انتقاد الكبار… واستدعاء ذكرى ثورة يناير في «طوابير الخبز» ظاهرة تثير الكثير من التساؤلات

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: تدرك السلطة وأجهزتها العليا، أنه كلما مرّ الوقت، وظلت النكبة الاقتصادية دون حل، تعاظمت كرة الثلج التي تنذر بالتدحرج فوق رأس “الكبار”، أولئك الذين يظنون أنهم مانعتهم حصونهم.. وعلى مدار إجازة نهاية الأسبوع وطيلة يومي السبت والأحد 14 و15 يناير/كانون الثاني زادت المحنة وعي الناس حتى البسطاء منهم، الذين يتناقشون بصوت مرتفع أثناء وجودهم في طوابير الخبز المدعم، التي باتت مناسبة لانتقاد الحكومة وصب مزيد من الغضب عليها، بسبب نار الغلاء الذي طال الجميع وبات الكثيرون في مختلف التجمعات يوحدهم الحديث عن النكبة التي أطلت عليهم والطرف المسؤول وسبل عبورها بسلام.
وحفلت صحف يومي السبت والأحد بالعديد من المعارك التي طال الكثير منها التجار، فيما أصاب شرر قليل منها الحكومة وفي القلب منها وزير التموين، بسبب فشل الأجهزة التي تتبع وزارته في مقاومة المحتكرين والمغالين في أسعار السلع الغذائية، فضلاُ عن فشله في الوفاء بما تعهدت به الحكومة التي يمثلها، في فرض تسعيرة استرشادية على السلع الاستراتيجية، خاصة الأرز والدقيق والبقوليات. كما واصل الكتاب الاهتمام بتعاظم الورقة الخضراء وسبل البنك المركزي لحصارها.
ومن أبرز التصريحات: قال سامح شكري وزير الخارجية، إن القضية الفلسطينية وأزمة سد النهضة، كانتا حاضرتين في مباحثاته مع نظيره الصيني تشينج قانج. وأضاف خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الصيني، أن الصين كثيرا ما كانت في طليعة الدول الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين، وإنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار في المنطقة، واستعادة الدولة الوطنية لقدراتها. وأشار إلى أنه أطلع الوزير الصيني على آخر تطورات قضية سد النهضة، وجهود مصر للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم. وأكد أن هناك استعدادا من قبل دولة الصين للإسهام في حل القضايا العالقة.
ومن أخبار مؤسسة الرئاسة كذلك: اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد معيط وزير المالية، والدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني. وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الاجتماع تناول متابعة “جهود تطوير منظومة التعليم الأساسي بمختلف محاورها”.
ومن الأرقام المثيرة للجدل: قال فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، أن مجموع مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي بن أبي طالب يساوي مدائحه لسائر الصحابة ضرب الضعف، وعندما ألف أحمد بن حنبل، وهو من أئمة أهل السنة، فضائل الصحابة، ثلاثة أرباعه عن علي والربع عن الصحابة. ومن أخبار دعم الناجين من الإدمان، نظم صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي برئاسة الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي رحلات للمتعافين في مراكز العزيمة التابعة للصندوق إلى معبد “دندرة” في مدينة قنا، في إطار الحرص على كسر الملل لدى المتعافين وتحفيزهم على استكمال برامج التأهيل النفسي والاجتماعي.
غدر الأشقاء

وصل تطرف الحكومة الجديدة، التي يقودها بنيامين نتنياهو في تل أبيب، ويتابع جرائمها سليمان جودة في “المصري اليوم” إلى حد أن أصواتا إسرائيلية تدعوها إلى ضم الضفة الغربية بكاملها. ورغم أن هذه هي الحكومة السادسة التي يشكلها نتنياهو، إلا أنها الأشد تطرفا من بين الحكومات الست، ليس فقط من حيث أفكار رئيسها نفسه، ولكن من حيث الوزراء المتطرفين الذين تضمهم أعضاء فيها، وفي المقدمة منهم إيتمار بن غفير وزير الأمن، الذي اقتحم باحات المسجد الأقصى وهو لا يبالي. ولست مع الذين يصورون رئيس الحكومة على أنه حمامة سلام تقود حكومة من الصقور.. فهذا تصوير غير دقيق، وغير مطابق لمقتضى الحال.. ولا بد من أن نظرة عابرة على تصريحاته منذ أن حصل على تكليف بتشكيل الحكومة من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ، سوف تقول إنه لا حمامة سلام ولا يحزنون، وإنه فقط يتقاسم أداء الأدوار مع الوزراء. فهو مثلا يوجه وزراء حكومته إلى مواصلة ضرب الفلسطينيين بكل طريقة ممكنة، ثم ينبه الحكومة إلى أن الضرب يمكن أن يذهب بالأمور في الضفة إلى حافة الهاوية، ولكن دون الوقوع فيها! والوقوع في الهاوية من وجهة نظره هو انهيار السلطة التي يرأسها محمود عباس.. ولا تزال هذه هي سياسته وسوف تبقى، وكانت هي نفسها السياسة المتبعة من كل حكومة سبقته إلى مقاعد السلطة في الدولة العبرية، وكان الاختلاف بينها في الدرجة دائما لا في النوع. وإذا كان كل هذا لا جديد فيه تقريبا، فالجديد هو رغبة نتنياهو وسط هذا كله في عقد لقاءات لحكومته مع الدول العربية الأربع، التي أطلقت إسرائيل معها علاقات دبلوماسية أيام حكومته الخامسة.. كان ذلك في نهايات 2020، وكان ترامب في البيت الأبيض، وكان الاثنان يتبنيان ما يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية للسلام، التي وصل قطارها إلى أربع عواصم عربية، وكان المخطط أن يواصل القطار انطلاقته إلى عواصم عربية أخرى، لولا أن ترامب غادر السلطة، ومن ورائه غادر نتنياهو أيضا. كانت الدول الأربع هي الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب، وكانت قد ذهبت إلى التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية على أمل أن يؤدي ذلك إلى سلوك إسرائيلي مختلف في قضية فلسطين. ولكن هذا الأمل لا يزال مُعلقا، ولا تزال الدول الأربع تراهن على ألا يغلب الطبع التطبع في تل أبيب، ولا تزال تأمل في أن يتوقف نتنياهو عن إحراجها.

المحللون مرتبكون

عشرات التحليلات استمع اليها مجدي حلمي الكاتب في “الوفد” بشأن الأزمة الخانقة التي تحاصر المصريين من شخصيات تدعى الخبرة في الاقتصاد، ومن مسؤولين في البنوك المصرية، فوجدتها تحليلات متضاربة وعكس بعضها، ولم تصل إلى فهم السبب الحقيقي للحالة التي وصلت إليها العملة المصرية.. فلم يجب أي مسؤول عن سؤال إلى متى سوف يستمر هذا الحال؟ والغريب أن التحليلات الأجنبية تشير إلى أن الارتفاع في سعر العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار، سوف يستمر حتى نهاية العام وذكروا أرقاما مرعبة. توقفت أمام ما قالته المديرة التنفيذية لصندوق النقد عندما تحدثت عن بيع أصول الدولة بمقدار اثنين ونصف المليار دولار دون أن تحدد ما هي هذه الأصول وكيفية البيع، ولكن أشارت إلى المشترين وهم مستثمرون وحكومات عربية خليجية.. ولم يخرج علينا أي مسؤول ليتحدث عن آليات وضوابط البيع، وما الأصول المعروضة للبيع، حتى يتم قطع الشك باليقين والتصدى للشائعات الخاصة ببيع قناة السويس وحديقة الحيوان والموانئ، وغيرها من الشائعات، التي تستغلها جماعات الإرهاب والعنف للتحريض ضد مصر. ففي مثل هذه الأزمات الاقتصادية مصارحة الناس بحقيقة الأزمة، وإشراكهم في مناقشتها بحرية بعد وضع كل المعلومات أمامهم، هي بداية لعبورها سريعا.. لكن أن تترك الحكومة الأمور إلى مجموعة يدعون أنهم محللون اقتصاديون يأخذون الناس يمينا ويسارا ويحدثون ارتباكا في فهمهم، الأمر الذي يساعد على نشر الشائعات أكثر منه نشر الحقائق، وتوعية الناس بالأخطار المحدقة.

الأزمة ستطول

انتهى مجدي حلمي إلى الاعتراف بأن الأمة في حاجة إلى التماسك من أجل عبور هذه المحنة الاقتصادية والانهيار الكبير والخطير لقيمة العملة الوطنية. نحن لا نريد أن نكرر أخطاء الآخرين وتجربة عمر البشير في السودان قريبة، فقد صرح فور توليه السلطة بأنه سيجعل الدولار يساوي جنيها سودانيا ووصل به الحال بعد سنوات إلى أنه بلغ 1500 جنيه سوداني.. لأنه اعتمد على خطاب شعبوي تعبوي، وأخفى عن الشعب الحقائق، فكانت ما يشهده السودان الآن من أزمات، بداية من الانفصال وحتى حالة الفوضى الموجودة الآن والصراع السياسي هناك.الحكومة مطالبة بمصارحة الناس، وأن يكون شرحها مبسطا يفهمه رجل الشارع العادي، وأن تعلن استراتيجيتها للحد من حالة انهيار الجنيه ومتى يمكن أن يستعيد عافيته أمام العملات الأخرى، وعلى الزملاء الإعلاميين في برامج التوك شو والبرامج المتخصصة، وحتى البرامج التي تشتري هواء في قنوات بير السلم، عليها الاستعانة بخبراء حقيقيين لتحليل الأزمة الاقتصادية وأن يناقشوهم في آرائهم بصورة مهنية. والأهم أن الهيئات الاقتصادية غير الحكومية من أول الجمعية الملكية للاقتصاد السياسي، وحتى جمعيات واتحادات رجال الأعمال، استدعاء الخبرات التي لديها وعقد ورش تفكير وورش عمل لإعانة الحكومة على الخروج من هذه الأزمة، التي تشير كل الدلائل إلى أنها ستطول وفق ما بشرنا به خبراء التوك شو.

«الهري له ناسه»

بدا واضحا والكلام لعصام كامل في “فيتو”، أن الرئيس ليس سعيدا بـ”هري الناس”، ففي أكثر من مناسبة طالب الجميع بأن يتوقفوا عن “الهري”، معللا ذلك بأن الحكي بغير علم هو مجرد هري مذموم.. والناس فيما “يهرون” مذاهب، فهناك من يهري من أجل الهري، وهناك من يهري لغرض في نفس يعقوب، وهناك من يهري دون أن يعلم أنه يهري، وهناك ألف نوع ونوع من الهري. والهري الذي يقصده الرئيس في ما فهمت هو الكلام في أمور معقدة دون معلومات، فتكون النتيجة هي البلبلة وعدم اليقين وسيادة منطق الحكي دون علم، ما يؤدي حتما إلى انتشار الأفكار الضبابية. هكذا فهمت ما يقصده الرئيس غير أن الحكومة لو فهمت مثلما فهمت لما تركت المواطن فريسة للهري في كل أنواعه، وكان لزاما عليها أن تقطع الطريق أمام السادة “الهرائين” على وزن “فعالين”. ولكن كيف تقطع الحكومة الطريق على انتشار ظاهرة الهري؟ ببساطة أن تكون لديها شفافية؛ فالمواطن يهري فيما لا يجد له منطقا أو دليلا، وبالتالي فهو يبحث عن اليقين بطريقته التي يراها الرئيس هريا. يعنى، لو أن أحدا من الحكومة قبل يوم من رقصة الدولار خرج علينا ليقول كلاما يمهد الطريق لتلك الرقصة، أو يقدمها باعتبارها فنا حكوميا خالصا، أو باعتبارها رقصة الموت للجنيه للمصري، أو باعتبارها شرطا من شروط صندوق النقد الدولي لما كان هناك هري طوال نهار الرقصة وبعض ليلها. لو أن واحدا من الحكومة أو ممثلا عن السلطة خرج على الناس وقال لهم لماذا لم نحصن صناعة الدواجن التي تغطى احتياجاتنا بمصانع للأعلاف، وبدائل للمستورد لما وصل الناس إلى هري الدواجن ولحومها وأرجلها وريشها. لو أن واحدا ممن يعتلون الكراسي خرج على الناس وصارحهم بما سوف نبيعه من أصول، لما خرج الهري عن النص وتوسع وزاد وخاض وأدخل العامة في دائرة الخوف على مصر ومقدراتها وسيادتها.. لو أن واحدا من النظام خرج على الناس وقدّم لهم تفسيرا وتاريخا محددا للسنوات العجاف التي سنواجهها لما تخبط الناس في ما سماه الرئيس هريا بغير علم. والعلم يا سادة لا يغني عن الهري؛ فالهري باحة واسعة يطلق فيها المرء العنان لتفسير ما لم يجد له تفسيرا.

المعضلة والحل

أول مبادئ حل أي أزمة من وجهة نظرمحمود العلايلي في “المصري اليوم” هو الاعتراف مبدئيّا بوجود «أزمة»، وذلك هو السمة الرئيسية في الحالة الاقتصادية التي تعيشها مصر حاليا، حيث وصل الحال إلى موقف لا يمكن عنده إسباغ أي وصف للحالة سوى أنها أزمة، وسواء كان سببها انعكاسا للأزمة العالمية، أو أعراضا لأزمات داخلية، فإن النهاية واحدة، والأزمة قائمة إلى الحد الذي لا يتطلب الاعتراف بها، بقدر ما يتطلب الإسراع في التفكير لطرق حلها. والحقيقة أن هذا الموقف ليس شرّا كله لأن جوانبه الإيجابية لم تكن لتظهر إلا بموقف مثل هذا، حيث أثبت الموقف الحالي أننا بالتأكيد كنا نسير في طريق خاطئ على مدى العقود الفائتة بين التأرجح بين التوجهات الاشتراكية والإجراءات الرأسمالية، والانقسام بين عقل الدولة الرأسمالي، وجسدها الاشتراكي، وبالتالي وجب فك هذا الاشتباك كخطوة مبدئية للحل، أما الأمر الثاني الذي أظهرته تلك الأزمة فهو أوضاع مؤسسات الدولة السياسية. والمقصود هنا ليس تصميم عمل المؤسسات السياسية، سواء الحكومة أو البرلمان، ولكن الطريقة التي يتم بها تشكيل تلك المؤسسات بالشكل الذي لا يتطابق مع مواد الدستور، مما يؤدي إلى تهميش دور المواطن بالنسبة للمنتمين لهذه المؤسسات من حيث المحاسبة ومراجعة السياسات والتوجهات. ومن واقع الحال فإنه على مر الأسابيع الماضية، وعلى مدى الأيام الثلاثة الفائتة بالتحديد، علَت بعض الأصوات تنادي بإصلاحات سياسية، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الظروف، لأن الوضع الاقتصادي يتناسب تناسبا عكسيّا مع المطالبة بالإصلاح السياسي.

المحنة والمنة

اننهى محمود العلايلي لما يلي: كلما تدهور الوضع الاقتصادي تزايدت المطالبات بالإصلاحات السياسية، ولكن يجب ألا يكون مفهوم الإصلاح السياسى مقصورا على تغيير شخص بآخر، بل نأخذ بالمنحى الإيجابي للأزمة، ونغير الطريقة التي يتم بها الاختيار والتعيين من الأساس ليكون إصلاحا قادرا على صنع التغيير فعلا. لقد مرّت مصر بحالة سياسية واقتصادية وأمنية لا تختلف عن وضع دولة في حالة حرب منذ الثالث من يوليو/تموز 2013، وذلك بحكم الأحداث الداخلية الخطيرة والانعكاسات الدولية غير المواتية، لكن بعد حوالي عشر سنوات آن الأوان أن تنجلي حالة الحرب لصالح حالة أكثر استقرارا، لا تخضع لأي إجراءات استثنائية على مستوى المؤسسات التي يتم تشكيلها بالانتخابات، أو تلك التي تُشكل بالاختيار والتعيين، في توقيت تسير فيه السياسات النقدية بشكل متوازٍ مع السياسات المالية للدولة، حتى يمكن أن تُحدث تغييرا على المدى القصير وتطويرا يشعر به المواطن على المدى الأطول. يخبرنا التاريخ أنه بتغيير نمط التفكير قد تتولد الفرص من رحم الأزمة، وقد تكون تلك الفرص أكثر ثراء من فرص الأوقات التقليدية إذا أحسَنّا اقتناصها لأنه في ظل استحكام الوضع، فإن أعين المؤسسات الدولية والعاملين في مجال الاقتصاد والاستثمار تكون مركزة على الدول التي في مثل حالتنا، لمراقبة إجراءاتنا وحماية مصالحنا أولا، ثم لاقتناص الفرص المتاحة للاستثمار إن وُجدت ثانيا. وهو ما يجب علينا فعله بإثبات أننا نقوم بإصلاح هيكلي حقيقي، وبسياسات نقدية ومالية غير متعارضة، وتوجهات فعلية نحو اقتصاد حر بما يتطلبه من معايير تشريعية، وبنية قانونية، ويقين ضريبي، بالإضافة إلى نظام قضائي سريع وناجز.

سوق سرية

تُصدِر الأجهزة الرسمية هذه الأيام بيانات عن كمية المضبوطات الهائلة من السلع الغذائية في مخازن سرية، لمن يستغلون أي أزمة عامة أسوأ استغلال لتكون لهم، وفق ما أوضح أحمد عبد التواب في “الأهرام” فرصة يحققون فيها لأنفسهم أرباحا ضخمة ضد القانون على حساب جماهير المستهلكين، بحجب السلع عنهم، وبتهريبها من محافظة لمحافظة، وفي كل الأحوال برفع أسعارها عما هو مقرر، وكثيرا ما تكون الأسعار مغالى فيها إلى حدود تفوق أسباب الأزمة الاقتصادية، بل إنها بشكل واضح احتيال يستغل الأزمة، المفروضة على الداخل والخارج، بفرض أسعار لا علاقة لها بالواقع. ينبغي تقدير هذه الجهود الرسمية الجبارة، ليس فقط في إنجاز اكتشاف الجرائم وإخضاع المتهمين إلى القانون، ولكن أيضا بإعلام الرأي العام بهذه الأخبار التي تدخل في صميم الحياة اليومية. تتحدث البيانات الرسمية عن مضبوطات بمئات الأطنان يوميا، على خريطة تمتد بطول وعرض كل المحافظات، فليت مركز أبحاث يجري حسابات عن نوعية المضبوطات وتقديرها المالي، وكمية أرباح الخارجين عن القانون، وكذلك عن أثرها في زيادة الأزمة. هناك ما يثير القلق من عدة نواح تتعلق بسلامة المجتمع، فأعداد الخارجين عن القانون في مثل هذه الجرائم كبيرة جدا، أي أنه حتى لو كان تصنيف هذه الجرائم وفق القانون أنها جرائم فردية، إلا أنها بحسابات أخرى صارت ظاهرة اجتماعية مخيفة تستحق العلاج، الذي يجب ألا يُكتَفَى فيه بالعقاب القانوني، الذي هو شديد الأهمية في كل الأحوال، وهو علاج يتطلب أن تشارك فيه أطراف كثيرة، إضافة إلى أجهزة الأمن التي صارت تتحمل أعباء خرافية في تحمل المسؤولية وحدها. أثناء حرب أكتوبر/تشرين الأول المجيدة، نشرت الصحف أخبارا نقلا عن مسؤولي الأمن بأن عدد حالات جرائم السرقة انخفضت عن معدلاتها، أثناء الأخبار اليومية التي كان الجميع يرصدونها ثانية بثانية، عن عبور الجنود الأبطال إلى سيناء وتحرير الشاطئ الشرقي لقناة السويس وتدمير خط بارليف بالكامل، لقد كان الحدث وطنيا مهيبا حتى إن فئة من الخارجين عن القانون خجلوا بأن يستمروا في جرائمهم التي يحترفونها، وكأنهم أحسوا بأن مشاركتهم الوطنية تفرض عليهم أن يتوقفوا لبعض الوقت. أما مجرمو هذه الأيام فهم ينشطون أكثر في الأزمات الوطنية!

ذنب قريش

هل ياسر قريش يستحق القبض عليه أم أنه بريء؟ قد لا يعرف المثيرون من هو ياسر قريش وهو ما اهتم به عماد الدين حسين في “الشروق”: حينما أثير موضوع تفكير الحكومة في إنشاء صندوق لدعم ورعاية الأسرة المصرية، يدفع بموجبه الرجل المقبل على الزواج مبلغا كضمان يسدد للزوجة والأولاد في حالة الانفصال والطلاق، خرج ياسر قريش ليكتب على صفحات التواصل الاجتماعي أنه مأذون شرعي، وأن الدولة تنوي تحصيل مبلغ يتراوح بين 30 و40 ألف جنيه من كل شخص يريد الزواج، وبالتالي فهو ينصح كل شاب بأن يسارع إلى عقد قرانه قبل أن تتمكن الحكومة من إصدار القانون، ويتم فرض الرسوم الضخمة على المتزوجين. الكلمات القليلة التي كتبها قريش على صفحته، كان لها مفعول السحر في غالبية وسائل التواصل الاجتماعي، لأن معظم هذه الوسائل تناقلت ما كتبه باعتباره مأذونا وتعاملت مع ما قاله عن رسوم الـ40 ألفا باعتباره حقيقة واقعة. في ظني أن ياسر قريش نجح نجاحا باهرا في تأليب الرأي العام على الحكومة، وإقناع غالبية المصريين بأن الحكومة أنشأت فعلا صندوقا، سوف يتقاضى 30 أو 40 ألف جنيه من أي مقبل على الزواج. المفاجأة الصارخة أن ياسر قريش لا يعمل مأذونا. هو رجل عمره نحو 40 عاما، متزوج ولديه 4 أبناء، وحاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية عام 2002، ويقول عن نفسه إنه حاصل على درجة عالية في القرآن الكريم من معهد الشيخ عبدالحليم محمود في الشرقية وإنه عمل إماما وخطيبا في أكثر من بلد، لكن المفاجأة التي كشفتها النيابة العامة أنه ليس مأذونا، وأنه «ادعى هذه الصفة، وتداخل في وظيفة من الوظائف العمومية من غير أن تكون له صفة رسمية، وباشر العمل بهذه الوظيفة على خلاف الحقيقة، حينما حرر شهادات زواج وطلاق».

العفو أولى

الأهم في محنة ياسر قريش من جانب عماد الدين حسين الذي استند لبيان النيابة العامة «أنه نشر بسوء قصد أخبارا وشائعات كاذبة عبر حسابه في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ادعى فيها فرض رسوم على المقبلين على الزواج، وكان من شأن ذلك تكدير الأمن والسلم العام وإلحاق الضر بالمصلحة العامة. ولذلك أمر النائب العام المستشار حمادة الصاوي بإحالته إلى المحاكمة الجنائية للتحقيق في الوقائع المنسوبة إليه». السؤال ما الذي يدعوني للكتابة في هذا الموضوع؟ الإجابة هي أنني قرأت تعليقات لكثيرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضهم يفترض أنه عاقل ومثقف ينتقدون ويندهشون من إقدام أجهزة الأمن على القبض عليه، ويقيني أن هؤلاء المندهشين لم يكلفوا أنفسهم عناء معرفة الحقيقة وما الذي فعله هذا المأذون المزيف. ياسر قريش يظل متهما وليس مدانا حتى هذه اللحظة، ولا أتحدث عن الجزء المتعلق بالقضاء، لكن النقطة الجوهرية التي أريد أن ألفت النظر إليها اليوم هي أن كثيرين من الذين يكتبون على وسائل التواصل الاجتماعي لا يدركون خطورة ما يكتبون، وأنهم قد يرتكبون العديد من الأفعال المؤثمة قانونا. لكن الأمر في حالة ياسر قريش أخطر بكثير، فهو لم يتحدث عن شيء محدود، بل عن واقعة تهم كل المجتمع حينما ادعى أن كل مقبل على الزواج سيسدد عشرات الآلاف من الجنيهات، والأخطر، أن ذلك تم في ظل أزمة اقتصادية يعاني منها ملايين المصريين إضافة إلى الرسوم الكثيرة التي يدفعونها. ظني أن قريش لم يكن يدرك خطورة ما كتبه، وربما يكون هدفه وهدف المأذون الأصلي الذي يعمل معه، أن يحرر أكبر عدد ممكن من عقود الزواج والطلاق، وبالتالي يحقق ربحا ماديا سريعا، لو كان يدرك خطورة ما كتب، فأغلب الظن ما أقدم على ذلك. خصوصا أنه تسبب في حالة ذعر عام.

العراق يتنفس

ومن بين المتفائلين بمستقبل العراق لينا مظلوم في “الوطن”: للحضارة العريقة أن تُشرِق بالفرحة وتذوق طعم البهجة بعد عقود من الآلام والجروح التي ما زالت تنزف من جسده العليل. مظاهر الاحتفاء والفخامة التي ظللت مدينة البصرة في افتتاح بطولة كأس الخليج «خليجي 25» لاقت صدى واسعا في الأوساط العربية، إلى درجة مقارنة فعالياته بافتتاح كأس العالم 2022 في قطر، وفق تصريحات إعلاميي ومسؤولي اتحاد كأس الخليج «إنه الأجمل في تاريخ دورات البطولة.. فقد اختزلت صوره الفنية الرائعة آلاف الأعوام من التاريخ العراقي»، بل حظي الافتتاح بإشادة خاصة خلال كلمة جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» بالتعبير عن سعادته بالوجود في العراق مشيدا بالتنظيم وحفل الافتتاح. العرس الخليجي في كل مظاهر ترحيب سكان مدينة البصرة بضيوفهم، حيث امتلأت شوارع البصرة بموائد الطعام في تقليد مغزاه الترحيب بالضيوف القادمين من سائر دول الخليج، بالإضافة إلى فرق تعرض الفنون الشعبية، مرددين أهازيج الترحيب العراقية. إذ يمثل هذا الحدث الرياضي تحديا للعراقيين الذين راهنوا على نجاحه، رغم الظروف والأوضاع الصعبة التي يمر بها العراق، لكن الإصرار على ظهور كل تفاصيل التجهيزات، سواء في الملاعب أو المرافق على أرقى مستوى لا يختلف عن مثيله في دول الجوار. في درجة الحماس تجاوبت الدول الخليجية التي ترى في «خليجى 25» انطلاقة لفتح صفحة جديدة للخروج من ربط مسار العراق بطرف إقليمي محدد.. نفض غبار المعاناة..

امتلاك السيطرة

الأهم من وجهة نظر لينا مظلوم عودة بلاد الرافدين إلى الحضن العربي والخليجي. الحضور المصري الداعم لهذا المسار أيضا كان ممثلا في مشاركة أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة حفل الافتتاح ولقاءاته مع وزراء الشباب من مختلف دول الخليج. تحديدا أن الأجواء المفعمة بالحميمية هي متنفس شعبي للخروج من آلام عقود، أعادت الابتسامة إلى بيت كل عراقي.. بالإضافة إلى مواكبتها احتفالات الذكرى السنوية 102 لتأسيس الجيش العراقي. أجواء التوترات التي أدخلتها السياسة والحروب على المنطقة أعاقت احتضان العراق للبطولة منذ إقامة أول دورة للبطولة على أراضيه عام 1979، ليتم إقصاؤه إثر غزو الكويت بعدما كان أحد أركانها التأسيسيين. كما ألقت ظلال السياسة على دواعي ابتعاد العراق عن هذه المناسبة الرياضية.. فإنها لم تغب عن ملابسات العودة لها. وسط كل الأزمات التي تجاوزت المئة يوم، انتفضت إيران لتقديم الاحتجاجات والشكاوى على اسم البطولة، الاتحاد الإيراني لكرة القدم قدم شكوى أمام «الفيفا» على تعبير «الخليج العربي» واصفا إياه باللقب المجهول.. الاحتجاجات امتدت لتطال إنفانتينو بسبب ذكره تعبير كأس الخليج العربي أثناء كلمته، بل انتقد الإعلام الرسمي الإيراني حضوره مباراة الافتتاح بين العراق وعمان. مساحة الغضب امتدت إلى البرلمان الإيراني إذ بادر إلى توجيه أقسى الانتقادات إلى رئيس الوزراء شياع السوداني والزعيم الشيعي مقتدى الصدر مطالبا كل منهما بالاعتذار عن إطلاق عبارة الخليج العربي في إشارتهما للبطولة.. أخيرا استدعى وزير الخارجية الإيراني سفير العراق لتسليمه مذكرة احتجاج. درجة استعلاء بلغ مداها التهديد خلال جلسة برلمان بتذكير العراق بالحرب العراقية – الإيرانية، وقدرة الثانية على تكرار هذه التجربة المريرة، بالإضافة إلى حالة الاستنفار بين الدوائر الرسمية الإيرانية نتيجة تقارب العراق – التي تعتقد أنه يجب أن يبقى رهينة للمشروع السياسي والثقافي الإيراني – من محيطه الخليجي والعربي. الأسماء والصفات ليست مجرد دلالات، هذا التناحر قد يبدو من بين أصغر الخلافات، لكنه ينم عن مستوى التحفز على امتلاك السيطرة على المشهد العراقي.

ورطة لولا

لا تقتصرُ الصعوبات التي تواجه الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في مستهل ولايته الثالثة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، رغم أهميتها، والانقسام السياسي المجتمعي الذي بدأ يُنتج عنفا رغم خطره. فأكثر ما يُصّعبُ مهمته وفق رأي الدكتور وحيد عبد المجيد في “الأهرم” وعودُ أفرط في التعهد بها، على نحو خلق ثورة توقعات تتجاوز قدرته والموارد التي ستكونُ متاحة لحكومته في السنوات المقبلة، حتى إذا كانت لديه استراتيجيةُ للعمل وخططُ مدروسة قابلة للتنفيذ. هذا ما يراه الدكتور مونتيرو أمادو الأستاذ في جامعة باوليستا، وأحدث مؤسسي المنتدى الاجتماعي العالمي عام 2001، في تعليقه على اجتهاد 7 يناير/كانون الثاني الحالي (الأمل أقوى من الخوف). وهو مُحقُ لأن دا سيلفا يبدأ ولايته الجديدة في ظل أزمة خانقة، وبعد تجريف تعرضت له البرازيل على مدى سنوات سلفه بولسونارو الأربع، بخلاف الحال في مطلع 2003. فقد وجد في مستهل ولايته الأولى وضعا جيدا مهيأ للبناء عليه، بعد أن تمكن سلفُه حينذاك فرناندو كاردوزو من ترويض تضخم مهول ضرب البرازيل في منتصف التسعينيات. فكانت مهمتُه في ذلك الوقت أسهل بكثير، في ظل تدفق الاستثمارات في قطاعات عدة، وارتفاع أسعار المواد الأولية المُصدَّرة، حين كان الاقتصادُ الصيني يلتهمُ في قفزاته السريعة الكثير منها. وفضلا عن الصعوبات التي تواجه وعوده المتعلقة بالنظام الاقتصادي والاجتماعي، ليس سهلا إنقاذ غابات الأمازون التي وعد بحمايتها. سيكونُ عليه أن يخوض معركة حامية ضد أصحاب المصالح الذين يُحقَّقون مكاسب ضخمة من اقتلاع أشجار هذه الغابات، واستغلال أراضيها في أنشطةٍ مختلفة. وهؤلاء خليطُ من المستثمرين الذين يملكون أموالا ونفوذا ويفتقدون أخلاقا وحسا إنسانيا، ومسؤولين مرتشين متواطئين معهم، وشبكاتٍ إجرامية تتوسلُ بالعنف والرشاوى والاحتيال لاستغلال مساحات من تلك الغابات بطرق معظمها غير مشروعة، وبعضُها قانوني صار متاحا عندما أضعف الرئيسُ السابق منظومة الحماية البيئية. كما أن معركة حماية الأمازون ستستنزفُ الكثير من طاقته على حساب الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. فيا لها من حيرةٍ يندرُ مثلُها أن يوضع دا سيلفا في اختبارٍ صعب بين السعي إلى إنقاذ اقتصاد البرازيل وفقرائها، ومحاولة إنقاذ البشرية في مجملها عبر حماية الأمازون.

ضجيج مجاني

من معارك المثقفين تلك التي قادتها عبلة الرويني في “الأخبار”: من حق أي إنسان بالطبع قبول أو رفض أي شيء، موقف.. رأي.. صداقة.. حب.. جائزة.. أي شيء، تلك حريته الكاملة بالتأكيد وأمر عادى جدا أن يرفض الأديب الشاب شادي لويس، أو أي أديب آخر الفوز بجائزة أدبية، لكن رفض شادي لويس لجائزة ساويرس الثقافية عن روايته “تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة” رغم موافقته على ترشيح الناشر (دار العين) لها في المسابقة.. ورغم إبلاغه (قبل إعلان النتيجة) بالفوز وموافقته، هو بالضبط الفعل غير المقبول وغير العادي، أو هو الاستعراض والضجيج المجاني، أو الضجيج الصبياني. يقول شادي لويس الكاتب الشاب المقيم في لندن إنه وافق على ترشيح الناشر لروايته، وتمنى فعليا الفوز بالجائزة، وحين تم إبلاغه بالفوز لم يعترض (حتى يتمكن من إعلان احتجاجه برفض الجائزة، وتحويل طقس الرعاية والاعتراف إلى إعلان تمرد وإدانة). لكن شادي لم يتمرد على أحد، ولم يعلن إدانة أحد.. معلنا (ليس هناك أي توضيحات أو تبريرات لدوافعي محتاج أعلنها!) ما حدث يبدو خطة متعمدة، أو حيلة مدبرة لإعلان (الاحتجاج) مستندا إلى فعل صنع الله إبراهيم “الملهم” حين رفض جائزة ملتقى الرواية العربية في القاهرة 2003.. لكن صنع الله إبراهيم لم يتقدم أصلا للجائزة، وحين أعلن فوزه بالجائزة صعد إلى المسرح وأعلن رفضه الجائزة، مصحوبا ببيان احتجاجي على نظام مبارك وسياساته. رفض شادي لويس جائزة ساويرس بدعوى التمرد والاحتجاج، دون أن يعلن تفاصيل ولا أسبابا (لا أحتاج إلى تبرير دوافعي) بعيد تماما عن معنى الاحتجاج، حين يفرغه من قيمته ومعناه.. فلا قيمة لاحتجاج دون سبب، دون موضوع، ودون محتوى.. مجرد صرخة دون صدى، ودون وجع حقيقي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية