دمشق – «القدس العربي»: يجد اللاجئون السوريون في لبنان أنفسهم مضطرين للعودة إلى بلدهم، رغم انعدام الخيارات الآمنة والبدائل المتاحة لهم للبقاء في لبنان ورغم المخاطر الأمنية وعدم الاستقرار. حيث يقف هؤلاء اللاجئون أمام معضلة بين انعدام الأمان والموارد في لبنان، وغياب الضمانات الأمنية لدى عودتهم إلى سوريا، مما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات صعبة تزيد من معاناتهم وتفاقم المأساة الإنسانية.
وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري موجة من الاعتقالات التعسفية بحق النازحين السوريين العائدين، الذين اضطروا للفرار من القصف الإسرائيلي المكثف على مدن وبلدات لبنانية، حيث لاحقتهم الأجهزة الأمنية.
وفي هذا الإطار، وثقت جهات حقوقية اعتقال أكثر من 40 شخصاً من السوريين العائدين، خلال الأسابيع الأخيرة، فيما توفي أحدهم تحت التعذيب في سجون النظام السوري.
المرصد السوري لحقوق الإنسان وثق منذ مطلع الشهر الجاري، اعتقال 43 من العائدين من لبنان، بينهم 35 وجهت لهم اتهامات من قبل أجهزة النظام الأمنية بالفرار من “الخدمة الإلزامية” كما قتل مواطن تحت وطأة التعذيب في السجون.
وتشير المعلومات “إلى تعرض العديد من هؤلاء المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز، دون توجيه تهم واضحة لهم، مما يفاقم من معاناتهم ويضيف إلى سجل الانتهاكات ضد المدنيين السوريين، العديد من النازحين باتوا هدفاً لهذه الاعتقالات التعسفية، والتي تشمل في بعض الأحيان اتهامات بالفرار من الخدمة العسكرية، في حين يُقتاد البعض الآخر إلى أماكن مجهولة دون الإفصاح عن مصيرهم”. الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أكدت في تقرير لها، الثلاثاء، حول اللاجئين السوريين العائدين من لبنان إلى سوريا، تحت عنوان “معاناة العودة: انتهاكات جسيمة تواجه اللاجئين السوريين العائدين من لبنان”، اعتقال النظام أكثر من 26 شخصاً في خلال الفترة من 23 سبتمبر/ أيلول وحتى 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الجاري.
أوضح التقرير، الذي جاء في 20 صفحة، أنَّ اللاجئين السوريين في لبنان يواجهون أوضاعاً متدهورة تجعلهم في أزمة حادة لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، والسكن، والرعاية الصحية.
وحسب الشَّبكة فإنه رغم حالات العودة الجزئية والقسرية لبعض اللاجئين السوريين، إلا أن سوريا “لا تزال بيئة غير آمنة لهم، حيث يستمر النظام السوري في ممارساته القمعية، من اعتقالات تعسفية، واختفاء قسري، وتعذيب”.
ومنذ بداية العام الحالي، اعتقل النظام ما لا يقل عن 208 من العائدين قسراً، بينهم طفلان وست نساء، ولقي ستة من المعتقلين حتفهم تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز. “كما يستمر النظام في إصدار تشريعات تتيح له الاستيلاء على ممتلكات اللاجئين والمشردين قسراً، ضمن سياسة ممنهجة لتعزيز السيطرة على الأراضي والممتلكات التي تركها أصحابها”.
وفي هذا السياق، قال فضل عبد الغني، مدير الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان: “في ظل غياب أي إجراءات تضمن حماية حقوق العائدين وسلامتهم، يواجه اللاجئون السوريون العائدون من لبنان تحديات أمنية وقانونية تتطلب وضع آليات حقيقية وفعالة لضمان حماية حقوقهم ومنع استمرار الانتهاكات، لا سيما من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري. إنَّ العودة القسرية في ظل عدم وجود ضمانات كافية تزيد من تفاقم الوضع الإنساني في سوريا، مما يستدعي من المجتمع الدولي اتخاذ تدابير عاجلة لتحسين أوضاع العائدين وضمان حقوقهم الأساسية”.
وتتعدد الانتهاكات الموثَّقة في التقرير، وتشمل الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتجنيد الإجباري على يد قوات النظام السوري، إضافة إلى عمليات الابتزاز المالي، والتمييز في توزيع المساعدات الإنسانية. كما استعرض التقرير الإجراءات المجحفة التي اعتمدتها بعض أطراف النزاع للسماح بعودة اللاجئين إلى مناطقها، بما في ذلك التحكم بفتح وإغلاق المعابر، وإجراء تحقيقات أمنية، وفرض وجود كفيل، إلى جانب الأوضاع الإنسانية الصعبة التي واجهها اللاجئون عند العبور بين مناطق السيطرة المختلفة.
حسب قاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد وثق اعتقال ما لا يقل عن 26 لاجئاً، بينهم امرأة، عادوا من لبنان هرباً من تصاعد النزاع بين إسرائيل ولبنان، وذلك خلال الفترة من 23 أيلول/ سبتمبر حتى 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2024. من بين هؤلاء، اقتيد أربعة للتجنيد الإجباري أو الاحتياطي، بينما قُتل أحد المعتقلين نتيجة التعذيب داخل مراكز الاحتجاز، حيث تم تسليم جثمانه إلى أسرته. هذه الأرقام تبرز استمرار النهج القمعي للنظام السوري تجاه العائدين، وتوضح غياب الضمانات الحقيقية رغم الإجراءات الشكلية المفروضة عليهم، مما يؤكد أنَّ الانتهاكات الحالية لا تختلف كثيراً عن تلك التي دفعتهم إلى اللجوء في البداية، ليظل الاعتقال والتجنيد القسري والاختفاء القسري واقعاً يتفاقم في حياتهم.
وأشار التقرير إلى أنَّ اللاجئين اللبنانيين استفادوا من مراكز إيواء رسمية بلغ عددها نحو 30 مركزاً موزعاً في محافظات ريف دمشق، طرطوس، اللاذقية، حمص، حماة، وحلب، بينما بقي غالبية اللاجئين السوريين، وخاصة من تهدمت منازلهم، بدون مأوى رسمي. وقد اضطر كثير منهم للاعتماد على دعم الأقارب أو اللجوء إلى تجمعات غير رسمية، وقضى آخرون فترات طويلة في العراء، حيث تلقت بعض الأسر مساعدات من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عبر شركائها المحليين المرتبطين بالنظام السوري، إلا أنَّ هذه المساعدات لم تكن كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أعلنت قبل أيام، أن حوالي 597,700 شخص عبروا الحدود من لبنان إلى سوريا خلال الفترة ما بين 23 أيلول/ سبتمبر و20 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
وأضافت في إحصائية أن هذا التدفق يأتي نتيجة لتصاعد الأوضاع الأمنية في لبنان، مما دفع الآلاف من السوريين واللبنانيين وغيرهم للبحث عن الأمان عبر الحدود.
ووفقاً لتقرير المفوضية، تُعد “جديدة يابوس” المعبر الحدودي الرئيسي الذي شهد أكبر حركة عبور، فقد لجأ معظم النازحين إلى استخدامه للدخول إلى سوريا.
وتشير التقديرات الشبكة السورية إلى أنَّ حوالي 23,409 لاجئين سوريين عائدين من لبنان، أي نحو ربع عدد العائدين، توجهوا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، إما لانتمائهم لتلك المناطق أو لتجنب المخاطر الأمنية في مناطق النظام.
وعبر معظم هؤلاء اللاجئين من معبر الطبقة في محيط الرقة أو معبر التايهة قرب منبج في ريف حلب، للوصول إلى شمال شرق سوريا، الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في محافظات الحسكة، والرقة، ودير الزور. بينما توجه آخرون عبر معبر عون الدادات قرب منبج إلى شمال غرب سوريا، الخاضع لسيطرة قوات الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام.
وشهدت هذه المعابر حالات متكررة من الإغلاق من قبل الأطراف المسيطرة، مما أجبر اللاجئين على الانتظار في العراء لعدة أيام وسط ظروف جوية قاسية وبدون مرافق أساسية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم معاناتهم النفسية والجسدية. وعلى الرغم من أنَّ اللاجئين يسعون لتجنب مخاطر الاعتقال والملاحقة في مناطق النظام، إلا أنَّهم يواجهون في المناطق الخارجة عن سيطرته ظروفاً إنسانية متدهورة، تتمثل في نقص البنية التحتية وضعف فرص الحصول على المساعدات الأساسية. كما يواجه العائدون في هذه المناطق قيوداً تتمثل في إجراءات أمنية مشددة تشمل التدقيق المتكرر في أنشطتهم السياسية، إلى جانب تعرض البعض لعمليات ابتزاز مالي من مجموعات محلية تسيطر على المعابر، ما يضطرهم لدفع مبالغ كبيرة لضمان عبورهم بأمان.
وتُستخدم ستة معابر رسمية وغير رسمية أخرى، مما يشير إلى سعي الأفراد إلى الفرار من الظروف الصعبة في لبنان بأي وسيلة ممكنة.