انتخابات الرئاسة التونسية: نهاية منظومة أم ثورة جديدة؟

روعة قاسم
حجم الخط
0

تونس-“القدس العربي”: مرة أخرى تصنع تونس الحدث، ويفرض شعبها على المتابعين والملاحظين الانصات إلى صوته الذي عبّر عنه بكل تحضر وانضباط في انتخابات لم تشهد تجاوزات أو خروقات تمس من مصداقيتها. الحدث التونسي جاء هذه المرة في النتائج التي أفرزتها الصناديق الانتخابية الرئاسية السابقة لأوانها التي عاشت على وقعها تونس يوم الأحد الماضي 15 أيلول/سبتمبر الجاري.

هذه النتائج ستبقى محل قراءة ومتابعة لمدة طويلة، لأن الجميع اتفق على انها زلزال سياسي ستكون له ارتداداته التي قد تقوض البناء المؤسساتي الذي قامت عليه الدولة التونسية. ولئن شكلت هذه الانتخابات محطة هامة في مسيرة هذه الديمقراطية الفتية إلا أنها أيضا أسست لمشهد سياسي جديد في البلاد.

خريطة طريق جديدة

ولا شك أن القراءة المتعقلة للحدث وتداعياته تفرض الانطلاق من الإشارة إلى ان صعود قيس سعيد ونبيل القروي إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية لم يفاجئ إلا الطبقة السياسية وخاصة منافسهما الأبرز يوسف الشاهد الذي اعتبر نفسه فائزا بدون حاجة إلى حملة انتخابية كبرى في ظل اعتقاده ان حصيلة حكومته مقبولة وأن لديه شعبية أقوى من عمليات استطلاع وسبر الآراء التي أكدت مرارا ومنذ أشهر الصعود اللافت إلى مستوى الصدارة في نوايا التصويت لقيس سعيد ونبيل القروي مقابل تراجع متواصل ليوسف الشاهد. وقد اعتبر عدد من الملاحظين أن وفاة الباجي قايد السبسي وما حف بها من ملابسات، علاوة على الظهور المفاجئ لعبد الكريم الزبيدي الذي تحول من وزير دفاع إلى مترشح للانتخابات إلى جانب تشتت “نداء تونس” كان من العوامل التي أنهكت يوسف الشاهد وأنهت طموحه الرئاسي. ولكن عبد الكريم الزبيدي لم يكن أوفر حظا من يوسف الشاهد الذي كان هدفا من أهداف حملته الانتخابية. وهزيمة الرجلين هي في عمقها دليل متجدد على انتهاء الدور السياسي لحركة “نداء تونس”. ولا يمكن لحديث الهزيمة وربما النهايات ان يقف عند يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي بل قد ينسحب على حمادي الجبالي ومنصف المرزوقي ومهدي جمعة الذين لم يشفع لهم تحملهم المسؤولية في المرحلة الثورية من الوقوع تحت طائلة “التصويت العقابي”. ومن الاستخلاصات اللافتة في نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية هزيمة مرشح حركة النهضة ونائب رئيسها عبد الفتاح مورو وهي هزيمة تؤكد تراجع شعبية الحركة وتقلص حجم كتلتها الانتخابية إلى جانب تأثير خلافاتها الداخلية التي لم يعد في الإمكان اخفاؤها على موقعها على الخريطة السياسية التونسية.

وجه الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية انذارا شديد اللهجة للأحزاب السياسية وحمّلها مسؤولية الأزمات التي تعرفها البلاد ولم تعرف طريق الخروج منها، ومنح شخصيتين غير حزبيتين فرصة رسم خريطة طريق جديدة يبدو التونسيون في أشد الحاجة إليها. قيس سعيد ونبيل القروي يجمع بينهما النجاح في مجالين مختلفين وهما التدريس والمبادرة الاقتصادية والإعلامية، وبينهما من نقاط الاختلاف أكثر مما يحصى وإن كانا قد نجحا في أن يهزما المنظومة ويقوضا الأسس التي انبنت عليها. وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول مستقبل المسار الانتخابي والسياسي التونسي في ظل تراجع دور الأحزاب والانتقادات الكبرى الموجهة للدور وتأكد تشتت الأصوات في الانتخابات التشريعية وغموض البرنامج السياسي لنبيل القروي وقيس سعيد.

سيكولوجيا التصويت

عن الأسباب التي دفعت الناخبين للتصويت لقيس سعيد ونبيل القروي اعتبرت الأكاديمية وأستاذة الاتصال في الجامعة التونسية سلوى الشرفي لـ “القدس العربي” أن أغلبية من صوت لنبيل القروي هم من الكهول وكبار السن. وعندما نعلم ما هي الآلية الانتخابية لنبيل القروي نعرف ان قناته “نسمة” التي تمرر على مدى اليوم مسلسلات وبرامج خيرية، نفهم انه استطاع جلب شرائح اجتماعية لديها الوقت ليشاهدوا التلفزيون ويتأثروا به”.

وتضيف: “بالنسبة لناخبي نبيل القروي يتطابق ملمحهم مع خطابه الانتخابي. وبالنسبة لقيس سعيد نجد أن أغلبية ناخبيه أي 55 في المئة هم ثانويون أو جامعيون وأيضا في الوقت نفسه سنهم ما بين 18 و25 عاما، يعني هم ما زالوا في سن الشباب، لذلك تحضر أمامنا صورة الطالب الجامعي أو العاطل عن العمل، فتم استقطابهم بالأمل والطموح. وبحكم احتكاكي اليومي مع الطلبة أعرف أن قيس سعيد بالنسبة لهم هم المدرس والمعلم والشخص المثالي، وحتى خلال حملته الانتخابية بقي مدرسا وخطابه أشبه بمحاضرة جامعية، وهذا سيكون له تأثير سيكولوجي قوي عليهم. وهناك جانب آخر يتعلق بالوضع المعيشي الصعب في البلاد وما أفرزه من تصاعد نسب البطالة، وحسب مؤسسات سبر الآراء فإن غالبية من صوتوا لقيس سعيد هم من المتخرجين الذين يعانون من البطالة ويحملون النظام الحالي أو المنظومة الحالية السبب. فوجدوا في قيس سعيد شخصية تتطابق مع أحلامهم وطموحاتهم فهو استاذهم الذي سينقذ البلاد. وتضيف: “ما يحدث سيكون له تأثير كبير على الانتخابات التشريعية المقبلة باعتبار أن من صوت لنبيل القروي سيعطي صوته لحزبه الجديد “قلب تونس” أما قيس سعيد فليس لديه حزب وهذا سيؤثر تأثيرا سلبيا ويضعف من مكانة رئيس الجمهورية وصلاحياته باعتبار أن أي مقترح تشريعي يحال على البرلمان لن يجد دعما كافيا من الكتل البرلمانية”.

ثورة شباب جديدة

ولعل التساؤل الأهم الذي يطرح نفسه هو، هل ما يحدث هو نهاية منظومة أم ثورة جديدة يقودها أيضا الشباب الثائر على وضعه الاقتصادي والمجتمعي والإهمال السياسي؟ فقد نبهت تقارير عديدة مؤخرا من تصاعد حالة العزوف السياسي الذي شهدته الساحة السياسية التونسية لدى الشباب. في هذا السياق يقول الكاتب السياسي الناصر الخشيني لـ “القدس العربي” إن الأستاذ الجامعي قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية وصل للمرتبة الأولى بمؤازرة من شباب تونس الذي قاد انتفاضة 17 كانون الأول/ديسمبر2010 و14 كانون الثاني/يناير 2011. وتحمل هذا الشباب صنوفا من القهر من جراء سياسات الحكومات المتعاقبة منذ تلك التي تسمى باكورة الربيع العربي والتي أدت إلى نتائج كارثية على الشعب التونسي من ازدياد منسوب الفقر والمديونية والبطالة وتوقف عجلة التنمية”. ويضيف: “اندفع شباب تونس إلى مغامرات قاتلة سواء بالانخراط في بؤر التوتر بدعوى الجهاد أو المغامرة بالهجرة السرية عبر البحار في اتجاه الجنة التي يحلم بها في أوروبا، وكم حصلت من مآس في مختلف هذه المغامرات وكان رد شبابنا على سياسات الحكومات اللاوطنية والتي تماهت مع كل أنواع الفساد إلى درجة أن شعبنا عاقب في الانتخابات الأخيرة كل المنظومة القديمة، بعدم التصويت لها بكثافة حتى تسقط”. واعتبر الخشيني أن الشباب التونسي أحدث ثورة جديدة هذه المرة ليس في الشوارع وبالحناجر كما حصل في كانون الأول/يناير2011 وإنما هذه المرة بالأقلام وعبر صناديق الاقتراع. فكان النجاح في المرتبة الأولى من نصيب الأستاذ قيس سعيد الذي آمن به شباب الثورة وسيعمل على إنجاحه في الدورة الثانية التي ستقع خلال الأيام المقبلة. وكان الثاني وهو نبيل القروي المسجون حاليا بتهمة التهرب الضريبي وتبييض الأموال ومع ذلك تأهل لخوض الدورة الثانية”. وعن الأسباب التي دفعت لانتخاب نبيل قروي أجاب بالقول: “لأنه أولا يملك قناة “نسمة” التلفزيونية وقد ساعدته على تسويق نفسه كمنقذ للشعب من خلال برنامج “خليل تونس” حيث قدم من خلاله لعشرات الآلاف من الآسر مساعدات قيمة مالية وغذائية وغيرها من ما يسد حاجيات عدد كبير من المواطنين ما جر له تعاطفا شعبيا كبيرا بحيث عوض الدولة في القيام بهذه المساعدات الاجتماعية. وأما الأستاذ قيس سعيد فتم اختياره من قبل النخبة المثقفة والواعية والتي آلمها ما صار إليه وضع تونس بالرغم من امكانياتها وثرواتها المهدورة ومع ذلك شعبها يعيش الخصاصة والذل”.

التداعيات

أما عن تداعيات هذه النتائج فيضيف الخشيني بالقول: “أتصور أن الانتخابات التشريعية التي ستقع يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر المقبل سيواصل خلالها الشعب معاقبة المنظومة القديمة ولن يسمح لها إلا بأقل ما يمكن من المقاعد في مجلس النواب المقبل، ولكن لا ننسى أن هذه المنظومة تمتلك المال والإعلام والإدارة والقضاء والأمن والجيش فيمكنها ان تفعل أي شيء لضمان مصالحها والأيام الآتية مليئة بالمفاجئات في تونس ونأمل خيرا مع التحذير من قوى الشر التي تهدد في مصالحها”.

وأكد الناشط الحقوقي والمحلل السياسي رمزي الخليفي لـ “القدس العربي” أن هذه النتائج ستكون لها تداعيات كبيرة على الانتخابات التشريعية التي ستجري في 6 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، ويبدو سيكون لها المنحى نفسه في الانتخابات التشريعية. مضيفا: “لذلك نجد أن أغلب الأحزاب خاصة ما يسمى بالعائلة الوسطية، تحاول الآن لملمة شملها وأن تعود بقوة كي تتحصل على نسب مهمة في الانتخابات التشريعية التي لها أهمية قصوى، باعتبار ان النظام القائم في تونس هو نظام شبه برلماني والبرلمان له الكلمة الفصل في تشكيل الحكومة ورسم السياسات العامة للدولة وفي تسيير دواليبها.

الوضع العام في تونس مرتبك وهناك تململ في كل الأوساط وخشية من ارتدادات هذا “الزلزال السياسي” على الوضعين الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية