الناصرة ـ «القدس العربي»: تدخل الانتخابات الإسرائيلية العامة بعد غد الثلاثاء مرحلة الترقب الشديد في ظل استطلاعات رأي تفيد بأن هناك حالة تعادل بين الحزبين الكبيرين «الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو و»أزرق-أبيض» برئاسة بني غانتس، فيما يتضح أن الأحزاب العربية بمقدورها ترجيح كفة أحدهما طبقا لقدرتها على رفع نسبة تصويت فلسطينيي الداخل ممن يحجم نصفهم عن المشاركة في الاقتراع احتجاجا. بل تظهر الدراسات والاستطلاعات والحسابات الانتخابية أن مشاركة عربية في الانتخابات بنسبة 65 في المئة فما فوق من شأنها أن تؤدي لإسقاط أحزاب صهيونية متطرفة مثل حزب «يسرائيل بيتنا» بقيادة وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان. وعادة يقوم رئيس الدولة في إسرائيل بتوكيل أحد الحزبين الفائزين بأعلى نتيجة مع منح الأفضلية لأي منهما الذي يتمتع بدعم أكبر من كتل أخرى ضمن ائتلاف مقترح. وهذا ما يدفع الحزبين الكبيرين لخوض معارك وحملات انتخابية شرسة في محاولة لكسر قاعدة التعادل وزيادة الفارق بينهما. ولذا سيسعى الليكود إلى كسب أصوات ناخبين من أحزاب اليمين الأخرى، مثل «اليمين الجديد» واتحاد أحزاب اليمين المتطرف الكهانية خصوصا، فيما سيسعى «أزرق-أبيض» إلى جذب أصوات ناخبين من معسكر المركز- يسار من حزب العمل وميرتس. وهذه الرغبة المزدوجة تزيد الحملات الانتخابية شعبوية وسطحية وتراشقا على المستويين الشخصي والحزبي فيما تغيب الأيديولوجيا وقضايا داخلية جوهرية كالتربية والتعليم والرفاه والصحة وغيرها وتفتقد القضية الفلسطينية. وعلى سبيل المثال ينشغل الحزبان طيلة أيام حول صورة سيلفي التقطها شاب فلسطيني من غزة مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى سنوار كتب أسفلها خطأ أحد أقطاب حزب «أزرق-أبيض» يائير لابيد وكأنها صورة اسماعيل هنية فسارع «الليكود» لتوجيه سهامه نحوه بالتساؤل كيف ستقدر على إدارة حكومة وأنت عاجز عن التمييز بين اسماعيل هنية وبين يحيى سنوار؟
كذلك فإن نتنياهو يقول أمرا وعكسه خاصة بما يتعلق بتسوية الدولتين في تصريحاته وقد أحجم حزبه بخلاف جولات انتخابية سابقة عن طرح برنامجه الانتخابي. ولا أحد يعرف ما هي أيديولوجية «أزرق-أبيض» سوى السعي إلى إسقاط نتنياهو عن سدة الحكم ومواقف أقطابه سياسيا متناقضة تماما. وبفعل تجربته وقدراته الفريدة التي دفعت بعض المعلقين الإسرائيليين لتسميته بـ «الساحر» أو العبقري نجح نتنياهو بالإفلات من تأثير فضائح الفساد بعد ما نجح بصرف أنظار الإسرائيليين عنها من خلال أزمات مع غزة والتحريض على الفلسطينيين أو هدايا من ترامب وبوتين. ولكن هذا لن ينقذه من نقطة ضعف ستجعله أسيرا للأحزاب الصغيرة بحال فاز ونجح بتشكيل حكومة هي الخامسة في تاريخه منذ أن فاز بالمرة الأولى متفوقا على مرشح حزب العمل الراحل شيمون بيريز عام 1996. وبسبب خضوع نتنياهو لاستجواب تمهيدا للائحة اتهام، من المرشح أن تتوجه كل جهوده من أجل إنقاذ نفسه من المحاكمة وعندئذ سيكون متوترا وقابلا للابتزاز من جانب أحزاب يمينية، تحمل أيديولوجيا عنصرية ورهاب المثليين، تسعى إلى إقامة دولة إكراه ديني.
حكومة وحدة
ولذا ورغم نفي غانتس يرى بعض المحللين أن خيار حكومة الوحدة الوطنية وارد جدا للإفلات من ابتزاز أحزاب صغيرة وضغوط خارجية. فيرى على سبيل المثال المحلل العسكري في «القناة 13» ألون بن دافيد، أن ثمة موضوعا هاما بالنسبة لمستقبل البلاد، ومستقبل المرشحين، لم يُطرح على أجندة الانتخابات الحالية، وهو «صفقة القرن» لتسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، التي يحيكها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ويتوقع أن يطرحها قريبا. ويلفت إلى أن ترامب يمتنع عن التحدث عن سلام في هذا السياق وإنما عن «صفقة» وحسب. ورغم عدم نشر التفاصيل الكاملة لهذه «الصفقة» إلا أن بن دافيد اعتبر أنه «ليس صعبا جدا تخيل طبيعة هذه الخطة». ويتابع «طوال سنوات مضت، رُسِم في عشرات معاهد الأبحاث ومجموعات النقاش الشكل المحتمل لاتفاق مع الفلسطينيين. والسؤال هو كيف يمكن تمريره سياسيا، والإجابة هي الوحدة القومية، أي أن تتشكل حكومة وحدة قومية في إسرائيل بعد الانتخابات الوشيكة». غير أن محللين آخرين أمثال المحلل السياسي البارز رفيف دروكر يرون أن الخيار الأرجح هو اكتفاء نتنياهو بحكومة ضيقة مكونة من أحزاب يمين ويمين متطرف جدا مما سيجعل إسرائيل دولة مختلفة تماما، أكثر عنصرية وتطرفا وظلامية لدرجة أن وزير التعليم المستوطن نفتالي بينيت رئيس حزب «اليمين الجديد» سيبدو معتدلا أمام وجوه إسرائيلية جديدة ستدخل البرلمان الأربعاء المقبل.
استطلاعات
ويظهر استطلاع أخير للرأي عرضته القناة 13 الإسرائيليّة أمس، تساوي عدد المقاعد بين الليكود و»أزرق-أبيض» لو أجريت الانتخابات اليوم، بحصول كلّ منهما على 28 مقعدًا، مع استمرار تفوّق معسكر اليمين. ووفقًا للاستطلاع، يحلّ حزب العمل ثالثًا بحصوله على 10 مقاعد، يليه «اتحاد أحزاب اليمين» 7 مقاعد، ثم الجبهة العربية للتغيير و»زيهوت» و»اليمين الجديد» و»يهدوت هتوراه» 6 مقاعد لكل منهم. فيما يحصل كل من «شاس» و»ميرتس» على 5 مقاعد، و»كولانو» و»يسرائيل بيتينو» وتحالف الموحّدة والتجمّع على 4 مقاعد. وتشير النتائج، كذلك، إلى انخفاض عدد مقاعد الليكود من 29 في الاستطلاع الأخير لذات القناة، إلى 28 مقعدًا بينما حافظت قائمة « أزرق-أبيض» على قوّتها. أمّا عن سؤال من الأفضل لرئاسة الحكومة الإسرائيليّة، فجاءت النتائج على النحو الآتي: 46 في المئة يرون بنيامين نتنياهو هو الأفضل، في مقابل 37 في المئة يرون أن رئيس قائمة «كاحول لافان» بيني غانتس، هو الأفضل. وإن صدقت استطلاعات الرأي، وجاءت على النحو ذاته في نتائج الانتخابات المقبلة، فإن تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة سيكون مضمونًا، بحصول معسكر اليمين والحريديين على 66 مقعدًا فيما لا تستبعد استطلاعات أخرى نتيجة معاكسة تمنح فيها غانتس فرصة تشكيل الحكومة لأن المستقبل الانتخابي كله متوقف على بعض الأحزاب الصغيرة المتأرجحة بين الحياة والموت وسيؤثر مصيرها على هوية الحكومة المقبلة في إسرائيل مثلما أن الأمر منوط بأداء فلسطينيي الداخل(17 في المئة) ونجاحهم في إيصال عدد من النواب لا يقل كثيرا عما هو اليوم 13 نائبا. ولذلك فرغم هذه النتائج، التي من المفروض أن تؤدي إلى ارتياح في صفوف اليمين والليكود، إلا أنّ المنافسة داخل معسكر اليمين ذاته على عدد مقاعد أكبر، سواءً بين الليكود وباقي الأحزاب، أو بين الأحزاب الصغيرة نفسها، من الممكن أن تهوي بإحدى القوائم إلى ما دون نسبة الحسم.
خطة نتنياهو
وعلى خلفية ذلك صعّد نتنياهو من حملته الانتخابيّة عبر دعوته للتصويت لحزب الليكود فقط، إن أراد المصوّتون استمرار حكم اليمين، وتشكّل دعوة نتنياهو وفق خبراء الإحصاء الإسرائيليين، خطرا على معسكره بأكمله، إذ إنّ طموحه بالحصول على عدد مقاعد أكبر من تلك التي من المتوقع أن تحصل عليها قائمة «أزرق-أبيض» أو رغبته الشخصيّة في الحصول على 40 مقعدا، ليكرّس نفسه زعيما تاريخيا لليكود، سيكون على حساب الأحزاب الصغيرة التي تقف عند نسبة الحسم، مثل «يسرائيل بيتينو» و»كولانو» ما ينذر بعدم تجاوز هذه الأحزاب نسبة الحسم، وبالتالي انخفاض أعضاء الكنيست عن معسكره إلى ما دون الـ61 عضوا، وهو العدد المطلوب لتشكيل حكومة. ومن أجل الحشد للتصويت لأحزاب اليمين، انتشرت في وسائل الإعلام الإسرائيليّة، الأسبوع الماضي، تسجيلات مسرّبة لنتنياهو يدّعي فيها أن استطلاعات الليكود الداخلية تبيّن أن هناك «مللا» في صفوف اليمين، غير أنّه لم يدعُ صراحةً إلى التصويت لليكود، قبل اليوم. ووفق موقع «واللا» فإن زيارة نتنياهو إلى موسكو قبل الانتخابات بخمسة أيّام ستساهم في جذب مصوّتي حزب «يسرائيل بيتينو» الذي يتأرجح عند نسبة الحسم، لليكود، فيما علّق في البلدات الحريديّة لافتات عملاقة تدعو للتصويت له، بينما سعى إلى تحييد رئيس حزب «زيهوت» موشيه فيغلين، بإعلانه دراسة امكانيّة شرعنة الماريغوانا، وهي تصريحات قد تهدّد المصير السياسي لهذه الأحزاب. واعتبر موقع «واللا» دعوة نتنياهو «التصويت لليكود فقط» انجرارا وراء قادة قائمة «أزرق-أبيض» الذين يدعون صراحةً مصوّتي حزبي العمل و»ميرتس» للتصويت لها، في محاولة للحفاظ على تفوق قائمتهم على الليكود، إذ سبق للمرشّح الثاني في القائمة، يائير لابيد، أن صرّحَ أنه «لا يمكن في أي حالة من الأحوال أن يكلف الرئيس الإسرائيلي نتنياهو بتكليف الحكومة إن تقدّمت عليه «أزرق-أبيض» بفارق أكبر من 5 مقاعد. ووفقًا للموقع، المحسوب على اليمين الإسرائيلي، فإن جرّ نتنياهو إلى تنافس القائمة الأكبر في الكنيست «مخطّط له» من قبل «أزرق-أبيض» في محاولة لإضعاف معسكر اليمين. وأوضح الموقع أنه «رغم عدم وجود تأثير لمسألة الحزب الأكبر، إنما التأثير الأهم للكتلة الأكبر، فإن الهدف هو التغلّب على نتنياهو بفارق كبير، نتنياهو الملك الذي لم يُغلب خلال العقد الأخير، ويفترضون في (أزرق-أبيض) أنه إن خسر هذه المرّة، فإن ارتدادات الخسارة ستهزّ كل الخريطة السياسية المقبلة». وأوضح أحد قيادات قائمة «أزرق-أبيض» لموقع «واللا» أنه «إن فازت قائمتنا بفارق أكبر من 4 مقاعد، فإن الائتلاف الحكومي السابق أصبح غير ذي جدوى» وستكون الساحة السياسية مفتوحةً على كافة الاحتمالات. وطرأ ارتفاع كبير، خلال الأسبوعين الأخيرين، في المقاعد التي من المتوقع أن يحصل عليها نتنياهو وفق استطلاعات الرأي، وأبرز ما ساهم في ذلك هديّتا الرئيسين الأمريكي والروسي له، الأول عبر الاعتراف بـ»السيادة الإسرائيلية» على الجولان، والثاني عبر إعادة جثّة طيار إسرائيلي من مقبرة اليرموك إلى إسرائيل خلال استقبال مهيب لنتنياهو في الكرملين، وبين الهديّتين زيارة الرئيس البرازيلي إلى البلاد، وهو ما صوّر نتنياهو أنه «سياسي قوي قادر على ضبط التوازنات بين أمريكا وروسيا». وفي محاولة لجذب أصوات من قائمتي الليكود و»أزرق-أبيض» تروّج الأحزاب الصغرى في اليمين، مثل «اليمين الجديد» وفي اليسار الصهيوني، مثل «ميرتس» إلى إمكانية قيام حكومة وحدة في إسرائيل، بين الليكود و»أزرق-أبيض». ونشرت وسائل إعلام إسرائيليّة تسريبًا لبيني غانتس، قال فيه إنه لا يستبعد المشاركة في حكومة يقودها نتنياهو، قبل اتهامه رسميًا؛ في حين تروّج أوساط اليمين المتطرّف إلى أن قيادات في الليكود ستنضم إلى حكومة محتملة يشكّلها غانتس، لا يكون نتنياهو جزءًا منها.
المهاجرون الروس
وفي كتابهما «المليون الذي غيّر الشرق الأوسط» يتحدّث الكاتبان ليلي غليلي ورومان برونفمان عن خيبة أمل اليسار الإسرائيلي، الذي اعتقد أنّ بروفيل المهاجرين الروس «البيض والمثقفين» يصب لصالح معسكر السلام، إلّا أنّ المهاجرين اتجهوا نحو معسكر اليمين وأحدثوا تحولا في الخريطة السياسية الإسرائيلية. ويورد الصحافي هيلو غلزو ذلك في مقال نشر في ملحق صحيفة «هآرتس» الأسبوعي أول أمس، يختلف مضمونه مع الرأي السائد، الذي يقول إنّ التأثير الحاسم للهجرة المذكورة انقشع مع بداية سنة 2000 عندما اندلعت الانتفاضة الثانية وتلاشت أفواج الهجرة. ويشير إلى أنّه خلال العشرين سنة التي مضت على الفوز الأخير لـ»معسكر اليسار الإسرائيلي» وفد إلى إسرائيل، في عملية متدرجة، 600 ألف مهاجر جديد، ينتمي غالبيتهم إلى ثلاث مجموعات، هي: متحدّثو الروسية من روسيا وأوكرانيا، متحدّثو الفرنسية من فرنسا وبلجيكا، ومتحدّثو الإنكليزية من الولايات المتحدة وكندا. يقرّر المقال، استنادًا إلى استطلاعات رأي وآراء خبراء، أنّ الهجرة الزاحفة تلك صبت، أساسا، في صالح اليمين، ولولاها لما حصلت كتلة اليمين على 61 عضو كنيست في انتخابات عام 2013 وهي مرشحة للحصول على 62- 63 عضوا، كما تشير الاستطلاعات في الانتخابات الجارية.