انتخابات الجزائر بين الاتجاه الثقيل والحدث

ناصر جابي
حجم الخط
0

رغم كل ما قد يعاب على الانتخابات الجزائرية، من حيث مصداقية أرقامها ونتائجها المعلنة وأجواء تنظيمها، فإنه يمكن الكلام عن اتجاهات سوسيو-سياسية أصبحت معروفة ومتفقا عليها كاتجاهات ثقيلة، يمكن ان تساعدنا في فهمها وتفسير نتائجها، سواء تعلق الأمر بنسب المشاركة فيها أو المقاطعة، تعلق الأمر بانتخابات مرحلة الأحادية السياسية أو ما بعد التعددية، التي انطلقت كمرحلة في جو من العنف والفوضى، ارتبطت بفشل في تسيير أول انتخابات تعددية، كادت ان تعصف بكل البناء السياسي الوطني سنة1992 بعد ان خرجت هذه الانتخابات عن الإطار الموضوع لها داخل النظام السياسي كعملية تدوير للنخب فقط. وهو عكس ما حصل على أرض الواقع عندما نجح التيار الإسلامي الجذري بقاعدته الشعبية الواسعة بقلب الطاولة، واستعمال الانتخابات كوسيلة تغيير، لنكون هنا أمام أول درس في هذه الاتجاهات العامة المتحكمة في الانتخابات على الطريقة الجزائرية، كانتخابات تعيد النظام القائم ولا تغير فيه جديا، وهو ما اكتشفه المواطن الجزائري مع الوقت، فقاطع هذه الانتخابات التي لم تتحول إلى وسيلة إصلاح سياسي، مهما كان متواضعا. مقاطعة تبين مع الوقت انها حاضرة أكبر عند أبناء المدن الكبرى والمتوسطة -67 في المئة من الجزائريين – والمهاجرين وأبناء منطقة القبائل بكل تراثهم السياسي المعارض، بعد ان عرفت الهجرة الجزائرية تحولات عميقة في اتجاهاتها – فرنسا لم تعد الوجهة الوحيدة – وخصائصها السوسيو – ثقافية، لتتحول من هجرة عمالية، شعبية إلى هجرة نخب وفئات شابة مؤهلة كجزء من الفئات الوسطى، لتكون أقرب لمنطق المعارضة والمقاطعة لهذا النوع من الانتخابات، وهي تعيش أجواء الحرية في الغرب.
من الاتجاهات الثقيلة الأخرى ما يظهر على مستوى السلوك الانتخابي للشباب الذي يكون عادة على رأس المقاطعين لهذه الانتخابات التي ما زالت تحظى برضى الجزائري الكبير في السن، الريفي وصاحب المستوى التعليمي المتواضع حتى لا نقول الأمي أو شبه الأمي الذي عادة ما تصوره وسائل الإعلام الرسمية في طابور الانتخابات.
اتجاهات عامة معروفة، يمكن ان تعيد نفسها هذه المرة بمناسبة الانتخابات التشريعية المبرمجة هذا الأسبوع في 12 من هذا الشهر، لنكون أمام نسب مقاطعة عالية في المدن الكبرى ومنطقة القبائل كمناطق ثقل ديموغرافي، رغم ما قد يميز هذه الانتخابات من حدث، لابد من إدخاله كعامل تفسير لنتائجها، لن تكون دائما في صالح مشاركة أقوى كما هو حال الظرف السياسي المتشنج الذي تنتظم فيه الانتخابات الذي لن يساعد بكل تأكيد المواطنين على التوجه إلى صناديق الاقتراع، تعلق الأمر بالمواطن المقيم أو المهاجر – حوالي سة ملايين ممركزين في فرنسا. بعد الحراك الشعبي تحديدا الذي خلق علاقات جديدة بين المواطن والسلطة، من الصعب ان يعود بعدها إلى نفس نمط العلاقة القديمة، بعد ان تحررت الكلمة لديه وزال الخوف خاصة عندما يتعلق الأمر بالشباب.

البرلمان المقبل

عوامل أخرى متعلقة بالجانب الحدثي، يمكن ان نذكر منها الإطار القانوني الجديد الذي تجري فيه هذه الانتخابات التشريعية الأولى بعد الحراك، بعد ان تم اعتماد قانون القائمة المفتوحة والمناصفة بين الرجال والنساء على مستوى الترشيحات وفرض نسبة مقننة عالية من أصحاب الشهادات والشباب. قانون قرًب الانتخابات في مرحلة الترشيحات أكثر مما يميز المجتمع الجزائري من خصائص هو الذي عاش في العقود الأخيرة تحولات نوعية كبيرة على رأسها انتشار التعليم وبروز نخبة نسوية في مجتمع صغير في السن، لنكون أمام مفارقة كبيرة قد تبرز بعد الإعلان عن النتائج، بين جزائر بسرعتين، واحدة تترشح، صغيرة في السن ومتعلمة، المرأة فيها ممثلة بشكل جيد لدرجة المناصفة تعلق الأمر بالقوائم الحزبية وبالأخص على مستوى القوائم المستقلة وجزائر أخرى تقترع وتقرر نتائج الانتخابات، لتحسم الشكل الذي سيظهر به البرلمان المقبل.
فإذا كان الشاب المتعلم هو الذي يترشح، فالذي سيحسم نتائج الانتخابات هو المواطن الكبير في السن الأقرب لمنطق الأمية، ابن المناطق الريفية الداخلية التي تميزت على الدوام بقوة مشاركتها في الانتخابات وقربها من الخطاب السياسي الرسمي. نفس الأمر سنراه على مستوى مشاركة المرأة التي ترشحت بقوة وهي تشهر سيف شرعيتها الجديدة، المتمثلة في الشهادة الجامعية والتأهيل المهني، ليمنح القانون الانتخابي الجديد فرصة كبيرة للفكر الذكوري وممثليه في هذه المناطق الريفية المحافظة والفئات صاحبة التعليم المتواضع الكبيرة في السن فرصة للانتقام من نجاحها الذي حققته داخل الجامعة ومكان العمل. فالمتوقع ان تعود نسبة تمثيل المرأة في البرلمان المقبل إلى مستوياتها قبل تطبيق قانون الكوتا الذي رفع من تمثيل المرأة في العهدات البرلمانية السابقة.
برلمان ستحتل فيه القوائم المستقلة الحصة الأكبر، على حساب الأحزاب السياسة التي لم يقبل بها النظام السياسي يوما كاتجاه ثقيل ميًز على الدوام النظام السياسي، حتى عندما يتعلق الأمر بأحزاب موالية له كما هو حال جبهة التحرير. في حين سيكون الظرف السياسي الحالي مواتيا للقوائم الحرة المكونة من رجال ونساء الصف الثاني والثالث لنفس القاعدة الاجتماعية التي اعتمد عليها نظام بوتفليقة واستمرت مع النظام الحالي، حاول التحسين في شكلها وإدخال بعض الرتوشات عليها. قوائم مرشحة على المدى المتوسط لكي تكون حزب السلطة الجديد، تماما كما حصل بعد انتخابات 1997 التي فاز بها التجمع الوطني الديمقراطي كحزب سلطة بعد مدة شهرين من الإعلان عن تشكيله وإبعاد جبهة التحرير.
لكن قبل هذا سيكون من الصعب على النظام تسيير هذا الكم الكبير من الوجوه التي ستكون حاضرة بقوة داخل البرلمان المقبل. وضع سيساهم بكل تأكيد في الزيادة من حدة اضطراب مؤسسات الدولة الوطنية التي لم تتعاف حتى الآن بعد زوبعة الحراك. فرديات من أبناء الفئات الوسطى من أصحاب الشهادات، تتميز بطموح كبير في الوصول إلى منابع الريع وهي تستعمل الانتخابات كمصعد اجتماعي، بعد ان عاينت تدهور وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية وحتى الرمزية في هذا المجتمع المتحرك، وهو يدفعها نحو الأسفل.

على المستوى الحزبي لن تكون هناك مفاجئات كبرى، رغم ما قد يفرزه القانون الانتخابي -عتبة 5 في المئة وطريقة حساب النتائج على مستويين – وغياب أحزاب سياسية محسوبة على التيار الديمقراطي، كما تصنفها الساحة السياسية والإعلامية في الجزائر، وهو ما يؤهل أحزاب الإسلام السياسي الإخواني وعلى رأسه حركة مجتمع السلم ومجموعة من الأحزاب الصغيرة، لتحقيق نتائج معقولة كتيار وحزب قد تحافظ فيها على نتائجها المعروفة بها أو تحسنها لتجد نفسها وجها لوجه أمام وضع اقتصادي واجتماعي أكثر من صعب وحالة اضطراب لمؤسسات الدولة، لن تكون بكل تأكيد لصالح أي حزب يغامر بالتسيير في هذا الظرف، الذي من المحتمل ان تزداد فيه الصراعات من كل نوع – بعضها ذاتي وشخصي- بين وجوه هذا التيار الذي تكونت جل أحزابه بعد انشقاقات من الأحزاب -الأم. انتخابات مهما كانت نتائجها ستؤكد فكرة المواطن الجزائري انها ليست وسيلة إصلاح وتغيير سياسي ومنح شرعية أكبر للنخب والمؤسسات الرسمية التي كان يطالب بها بعد الحراك الشعبي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية