هل مخطط برافر يعرض على البدو أكثر بكثير مما هو مناسب أم أقل بكثير مما هو معقول؟ يدعي نشطاء يمينيون وصهاينة بأنه يعرض أكثر مما ينبغي، بينما نشطاء اليسار والنواب العرب يدعون بأنه يعرض أقل بكثير مما ينبغي. في الفترة الاخيرة قرأنا وسمعنا الرأيين بتوسع وبحماسة وخرجنا مشوشين، إذ هؤلاء واولئك يقولون أمورا ذات معنى. فمن جهة، صحيح أنه لا يوجد أي مواطن يهودي يحصل مقابل كوخ أو خيمة بناها دون ترخيص، على دونم ارض مجانا (واذا كانت لديه ثلاث زوجات فسيحصل على ثلاثة دونمات وسيبني ثلاثة منازل)، واضافة الى ذلك سيحصل على مبالغ مالية كبيرة لغرض بناء بيته. من جهة اخرى، فان البدو الذي يُخلى من كوخه البائس هو مواطن اسرائيلي ولد على هذه الارض. هو أو أبوه استحقوا قطعة الارض إياها بحكم حقيقة أن الدولة لم تعرض على أي منهما شيئا غير هذا’ الكوخ وقطعة الارض غير المحددة حوله، ولم تحدد لنفسها أبدا ما هي فكرتها على مستقبله، وما هو برأيها المعنى القانوني لذاك الاستيلاء الذي بأثر رجعي. ولا بد أن هناك العديد من البدو ممن استولوا على اراض جديدة لم تكن بحوزة آبائهم. معظم الحجج المؤثرة عن ‘القرية التي توجد على الارض من مئات السنين’ هي قصص الجدة. وحتى لا حاجة من اجل هذا الى صور جوية قديمة. فلا يزال يعيش بيننا العديد من الناس ممن قاموا بالتدريبات في النقب في الخمسينيات والستينيات ولهم (لنا) لا يمكن على الأقل بيع هذه الأساطير عن أجيال الاستيطان اليهودي. فقد كان النقب شاغرا ومقفرا. هنا وهناك كنت ترى خيمة بدوية، اليوم هنا وغدا تنتقل الى مكان آخر، وبين خيمة وخيمة مساحات فارغة. لا قرى ولا بلدات، لا منازل ولا أكواخ. وهذا في واقع الامر أمر مفهوم من تلقاء نفسه. في الخمسين سنة ضاعف البدو عددهم عشرة أضعاف ولهذا فمن المتوقع أنه في المكان الذي كانت في حينه خمس خيام توجد الآن مئة، ولكن لما كانت شروط المعيشة هي الاخرى تغيرت، فان من كان بوسعهم أن يكتظوا قبل خمسين سنة في مئة خيمة يحتاجون اليوم الى 300 كوخ ومنزل. وهاكم لماذا الطرفان مُحقان: واضح أن 300 مبنى اليوم توجد على ارض أوسع بعدة أضعاف، وواضح ايضا بأن الحمولة الصغيرة من خمس خيام كانت ترتزق أساسا من الرعي، ولهذا فقد كانت تتنقل من مكان الى مكان، فيما أن القبيلة الكبيرة التي نشأت عنها اليوم باتت أكبر من أن ترتزق التنقل وهي ملزمة بأن تستولي لنفسها على قطعة ارض دائمة. ولهذا فانهم محقون من يقولون إن معظم البدو لا يتواجدون على ارض آبائهم بل يسيطرون على اراضي الدولة. ولكن محقون ايضا من يقولون إنه كون السكان ازدادوا بهذا القدر فلم يعد ممكنا مطالبتهم الاكتفاء بالارض التي كانت لديهم أو تحت تصرفهم عندما كانوا أقل بعشرة أضعاف، وعمليا لم تسمح لهم الدولة بامكانية اخرى غير السيطرة على الاراضي الصحراوية والعيش منها وعليها. لا يوجد حل لهذه المعضلة يرضي الجميع. ودوما سيكون هناك من سيطلب التوقف والتفكير من جديد أو اجراء المزيد من الحوار. وستكون النتيجة دوما أن في هذه الاثناء لا تتم تسوية الاستيطان البدوي، وفي هذه الاثناء تتواصل السيطرة على المنظمة وتتعاظم وكذا المشكلة تواصل التفاقم. السؤال الآن ليس اذا كان المخطط هو الأفضل بل اذا كان يوجد مخطط ما واذا كانت الدولة تعمل بحساسية وتصميم كي تنفذه. لقد انتهى الزمن للتعديلات والتحسينات والحوار والتفكير الآخر. من لا يريد الوصول الى تمرد وانتفاضة وارهاب يجب أن يقبل بالمخطط الموجود وأن يطبقه حرفيا. دون محاولات للتذاكي ودون تنازلات، دون تزوير زائد في صالح أي من الطرفين.