفيدة بعيدا عن التنظير والادانة والشجب او الترويج والتبرير والبهرجة.وبينما يبقي الغرب مبهورا ومذهولا بزيجاتنا نبحث نحن المعنيون بالامر عن اجوبة مقنعة يستفيد منها المجتمع بعيدا عن جلده بسوط اكاديمي قاس. زيجاتنا التي انبهر بها الغرب ان دلت علي شيء فهي تدل علي اننا احياء نتعاطي مع واقعنا رغم كثرة الاموات فينا. كذلك هي تدل علي حراك اجتماعي وموروث ديني يستطيع ان يستوعب التغيرات بتعددية حاول الكثير طمسها ولكن يبقي السؤال المهم وهو لماذا انبهر الغرب بزيجات العرب والعجم؟9