انتاج نوع جديد من زيت الطعام اسمه السيسي.. وأمين عام حزب المستقبل يربط عودة الشرعية الدستورية بعودة مرسي

حجم الخط
0

القاهرة ـ ‘القدس العربي’حفلت صحف الاثنين 18 تشرين الثاني/نوفمبر بالكثير من الأخبار والموضوعات المهمة، أولها، استكمال استعدادات الأمن والجيش للاحتفال بذكرى أحداث محمد محمود في ميدان التحرير، وإصدار صديقنا العزيز اللواء هاني عبداللطيف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية بياناً، أكد فيه على ان الشرطة ستؤمن الاحتفالات بالذكرى، كما سارعت الحكومة الى ضم ضحايا الأحداث الى قائمة الشهداء، وإطلاق اسمائهم على عدد من الشوارع، وصدرت تحذيرات ناعمة، إلا أنها قوية، للإخوان ولغيرهم من القيام بأي أعمال شغب أو عنف.
لأنه ستتم مواجهتها بما تستحقه من اجراءات ولن يتم السماح لهم بدخول ميدان التحرير، بالإضافة إلى أن قوى تنتمي الى ثورة يناير، ترفض الاحتفال في ميدان التحرير خوفاً من استغلال الإخوان لها، ووقوع أعمال عنف يتم تحميلها لها، وشنت أجهزة الإعلام حملات عنيفة على الإخوان وأعادت أقوالهم التي اتهموا فيها المشاركين في أحداث محمد محمود بأنهم بلطجية ومخربون ومأجورون.
أما بالنسبة للعرض الذي قدمه يوم السبت في مؤتمر صحافي ‘التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب’ وعقد في مقر حزب المستقبل (العمل الجديد) سابقاً، وتلا بيانه عضو مكتب الارشاد ووزير التنمية المحلية السابق في حكومة الإخوان الدكتورم حمد علي بشر، فكنا قد أشرنا في تقرير أمس، الى ان جريدة حزب الإخوان، ‘الحرية والعدالة’ نشرت النص الكامل للبيان، لكنها لم تذكر اسم بشر، لا بين الحاضرين ولا انه هو الذي القى البيان، رغم انها نشرت صورة له في المؤتمر، وأمس الاثنين، واصلت نفس الظاهرة، وهي إبعاد الإخوان وبشر عن المبادرة، رغم انها مبادرتهم، فنشرت حديثاً مع صديقنا العزيز والأستاذ بكلية هندسة القاهرة والأمين العام لحزب المستقبل مجدي قرقر، الذي كان حاضرا المؤتمر بجوار بشر ولم يتحدث فيه، وأجرى الحوار معه زميلنا إسلام توفيق، وقال عن اهداف المبادرة:
‘نحن نهدف في التحالف الى تحقيق ما خرج له الشعب المصري من إقامة دولة ديمقراطية وطنية حديثة تضم كل المصريين، من دون إقصاء أو تهميش والسعي لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، في مواجهة الانقلاب على أهدافها ومكتسباتها، كما نسعى الى العودة إلى المسار الديمقراطي واحترام إرادة الشعب في تقرير مصيره وإنهاء الانقلاب العسكري وتحقيق الاستقرار وتجاوز حالة الانفلات الأمني التي شهدتها مصر منذ ثورة يناير، وتحقيق المناخ اللازم للتنمية، لتجاوز حالة الخراب التي أوصلنا إليها نظام المخلوع مبارك البائد، وتآمر الثورة المضادة منذ بداية الثورة لتحقيق العدالة الاجتماعية والسعي للوصول بمصر الى المكانة اللائقة بها، كما نؤكد على هوية مصر العربية الإسلامية بالمفهوم الحضاري الذي شارك في بنائه كل أبناء مصر من مسلمين ومسيحيين على السواء، فضلا عن الحفاظ على الأمن القومي، بما يستلزم رفع يد الجيش عن السياسة، والعودة لثكناته ليحمي حدود مصر ويضمن استقرارها ويؤمن مستقبلها في مواجهة التحديات الخارجية، وأن يعمل جميع المصريين على دعمه وتماسكه’.
وسأله إسلام عن أسباب عدم ذكر عودة الرئيس السابق الى منصبه، بشكل صريح، فقال:
‘هذا غير صحيح، فالاستراتيجية تحدثت عن عودة الشرعية الدستورية وعودة المسار الديمقراطي، وهذا لا يمكن أن يكون من دون عودة الدستور والرئيس مرسي، كما ان عودة المسار الديمقراطي لا يمكن ان يكون بغير الرئيس محمد مرسي، ومن ثم الحوار يمكن ان يتضمن التفاصيل بعد عودته’.
أي انه نسف الدعوة للحوار مقدماً، ماداموا سيطالبون سيشترطون عودة مرسي والدستور، أي عزل السيسي وقادة الجيش، والحكومة وعدم الاعتراف بالدستور الجديد الذي أوشكت لجنة الخمسين على الانتهاء منه وطرحه للاستفتاء، أي أنهم يطالبون الجميع بالخضوع لهم وإعادتهم للحكم، وانتظار ما سيفعلونه بهم، يعفون عنهم أو يحاكمونهم، ثم يتناقض مجدي مرة ثانية عندما سأله إسلام:
نفهم من كلامكم انكم قد تجلسون الى طاولة حوار واحدة مع المجلس العسكري؟
فقال: قد يحدث هذا ولكن من أجل كسر الانقلاب وبحث كيفية إنهاء الحكم العسكري والحفاظ على وحدة الوطن والشعب، والاتفاق على الترتيبات المستقبلية اللازمة لإقامة دولة ديمقراطية وطنية حديثة بعد كسر الانقلاب وبمشاركة كل أبناء مصر’.
أي انهم سيبحثون مع السيسي وباقي القادة، ليعطوهم إنذارا، أو ليطلبوا مشاركتهم لهم في الحكم، أو عودة مرسي وبقاءهم في مناصبهم، أي ان الإخوان ليسوا وحدهم الذين تراجعوا عن مواقفهم، إنما حزب المستقبل نفسه، لأن رئيسه صديقنا وزميلنا مجدي أحمد حسين يشن في كل عدد من جريدة الحزب ‘الشعب’ حملات ضد الجيش ويصفه بأنه جيش كامب ديفيد، ويدعو الضباط من رتبة عقيد فما تحت بالتمرد والانقلاب على القيادات.
وعلى العموم، فقد أعلنت كل القوى السياسية رفضها عرض التحالف، مما أوقعه في إحراج شديد ازداد بعد اغتيال المقدم محمد مبروك، مسؤول ملف الإخوان في جهاز الأمن الوطني، بعد يوم واحد فقط من تقديم الإخوان وباقي قوى التحالف مبادرتهم للمصالحة، حيث تعرض بعد نزوله من منزله امام مول السراج بحي مدينة نصر الى إطلاق نار من بنادق آلية داخل سيارته، كما استمرت حملات البعض ضد الحكومة ووصفها بأنها حكومة الأيدي المرتعشة التي لا تريد اتخاذ اجراءات حاسمة ضد عمليات التخريب التي يقوم بها الإخوان المسلمون في الشارع والجامعات، ورد الحكومة بأن سياساتها اثبتت نجاحها في تحقيق الأمن، فالمظاهرات محدودة وأعداد من يشاركون فيها في تراجع مستمر، والأهالي يتصدون لهم، بالإضافة الى أن الشرطة تلاحقهم.
والدراسة في الجامعات منتظمة، وفشلت خطة الجماعة في وقفها، وكل من يثبت عليه الاشتراك في عمليات التخريب من الطلاب تتم إحالته فوراً للتحقيق. وظهرت إعلانات في قناة الفراعين التي يملكها الإعلامي توفيق عكاشة لشركة أغذية، أعلنت عن انتاجها زيت جديد اسمه (السيسي) وكانت قد ظهرت من قبل أنواع من الشيكولاتة باسم السيسي، ونتمنى أن يظهر سكر وأرز ومكرونة باسم السيسي، حتى تنافس زيت وسكر وأرز ومكرونة الإخوان التي يوزعونها على الناخبين في الانتخابات، وواصلت محكمة الجنايات جلساتها لمحاكمة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وابنيه ووزير الداخلية اللواء حبيب العادلي وستة من مساعديه.
وإلى بعض مما عندنا:

على الداعية أن ينشغل
بالسياسة ولا يشتغل بها

وإلى معارك الإسلاميين، ويبدأها اليوم الدكتور الشيخ محمد المختار المهدي، الاستاذ بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، والرئيس العام للجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة، وهي من أكبر الجمعيات الدينية التي انشأها عام 1912 المرحوم الشيخ محمود خطاب السبكي، لنشر الفكر الديني الصحيح، بعيدا عن الخرافات. وأقامت مؤسسات خيرية من مستشفيات ومدارس، وتقديم معونات للفقراء في دول إسلامية خارج مصر، وتلقت دعماً كبيرا من الحكومات، خاصة بعد ثورة يوليو سنة 1952، وكانت لها مجلة شهرية اسمها ‘الاعتصام’، تعبر عنها رغم انها لم تكن مملوكة لها، وانما لأسرة الشيخ عاشور، الى ان أغلقها الرئيس الراحل أنور السادات بقرار ضمن قراراته التي أصدرها في ايلول/ سبتمبر سنة 1981 واغلق معها مجلة ‘الدعوة’ الشهرية لجماعة الإخوان، وحملة الاعتقالات التي طالت رموزا من جميع التيارات السياسية، وعزل البابا شنودة، وأدت إلى اغتياله في السادس من تشرين الاول/أكتوبر في نفس العام.
المهم ان الجمعية الشرعية ورئيسها العام بدآ يلعبان دوراً علنياً في مساندة الرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان، لدرجة انها خرجت عن الأهداف التي نشأت من أجل تحقيقها لتكون ذراعاً سياسياً علنياً للإخوان، وهو ما أدى الى حدوث انقسام فيها وخوف من نتائج الانشغال بالعمل السياسي، وهو ما تحقق فعلا، عندما بدأت وزارة الأوقاف، بعد الإطاحة بالإخوان، في محاسبة الجمعية ورئيسها العام على أي خروج عن أهدافها الدينية والسياسية، وكان وزيرها الدكتور الشيخ محمد مهدي جمعة، الذي كان عضوا في مجلس إدارة الجمعية، صارماً في قراراته لمنع استخدام المساجد في الدعاية السياسية بالنسبة لكل الجمعيات، وعلى رأسها الجمعية الشرعية، وكنا قد أشرنا إلى حديث صريح له في جريدة ‘عقيدتي’، وجاء الرد عليه بطريقة غير مباشرة لكنها مفهومة في الأسبوع التالي، أي الثلاثاء الماضي من الرئيس العام للجمعية، الدكتور الشيخ محمد المختار المهدي في مقاله الاسبوعي بنفس الجريدة، كان عنوان المقال ‘وثيقة شرف الدعاة’ وقال بالنص في الحلقة الأولى منه:
‘على ما استخلصه من حصاد الفكر الدعوي على مدى نصف قرن أقدم لإخواني هذه الرؤية في نقاط محددة، فكل لبيب بالإشارة يفهم، وهم بحمد الله من أولي الألباب الراجحة، وأرجو أن يتقبل الإخوة هذه النصيحة بقلب مفتوح على انها ضوابط وميثاق نبدأ به من الآن، من دون تشخيص أو تعريض بأحد متناسين الماضي بكل سيئاته وأخطائه:
ـ استحضار الخطر من المحاولات الدائبة لأعداء الفكرة الإسلامية وتحفزهم لالتقاط أي كلمة من أي داعية ليستخدموها ضد الإسلام، بلي أعناقها بمهنية اكتسبوها إعلامياً للترويج لمشروعهم المضاد، مما يتطلب الحذر واليقظة والذكاء والحكمة، ولنتذكر دائماً ما كان من الشياطين ضد رسل الله صلوات الله عليهم.
ـ على الداعية أن ينشغل بالسياسة ولا يشتغل بها حتى تنتفع بنصائحه كل الشرائح ومقتضى انشغاله بها أن يبين حكم الله في ما يصدر عنها من مواقف أو قرارات تخالف ثوابت الدين، غير أنه يغضب الخلق.
ـ بالتدقيق المجرد من الهوى نجد الخلاف بين السلفيين المعاصرين والصوفيين خلافاً مصطنعاً تستغله الثورة المضادة’.
أي انه مصمم على دفع خطباء مساجد الجمعية للحديث عن القرارات التي تتخذها الحكومة، وإظهار ان كانت تتماشى مع الإسلام، أم ضده، من دون أن يتبين ان كان أي خطيب سيقول رأيه الشخصي، أم أن الجمعية سترسل له برأيها ليعلنه، أي انها تحولت علنا إلى حزب سياسي، أو جناح لحزب سياسي يراقب الدولة والحكومات والأحزاب ويعلو فوقها وتتحول إلى مرجعية سياسية.
ويصبح رئيسها العام مرشداً عاما مثله مثل مرشد الثورة الإيرانية، بل انه يتخطى دور الأزهر ومؤسساته وشيخه ليكون هو والجمعية فوقهم جميعاً.

الألفاظ الخادشة للحياء
في المسلسلات والأفلام

وثاني المعارك ستكون لصديقنا الداعية وعضو مجلس شورى الجمعة الإسلامية ناجح إبراهيم، وكانت في ‘اللواء الإسلامي’، عن الألفاظ الخادشة للحياء في المسلسلات والأفلام، فقال عنها:
‘فإذا فتحت على المسلسلات وجدت الإشارات الجنسية افظع وأسوأ، مع كم كبير من الابتذال والتدني الأخلاقي الذي لا تجد له مبرراً.
هذه المعاني الراقية النبيلة يحفظها طفل السادسة ويقرأها طفل العاشرة ويحفظها الغلام وتقرأها وتحفظها الفتاة العذراء ويتلوها الجميع أمام الجميع فلا تخدش حياء ولا تجرح مشاعر، وتسوق الناس الى فهم الحكم في رشاقة وعذوبة، إنها الكناية والتورية الجميلة التي تسعد مستمعها وقارئها حينما يكتشف مغزاها وحده أو بعد ان تشرح له’.

احداث شارع محمد محمود
تعرضت للتزوير والطمس

ونقرأ للكاتب فهمي هويدي عن احداث شارع محمد محمود التي تعرضت للتزوير والطمس من خلال رأيه في جريدة ‘الشروق’ يقول: ‘لم تأخذ أحداث شارع محمد محمود مكانتها التي تستحقها في الذاكرة المصرية، ليس ذلك فحسب وإنما تعرضت أيضا للطمس والتزوير، حتى غدت جزءا من تاريخ مصر المجهول والمفترى عليه. ذلك أنني أزعم أن ما جرى آنذاك (بين يومى 19 و25 نوفمبر عام 2011) يعد أهم أصداء ثورة 25 يناير، التي لم تتكرر بعد ذلك. إن شئت فقل إنها الجولة أو الموجة الثانية للثورة. الأولى كانت ضد استبداد مبارك وفساده. والثانية كانت ضد حكم العسكر. وكان الثمن باهظا في الجولتين، ذلك أن شراسة نظام مبارك ضد محاولة إسقاطه، لم تختلف كثيرا عن الشراسة والعنف الذي قوبلت به الجولة الثانية، التي دعت إلى تسليم السلطة للمدنيين. الأمر الذي قد يسوغ لنا أن نقول إن ثورة 25 يناير، إذا كانت قد أرغمت مبارك على التنحي ولم تسقط نظامه، فإن جنود مبارك وأذرعه خرجوا جميعا للدفاع عن نظامه في أحداث شارع محمد محمود الدامية، التي قتل فيها 46 شخصا وجرح وأصيب أكثر من 3500 آخرين.
لا أعرف توثيقا وافيا لما جرى آنذاك، لكنني وجدت عرضا طبيا لأحداث الأيام الستة على الإنترنت. ووقعت في كتاب الدكتورة رضوى عاشور الأخير (أثقل من رضوى) على لقطة سجلت جانبا من الوحشية والشراسة التي ووجه بها الثوار في تلك الفترة، فتحدثت عن تعمد استهداف إصابة أعينهم، واعتبرت ذلك ‘خطة ممنهجة ومكررة’ استخدمت في مواجهة الثوار. واعتمدت في ما سجلته على شهادة اثنين من أساتذة طب العيون في مستشفي قصر العيني، وقد ذكرا أنه في أحداث 28 و29 يناير وفي أحداث محمد محمود ظلت إصابة الأعين ‘جزءا من خطة الأمن’. (بعض الرصاص كان يخترق العين مرتين. مرة من الأمام ومرة من الخلف، ثم يستقر خلف العين أو يخترق العظام ويستقر في المخ. كما بينت الأشعة المقطعية).
لست في وارد استعراض الجرائم التي وقعت في تلك الفترة التي يشيب لها شعر الرأس. وهي التي أفقدت البعض حياتهم، في حين دمرت حياة البعض الآخر، ممن فقدوا أعينهم أو أصيبوا بالشلل الرباعي، أو بغير ذلك من العاهات والتشوهات. إلا أنه لا يفوتني أن أسجل أن ما جرى لهؤلاء ولغيرهم من ثوار 25 يناير لم يحاسب عليه أحد. وأغلب الذين اتهموا فيها برأتهم المحاكم. ومن المحزن أن بعض وسائل الإعلام باتت توجه أصابع الاتهام إلى الثوار أنفسهم. فأصبحوا يوصفون بالعاطلين والبلطجية، ويشار إليهم أحيانا الى أنهم ‘مرتزقة يناير’، بل إن ثورة يناير ذاتها لم تسلم من التشويه، حتى باتت تتهم تارة بأنها مؤامرة من جانب الإخوان، وتارة أخرى بأنها مؤامرة أتت بالإخوان.
ذلك كله أصبح الآن جزءا من التاريخ الذي يتعذر التفصيل فيه في ظل الظروف الراهنة. وإن تمنيت ألا نلوثه أو نشوهه، وألا نتركه للمؤسسة الأمنية التي تكتبه على هواها، بما يبرئ ساحتها ويغسل يديها من دماء الشهداء. وأشدد على أن الحاضر والمستقبل هو الأهم الآن، لسبب جوهري هو أن الحلم لا يزال معلقا في الفضاء ولم يتم تنزيله على الأرض بعد، في حين أننا في نهايات السنة الثالثة من الثورة، خصوصا أن ذكرى شرارة أحداث شارع محمد محمود تحل غدا بما تستصحبه من استدعاء قوي لأهداف الثورة ومقاصدها التي بات يحيط بها ضباب كثيف. وهو ما حير كثيرين بحيث ما عادوا متأكدين من أننا نتقدم إلى الأمام، وساورتهم الشكوك في أننا صرنا نتراجع إلى الوراء، إذ لاحت قرائن عدة أعطت انطباعا بأن الكابوس صار يتقدم لكى يحتل مقاعد الحلم.
صحيح أن ذكرى أحداث محمد محمود تنبهنا إلى أن المطلب الأساسي للذين احتشدوا وثاروا آنذاك لم يحسم أمره بعد، وأن القلق من حكم العسكر لا يزال واردا، إلا أنها تكشف لنا أيضا عن حقيقة الوهن الذي أصاب الجماعة الوطنية منذ ذلك التاريخ وإلى الآن، ذلك أن الجماهير التي خرجت في عام 2011 لكى تطالب بإنهاء حكم العسكر، أصبحت الآن تتقاتل في ما بينها منصرفة عن الهدف الذي خرجت لأجله في البداية. لا أنكر أن ممارسات وأخطاء عدة أدت إلى شق الصف الوطني وفجرت أسباب الصراع بين أجنحته، إلا أنني أخشى إذا ما استمر ذلك الاقتتال والخصام الأهلي أن يهزم الطرفان ويبقى نظام مبارك. إزاء ذلك فإن التحدي الكبير الذي يواجه عقل الجماعة الوطنية المصرية، يتمثل في كيفية معالجة ذلك الصدع الخطر، بما يتيح إمكانية توظيف قدرات كل طرف لصالح كسب المعركة الأساسية، بحيث يصبح الوطن هو الفائز في نهاية المطاف. ولا سبيل إلى تحقيق ذلك الفوز إلا إذا تم تعزيز الصف الوطني باستنفار القوى الوفية لأهداف الثورة، إلى جانب الكتل الجماهيرية التي دفعت بعيدا عن الساحة جراء حسابات خاطئة أو ممارسات خائبة. أما كيف يتم ذلك التلاقي بحيث يطوي صفحة الماضي من دون أن ينساه، لكى يعبر إلى المستقبل، فذلك جوهر التحدي الذي أتحدث عنه. وهو أمر ليس مستحيلا إذا وضعنا في الاعتبار أن المشترك بين جماهير الطرفين أكبر بكثير من مواضع الخلاف. وإذا ما نجح الطرفان في الفصل بين ما هو سياسي وما هو تنظيمي، وركزا على الأول مع تجاوزهم للعامل التنظيمي. أدري أنها عملية شائكة وصعبة لكنها عاجلة وضرورية، لأن السؤال المطروح على الجميع في الوقت الراهن بقوة هو: هل تكون الثورة أو لا تكون؟’.

في الثورات لابد من بديل جاهز

وفي نفس العدد من جريدة ‘الشروق’ الصادرة امس الاثنين نقرأ للكاتب وائل جمال مقالا عن غياب البديل الثوري يقول فيه: ‘كلما مرت الثورة المصرية بسؤال كبير، أو تراجع محدق، يتم ردنا إلى قضية البديل الجاهز غير الموجود. في كل انتخابات، وفي كل حدث كبير، مع الحديث عن دستور يردنا إلى أوضاع ما قبل يناير، بل ويقننها، يقال لنا إنه في الثورات لابد من بديل جاهز، وإن عدم وجوده يعنى القبول بمعطيات ‘الواقع’.
ولا أجد تلخيصا لسيطرة هذه الفكرة ونتائجها أهم من التداول المكثف مؤخرا لفقرة من مقال قديم للدكتور فرج فودة بعنوان حديث عن آفاق المستقبل نشر في جريدة أكتوبر قبل أن يضمه كتاب بعنوان ‘حتى لا يكون كلاما في الهواء’ صدر عام 1992 بعد اغتياله.
تقول الفقرة المتداولة من المقال إنه ‘هنا تبدأ الدائرة المفرغة في دورتها المفزعة. ففي غياب المعارضة المدنية، سوف يؤدي الحكم العسكري إلى السلطة الدينية، ولن ينتزع السلطة الدينية من مواقعها إلا الانقلاب العسكري، الذي يُسلم الأمور بدوره، بعد زمن يطول أو يقصر، إلى سلطة دينية جديدة.. وهكذا. وأحيانا يختصر البعض الطريق فيضعون العمامة فوق الزي العسكري، كما حدث ويحدث في السودان’. والحقيقة أن الفقرة مقتطعة من سياقها في المقال. فهي تجيء بعد نقد للأنظمة التي تستخدم ‘الشرعية الثورية’ للحديث واحتكار الحديث باسم الشعب ويعقبها حديث عن ضرورة الخروج من هذه الدائرة المفرغة بالعمل ‘من أجل حرية التعبير وإمكانية التغيير’ من أجل خروج يعتبره د.فودة مسألة ‘حياة أو موت’ من هذه الدورة المفزعة. وهو بهذا كان يحدثنا عن هذه الدائرة المفرغة، وهي في مصلحة طرفيها، لكي ينبهنا لضرورة تجاوزها لا الاستسلام لها كما يراد لنا الآن. ‘الخروج من هذه الدائرة المفرغة، ضرورة.. والتواصل مع الشرعية الدستورية، مسألة حياة أو موت.. والشرعية الدستورية لا تتسع لهذا أو لذاك. فكلاهما خطر عليها، ومدمر لها، والذي يُفضل أحد البديلين على الآخر، يستجير من الرمضاء بالنار’، كما يقول المسكوت عنه في المقال.

واقعية الأمر الواقع

في الأيام القليلة بين سقوط بن علي في تونس و25 يناير 2011، ظهرت فكرة غياب البديل الجاهز في ما عدا الإخوان المسلمين (الذين ليسوا أهل ثورة بحسب تصريحات مرشدهم) جنبا إلى جنب مع فكرة مصر ليست تونس. قيل لنا وقتها إنه لا توجد أطر تنظيمية اجتماعية واسعة كاتحاد الشغل التونسي من ناحية ولا تنظيمات سياسية قادرة على الحشد، وإن الشعب المصري لا يتبنى كنظيره التونسي الأكثر تعلما وقربا من أوروبا قيم الحرية والمساواة، ثم حدثت الثورة في مصر وسقط مبارك. وعلى الرغم من هذا عادت فكرة غياب البديل الجاهز تقفز في وجهنا مرارا وتكرارا.
والحقيقة أن الثورة التي يقوم بها بديل جاهز تنسجم مع تصور يراها كفعل مخطط يقوم به مفكرون مستنيرون أو نخب متمردة، أكثر منه مع الثورة كفعل جماهيري واسع، عفوي ومفاجئ بالضرورة، ويقلب التوازنات القائمة رأسا على عقب. هل كان يمكن أن نسمع أحدا يقول إن الثورة الفرنسية لم تكن لتحدث أو تنتصر إلا لو كان هناك بديل سياسي متبلور من قبل نشوبها؟ وهل كان البلاشفة الذين سميت ثورة 1917 باسمهم في روسيا عند اندلاع شرارتها الأولى في فبراير، وحتى لشهور بعدها إلا أقلية لا يحسب لها السياسيون المؤسسيون حسابا؟ بالتأكيد وجود قوة مسيسة منظمة لها جذور في الحركة الجماهيرية تجعل الأمور أيسر كثيرا، عندما يفاجئ الطوفان الثوري الجماهيري الواسع المستقرين في دهاليز الأفق السياسي الضيق الذي يسمح به الحكم المتداعي. لكن الوجود المسبق لهذه القوة بهذا الشكل ليس شرطا ضروريا للثورة ولا انتصارها. إذ إنه فقط في الثورة كفعل وكعملية تتعلم الجماهير ضرورات تنظيم انفسها للدفاع عن نفسها وتفرز المواقف السياسية تلو الأخرى، حتى لتلك القوى التي كان يتخيل البعض أنها قيادة الثورة، وهي في قلب المعركة فتتبلور مواقف الجماهير، بتجربتها هي الشخصية في الكر والفر، فتخلق قيادتها خلقا.
وفي مصر، تتداخل فكرة أن الثورة مرهونة بجهوزية بديل ما غير موجود (معارضة مدنية أو بديل ثوري.. إلخ) مع مجموعة من الأفكار تدعو للقبول بمعطيات الوضع الراهن وأحيانا باعتبارها محددات عابرة للزمن ونابعة من خصوصية السياسة المصرية، واعتبارات توازن القوى. وهكذا فبدلا من تجاوز الدائرة المفرغة التي يحدثنا عنها فرج فودة، تصبح المهمة هي الاصطفاف مع أحد طرفيها، العسكريين والإسلاميين، لأنه لا بديل آخر ‘واقعيا’. وهكذا يصبح ‘من المبرر’، ومن ‘الطبيعي’، أن يتم استنساخ رؤساء وزارات مبارك ووزرائها بشخصهم أو بسياساتهم مثلا، أو أن يتم استبعاد مرشح رئاسي من الحسابات لأنه صغير السن وإن كان هو الأكثر تعبيرا عن الثورة’.

أدركوا قضاء مصر قبل الغرق

ومن وحي اجواء الامطار والسيول التي تجتاح عالمنا العربي مهددة مدنا بالغرق، نقرأ لرئيس تحرير ‘المصريون’ مقالا ليس لانقاذ هذه المدن من الغرق، ولكن لانقاذ قضاء مصر منه يقول فيه:’ في أعقاب الإعلان الدستوري الغشيم الذي أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي، بناء على توصية من شخصيات ما زالت مجهولة حتى الآن، في نوفمبر من العام الماضي، الذي منح نفسه فيه سلطات أسطورية لا يحصل عليها ملك ولا رئيس في التاريخ، قامت ضجة كبيرة، كان أسوأها على الإطلاق ما حدث في مؤسسة القضاء، حيث أبدى مئات من وكلاء النيابة وشباب القضاة اعتراضهم على ما جرى، ورفضوا بإصرار تولي النائب العام الجديد المستشار طلعت عبد الله منصبه، ولم يكن في ذلك ما يسوء أحدا في البداية، لكن الذي حدث أن الواقعة كشفت عن حالة من الانفلات والتسييس في مؤسسة العدالة لم يكن أحد ينتبه إليها، فقد قام المئات من أعضاء النيابة بالتظاهر ومحاصرة دار القضاء العالي، كما كان يفعل أبناء حازم أبو إسماعيل ومجموعات البلاك بلوك، كما قام عشرات منهم باقتحام دار القضاء والاعتداء على شرطة الحراسة، التي حاولت منعهم، ثم قاموا باقتحام مكتب النائب العام نفسه والتعرض له بالسباب والتهديد وبعضهم وجه مسدسه المرخص إلى رأسه وأجبروه على كتابة استقالته تحت التهديد، وسط هتافات عنيفة ضد الرئيس محمد مرسي وضد ما سموه حينها حكم المرشد وضد جماعة الإخوان المسلمين. في ذلك الوقت عقد المستشار أحمد الزند أكثر من مؤتمر شعبي كبير في دار القضاء العالي وأيضا في نادي القضاة الملاصق لها، وهو مؤتمر شعبي لأن الحضور لم يكونوا جميعا من أبناء مؤسسة القضاء، فكان هناك على المنصة محامون وقيادات سياسية من رموز عصر مبارك والفلول ومن قيادات أحزاب جديدة، إضافة إلى القضاة ورجال النيابة، ونقلت المشاهد الحية في تلك المؤتمرات الهتافات الحادة ضد حكم المرشد وحكم محمد مرسي، وبعض القضاة ورجال النيابة كانوا يرقصون على وقع الهتافات بإسقاط حكم المرشد وسط صفير آخرين من زملائهم وتصفيق هستيري من غيرهم، كان المشهد يمكن أن تتصور أنه في فرح شعبي في بولاق أو وراق العرب، ويستحيل أن تتصور أن هذه المشاهد هي في أكثر منشآت العدالة هيبة واحتراما وجلالا تاريخيا، دار القضاء العالي، وكنت أقول لنفسي ومن حولي حينها، يا نهار أسود لو أن أحدا من أنصار محمد مرسي أو الإخوان ساقته الأقدار يوما ليكون تحت حكم وقضاء مثل هؤلاء الغاضبين المتشنجين المتعصبين .
لماذا أستحضر هذه المشاهد والذكريات الآن بعد أن مضى ما مضى، وكان ما كان، الحقيقة أن بعض الأحكام القضائية وقرارات رجال النيابة التي تصدر منذ إسقاط حكم محمد مرسي وحتى الآن يصعب تصديق نسبتها إلى العدالة من أي باب، لم يحدث في تاريخ القضاء المصــــري أن صدر أكثر من أربعة عشر ألف قرار حبس احتياطي لمعارضين سياسيين، خلال أقل من أربعة أشهر فقط، حتى أيام نيابات الاحتلال الانكليزي لمصر لم يحدث ذلك، ولم يحـــدث أبدا أن وجهت النيابة لأشخاص تهمة القتل وحرق المنشآت العامة والتخابر مع دول أجنبية، ثم تضطر للإفراج عنهم في اليوم التالي بعد حملات صحافية مكثفة تفضح سيطرة فاشية سياسية على المشهد المصري الرسمي بكل تفاصيله، وعندما صدر حكم هذا الأسبوع بسجن اثني عشر طالبا جامعيا سبعة عشـــر عاما، لأنهم تظاهروا في جامعة الأزهر واقتحموا مكتب بعض المسؤولين، كان من حولي يندهشون من الخبر ويطالبون بالتحقق من صحته، وبعضهم قال بكل جدية: هل سبعة عشر عاما مجموع ما صدر في حقهم، إنه كثير، قبل أن يعرف أن كل طالب منهم حصل على حكم بسجنه سبعة عشر عاما، أي عدد سنين عمره الحالي تقريبا. هذا بشع جدا، هذا غير متصور على الإطلاق، ولا يقبله ضمير ولا عقل ولا إنسانية، ولو كان هذا ميزان عدالة، لدخل كل القضاة ووكلاء النيابة الذين تظاهروا أمام دار القضاء العالي واقتحموها واقتحموا مكتب النائب العام نفسه، لدخلوا جميعا السجن لمدة مماثلة.
هناك الكثير من مخاطر الانفلات التي نعانيها في مصر في أعوام ما بعد ثورة يناير، لكن أخطر تلك الأمور على الإطلاق في نظري هي حالة التسييس والانفلات التي اخترقت القضاء المصري، وأصبحنا أمام اتجاهات سياسية بعضها كان يظهر في منصات أنصار مرسي في رابعة وبعضها كان يظهر في منصات خصومه في التحرير، ويا ويله وسواد ليله، من يقع في قبضة قاضي أو وكيل نيابة أو محام عام وهو من أنصار خصمه’.

المواطن المصري ‘سلعة’
في سوق المزايدات السياسية

اما محمد سلطان فيكتب لنا في نفس العدد من جريدة ‘المصريون’ مقالا بعنوان ‘تسليع الدم المصري’ يقول فيه:’ الذين أشعلوا ‘الحروب الأهلية’ في شوارع القاهرة والإسكندرية والمحلة.. أثناء أزمة ‘الإعلان الدستوري’.. وعقدوا آمالهم في إسقاط الشرعية على ‘رهان الدم’.. .. يتاجرون ـ الآن ـ بدماء شهداء قطار ‘البدرشين’.. وشرعوا على فضائيات مبارك، في توظيف محنة الأسر المكلومة سياسيًا لتعويض ما خسروه في معركة ‘الإعلام الدستوري’ و’الدستور’ من بعده! لم يتحدث أحد عن الأصول الطبقية للضحايا.. فهذا ليس مهما.. المهم ‘السلعة’ وقيمتها السياسية.. وحين يتم ‘تسليــــع’ الإنسان المصري.. ودم المواطن المصري.. فأعلم أن ثمة ما يشبه ‘المسخ’ قد أصاب النخبة ‘المتمدينة’.. وأنها باتت ‘كائنات’ لا علاقة لها: لا بالإنسان ولا بالإنسانية.. وإنما تنتمي ـ من حيث الأصل والجينات والوراثية ـ إلى فصيل آخر أقرب شبهة بـ’الحمار الوحشي’.
…تجار الدم لا يستحون.. وهم يستخدمون الإنسان المصري ‘سلعة’ في سوق المزايدات السياسية.. ويحولون دمه المستباح والنازف على الطرق وفي المستشفيات.. للتغرير بشركات الإعلانات الكبرى.. ولتترجم الدماء ـ التي لا بواكي لها ـ إلى شيكات وأوراق بنكنوت تكتظ بها الحسابات البنكية لأمراء ‘الحروب الأهلية’ و’تجار الدم’ على العشوائيات الفضائية.
أتحداهم جميعًا: ماذا قدمتم للإنسان المصري الفقير والمعدم؟!.. ماذا فعلتم للقرى والأحياء المسحوقة والمهمشة؟
أتحدى أصحاب الكروش المنتفخة من أموال المصريين أن يقدموا للرأي العام ‘جردة’ لعطائهم الخيري.. ولو تطوير مزلقان واحد يحقن الدماء التي باتت في عيون باشاوات ـ صُنعوا في حضانات مبارك ـ رخيصة.. بل سلعة ‘لُقطة’ في ‘شوادر’ تصفية الحسابات مع التيار الإسلامي.
كتبت هذا المقال يوم الجمعة 18 يناير 2013 .. أيام الرئيس المعزول محمد مرسي.. بمناسبة حادثة قطار البدرشين الذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى من فقراء المصريين، وحملت القوى السياسية أنذاك الرئيس المعزول محمد مرسي مسؤوليته.. فماذا تغير الآن؟.. وهل ستحمل ذات القوى السياسية الفريق السيسي أو عدلي منصور مسؤولية حادث دهشور؟’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية