حذر ملك السعودية عبد الله إبن عبد العزيز، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري أيضاً في نهاية الأسبوع من خطر توسع تنظيم «الدولة الاسلامية»، الذي يصنع الفظائع في سوريا والعراق. وكلاهما مخطيء لأنهما يعتقدان أن الحديث عن منظمة واحدة فقط. يصعب عليهما أن يدركا أن السرطان قد انتشر فأصبح موجوداً في نيجيريا والصومال وباكستان وأفغانستان وسيناء – حيث قطعوا هناك قبل بضعة أيام فقط أربعة رؤوس – لكنه يصعب عليهما الفهم.
التقيت قبل أقل من سنة حسن شلغومي، إمام مسجد مجموعة درنسي قرب باريس. ولم يكن أحد آنذاك يعرف داعش. وكان شلغومي الذي ينتمي الى التيار المعتدل قد عانى مرة بعد أخرى من عنف مسلمين من التيار السلفي والوهابي. وتوجه الى السلطات الفرنسية طالباً بتوسل حقيقي أن تبدأ التنبه الى ما يحدث في المساجد. وتحدث عن وعظ مخيف موجه على اليهود والغرب لكن أحداً لم يُصغ اليه بل إن اليسار الفرنسي ندد به، فانه يُصر على ألا يكره اليهود ولذلك فان شيئاً ما عنده على غير ما يرام.
لم يبدأ ذلك في الاشهر الاخيرة: ففي عشرات السنين الاخيرة أنفقت السعودية على الاسلام المتطرف في كل أنحاء العالم. ونشر الدكتور والي ناصر، وهو من مواليد باكستان، بحثاً عن نفقات السعودية الضخمة على شبكات مدارس ضخمة في باكستان وأفغانستان. وكتب الدكتور أنهم لم يهتموا هناك بالعلم بل بمحاربة الكفار. وأنتم تعلمون ما جاء بعد ذلك. إن خريجي تلك المدارس هم الذين ملأوا صفوف المجاهدين وطالبان وأنشأوا القاعدة بعد ذلك.
ونشر البروفيسور أنطوني غيلس أيضاً تقريراً شاملا عن نفقات ضخمة مشابهة بلغت 233 مليون جنيه استرليني على «مراكز دراسات اسلامية» في الجامعات الثماني الرائدة في بريطانيا. وكان الهدف من جهة البريطانيين هو دمج الشباب المسلمين، بيد أن المال السعودي أُنفق على زيادة التطرف، وتُبين النتيجة كما كتب غيلس أن السعوديين فازوا.
قدّرت وزارة الخارجية الامريكية بجلالة شأنها أن السعودية أنفقت في العقود الاخيرة عشرة مليارات دولار على الدعوة الى التحول عن التيار السني المركزي الى المذهب الوهابي. فأين كان أسلاف جون كيري؟ نشرت وزارة خارجية الاتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو 2013 تقريراً شاملاً عنوانه «مشاركة السلفية/ الوهابية في دعم جماعات متمردين في أنحاء العالم وإمدادها بالسلاح». وتقول الجملة الافتتاحية إن «السعودية هي المصدر المركزي للإنفاق على الارهاب منذ سبعينيات القرن الماضي»، وأصبح ملك السعودية يشتكي الآن. انقلب السحر على الساحر.
كان كل شيء معلوماً وظاهراً، فقد أشارت التقارير والبحوث الى ذلك التمويل، لكن العمى هزمها جميعا. وإن أكثر رجال الجامعات الذين يشتغلون بذلك الشأن في الولايات المتحدة وأوروبا هم رافعو راية العمى. وقد كان ادوارد سعيد الراحل وجون اسبوزيتو (الذي كان رئيس اتحاد محاضري دراسات الشرق الاوسط) وكثير آخرون كانوا من أقطاب مذهب العمى، فقد زعموا أن الاسلام المتطرف ظاهرة غير ذات شأن. ووجهوا إصبع الاتهام الى الولايات المتحدة نفسها والى اسرائيل بالطبع وحظوا بنجاح مدهش. وهذا بالضبط ما يعتقده أكثر «الخبراء» في هذا المجال. فلهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها.
يُخيل إلينا بين حين وآخر أن العالم الحر يستيقظ بيد أنه يستيقظ وينام فوراً. وإن المُحذرين الآن ليسوا محافظين أو كارهين للاسلام بل الحديث الآن أيضاً عن أولئك الذين أنفقوا وناموا، فلم يبق سوى أن نأمل أن يكون الاستيقاظ الحالي أكثر جداً بقليل، وإن يكن ذلك من أجل التغيير.
يديعوت أحرونوت – 31/8/2014
بن درور يميني