بفضل انتخابات الثلاثاء 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 تغيرت قواعد اللعبة السياسية في الولايات المتحدة. إذ لم يعد بإمكان الرئيس الأمريكي المندفع وغير المتوازن التصرف بلا قيود. بفضل الانتخابات سيحسب الرئيس حساب المعارضة الديمقراطية الجديدة في مجلس النواب، هذه المعارضة لن تسمح له بالاستفراد في شؤون كثيرة على الصعيد الداخلي كما والخارجي.
سيحد مجلس النواب الأمريكي بحلته الجديدة من التشريعات التي قد تضر بالديمقراطية وبحقوق الأقليات والمهاجرين، والضمان الصحي، بل سيمنع مجلس النواب الجديد التخفيض الضريبي المطروح من قبل إدارة ترامب لأصحاب الأموال الكبيرة. وسيتساءل مجلس النواب، بنفس الوقت، عن مدى تهرب الرئيس من دفع الضرائب عن أمواله. سيتساءل النواب عن قيام ترامب بالتأثير سلبا على العلاقة مع أوروبا والمكسيك (الجدار)، وفي حالات كندا، ثم مع الصين، ومن الطبيعي ان تبرز اصوات في مجلس النواب وفي اللجان تتساءل عن أسباب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته إدارة الرئيس السابق اوباما. وبنفس الوقت سيتساءل مجلس النواب عن سوء استخدام الرئيس ترامب للسلطة خاصة في مسألة العلاقة مع روسيا. كما سيتساءل المجلس عن صلاحيات كوشنر في قراءة تقارير المخابرات الأمريكية وتقديمها لقادة أجانب، وسيعمل مجلس النواب الديمقراطي لحماية المحقق مولار الذي يقود التحقيق حول العلاقة مع روسيا في ظل الانتخابات الرئاسية للعام 2016.
ستلعب لجان المجلس التي سيقودها الجزب الديمقراطي، كاللجنة التشريعية، ولجنة المساءلة والمراقبة ولجنة المخابرات ولجنة الشؤون الخارجية دورا رئيسيا. هذه اللجان ستكون قادرة على استدعاء أي مسؤول ووزير في إدارة ترامب، كما أنها قادرة على الحصول على المعلومات ومن حقها أن توجه وتفرض وتمنع وتضع قيودا. وسيتم عمل اللجان بالعلن، لهذا ستؤدي اللجان والتساؤلات التي تثيرها لخلق رأي عام أمريكي أكثر انتقادا لسياسات البيت الابيض.
لقد تداخل كل شيء في الوضع الأمريكي، فحتى العملية الدموية التي قام بها أحد الأمريكيين وأدت لقتل 11 مصليا يهوديا في أواخر الشهر الماضي في مدينة بيتسبرغ الأمريكية لم تحظ باهتمام البيت الأبيض كما لم تثر ردود فعل في إسرائيل. والسبب في ذلك مرتبط بكون الفاعل من الجماعات العنصرية البيضاء التي تدعم توجه الرئيس. أما نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي فقد فضل عدم التعامل مع قضية قتلى المعبد اليهودي وذلك لطبيعة علاقة نتنياهو بالانجيليين الأمريكيين ذوي التوجه المؤيد لإسرائيل، إن من قام بالعملية ضد المصلين اليهود من قاعدة الرئيس ترامب. وهذا يعني ان المزيد من اليهود الأمريكيين سينسحبون من معسكر ترامب/نتنياهو ويتجهون بصورة أكبر نحو المعسكر الديمقراطي الذي يخاطب التنوع والحقوق بصورة اكثر تقدما. مع الوقت ستكتشف المجموعات اليهودية الأمريكية مدى خطورة مشروع اليمين الإسرائيلي المتحالف مع اليمين الأمريكي العنصري والتيار الديني الانجيلي عليها.
ستلعب لجان المجلس التي سيقودها الجزب الديمقراطي، كاللجنة التشريعية، ولجنة المساءلة والمراقبة ولجنة المخابرات ولجنة الشؤون الخارجية دورا رئيسيا
وبسبب نتائج الانتخابات النصفية ستكون قضية تصفية جمال خاشقجي حاضرة خاصة وإن الحزب الجمهوري يتفق لدرجة كبيرة مع الديمقراطيين على ضرورة كشف الحقيقة. وهذا سيتم بتناغم مع الصحافة الأمريكية وتوجهات الرأي العام. وهذا يعني أنه من الممكن ان يقوم الكونغرس بفرض بعض الضوابط وربما العقوبات علي المملكة العربية السعودية في أمور التسلح وغيرها، وهذا يعني بأنه سيصبح ملف حقوق الإنسان والمعتقلين أكثر حضورا في أروقة الكونغرس. وستكون حرب اليمن والعلاقة مع إيران بكل أبعادها حاضرة أيضا في المشهد الخلافي الجديد حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. بالطبع سيسقط كل ما سبق لو نجحت المملكة بتغير عدد من سياساتها وإستبقت الضغوط في اليمن والحريات ومعاقبة من اغتال جمال خاشقجي، وينطبق ذات الأمر على حصار قطر. لكن هذا لا يبدو واضحا في هذه المرحلة، سييقى الشد والجذب في جميع هذه الملفات سيد الموقف، لكن الجديد اشتعال الاسئلة حول كل هذ الملفات من قبل مؤسسات الإعلام كما وفي أروقة الكونغرس الأمريكي والرأي العام الأمريكي والعالمي.
في المرحلة القادمة سوف ينشغل الرئيس ترامب بالهموم الداخلية، سوف تشتت تركيزه نزاعاته مع الصحافة الأمريكية ومجلس النواب ومعارضيه، كما وستقع مزيد من الاستقالات في صفوف فريقه. لكن من جهة اخرى سيضطر الرئيس ان اراد النجاح في حده الأدنى للتحدث مع الأغلبية الديمقراطية والتوصل معهم لحلول وسط. وهذا بالطبع سيضر بأجندته الأحادية.
هنا يبرز السؤال: هل يتجه الكونغرس لازاحة الرئيس قبل 2020؟ أن احتمال الإزاحة مازال غير وارد. لكن ذلك قد يتغير في حالة واحدة: ثبوت تهم كبرى على الرئيس بفضل تحقيقات المحقق مولار، واقتناع قادة الجزب الجمهوري في مجلس الشيوخ بضرورة الإزاحة. في هذه الحالة سنجد تعاونا كبيرا بين الديمقراطيين والجمهوريين وبالتالي بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
لقد إنبثق في الولايات المتحدة الأمريكية مناخ ديمقراطي جديد. هناك قوى جديدة نجح الحزب الديمقراطي ببراعة في دفعها للأمام، هذه القوى مكونة من الشباب والنساء والنشطاء والأقليات. إن وصول مسلمتين واحدة من جذور صومالية والاخرى فلسطينية لمجلس النواب إشارة واضحة لطبيعة التغير الذي يمس قاعدة المجتمع الأمريكي.
هذه التطورات ستنعكس على طريقة تعامل أمريكا مع الفوارق الطبقية والعدالة الاجتماعية والفساد وسوء استخدام السلطة، لكن لهذه التغيرات أثر على السياسة الخارجية والعلاقات مع دول ومجتمعات الشرق الأوسط. يبدو ان الرئيس ترامب، بفضل هذه الانتخابات وبفضل سياساته قد فقد فرص اعادة انتخابه في 2020. لكن بنفس الوقت يجب مراقبة صراع القوى في الولايات المتحدة من الان ولغاية انتخابات 2020، ففي الولايات المتحدة مفاجآت قادمة.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت