انسنة الاعلام
انسنة الاعلام كانت مقابلة مؤثرة للاسيرة المحررة منال غانم وابنها نور مع الاعلامي محمد كريشان ضمن نشرة حصاد اليوم رأي من خلالها المشاهدون وجها آخر للاعلام والاخبار، وجها يحتفي بجلد وصبر المرأة الفلسطينية، ويحتفي بالطفولة التي ولدت في غياهب السجون وخرجت منه لا الي حرية وآمان بل الي سجن اكبر وجدران عزل تحتوي الشعب الفلسطيني باكمله تقطع اوصاله بحواجز ونقاط تفتيش واجتياحات تذهب ببسالة الكبار وتقضي علي احلام الاطفال. لم يبال الصغير نور بمداعبات كريشان واصراره علي الحديث معه، لم يبال بانه سيظهر علي شاشة الجزيرة وفي اهم نشرة اخبار يومية، كل ما يفهمه انه طفل والطفولة لا تعترف بالرسميات ولا ترضخ للحدود. كانت الاسئلة في المقابلة عن العائلة ومشاعر اللقاء والاستقبال والحياة خارج اسوار السجن، خرج المذيع وخرجنا معه عن جمود ما رأيك…، ماذا تعتقد..؟،كيف تقيم الوضع الراهن؟، فلسفات ورؤي فضفاضة في اغلب الاحيان لاحداث تزداد سوءا وتشابكا. اختفي المحللون وكانت هذه المرأة وابنها نجوم الموقف فلامسا القلوب والعقول دون تقعر او تنظير المختصين. حتي كريشان، الاعلامي المحنك، اطرق الرأس هنيهة التقطتها عين الكاميرا لا ندري احزنا علي الام وابنها ام علي امة عربية ما عادت تعرف من مفردات الحياة العامة سوي الحرب والقتل والخذلان؟!كانت مقابلة الاسيرة خبرا مختلفا، كانت الضحية ولكن الخبر احتفل بنصرها علي السجان، كانت بطلة الخبر ولم تكتف بالتعليق عليه من علٍ، من برج عاجي، من المنافي المختارة او الاجبارية. قليلة هي الاخبار التي تحتفي بالانسان العربي وانجازاته، شحيحة هي الانباء التي تتقاطع مع افكاره وآماله، نادرون هم المذيعون الذين يعطون للخبر حياة بدل ان يكتفوا بقراءته، معجز ذلك الخبر الذي يتناول موضوعا غير الحروب وهيمنة الغرب علي العرب.لقد استنسخت مدارسنا الاعلامية والصحافية ما ينادي به المختصون في الاعلام الغربي من ضرورة الموضوعية والشفافية وعدم الانحياز وعدم اظهار المشاعر وان يكون المخبر ناقلا للخبر فقط لا طرفا فيه بالرفض او القبول، مباديء لم تطبقها حرفيا وانما اخضعتها لاملاءات الواقع، فنشاهد ان احد اهم برامج قناة السي ان ان لمقدمه لاري كنغ يركز علي مواضيع تهم كافة طبقات الشعب الامريكي، يستضيف فيه الفقير قبل الغني، وعامة الشعب قبل ساسته وحكامه، لم يقدح احد في اعلامية واسلوب السي ان ان ولا الاي بي سي التي تحتفل كل اسبوع بالمواطن الامريكي وتقدمه علي اختلاف اهتماماته في فقرة ثابتة بعنوان شخصية الاسبوع person of the week فتجعله نجما ومحورا وتشكر جهده ولو بخبر بسيط لاقل من خمس دقائق، تنقل الحلم الغربي الذي يأخذ بيد المواطن النكرة فيجعله معرفة وعلما في رأسه نار. لم يذم احد هذه القنوات التي هي اشبه بالقدوة في تغطيتها وتعاملها مع الاخبار لتقديمها وجبة غير متوازنة من الكوارث والمصائب والافراح والانجازات التي تختمها برسالة ايجابية اخذا بتعاليم التحليل النفسي الذي يقضي ان الانطباع الاخير هو ما يرسخ في ذهن المشاهد، صحيح ان اخبارهم تزيدهم جهالة باحوال العالم ولكن اخبارنا كذلك لم تنفعنا لا علي مستوي الوعي ولا الفعل، فليس اقل اذن من الختام بالايجابية رغم المحيط السلبي، ختاما يخلق في النفس شعورا بالامل وعزما علي التغيير وكذا كانت سنة الرسول صلي الله عليه وسلم يبشر والمسلمون محاصرون في الخندق والعدو علي مرمي البصر ان النصر آت علي امبراطوريات الفرس والروم.مذيعو الاخبار لا يطلون علينا الا وبجعبتهم توليفة من المصائب، اخبارهم متجهمة كوصف الشاعر ويا ليت نصيحته تجدي معهم نفعا اذ يقول:قال السماء كئيبة وتجهماقلت ابتسم يكفي التجهم في السماقال العدي حولي علت صيحاتهماَاُسر والاعداء حولي في الحمي؟قلت ابتسم لم يطلبوك بذمهم لو لم تكن منهم اجل واعظمايا صاح، لا خطر علي شفتيك ان تتثلما والوجه ان يتحطمافاضحك، فان الشهب تضحك والدجي متلاطم ولذا نحب الانجمافرفقا بنا يا اعلامنا العربي ويا نشرات الاخبار، رفقا بالمواطن العربي المطحون في دوامة العيش، و المسحوق من تبعات السياسة، بحاجة نحن الي مزيد من شاكلة خبر الاسيرة المحررة، تبشرنا بالولادة ولو من رحم المعاناة وبالخروج من عنق الزجاجة، رفقا بنا وشيئا من المشاعر والتلقائية، لن نعلق المذيعين علي اعواد المشانق اذا ظهرت منهم انة او دمعة علي مسلسل المآسي العربية، او ضيق او تبرم بضيف اسرائيلي يداه والغتان في دمائنا وشفتاه تتشدقان بالدعوة الي السلام. بحاجة نحن الي اعلام مؤنسن يجمع بين الاحتراف ومظاهر الانسانية، يراعي قواعد اللعبة الاعلامية ولا يري بأسا من التفاعل مع الذات البشرية، اعلام بعين ترصد الخبر المأساوي الذي يفتتح نشرات الاخبار، وعيون علي الخبر الايجابي الذي يجب ان تختتم به.ديمة طارق طهبوبزوجة الشهيد ـ باذن الله ـ طارق ايوب6