روما – أ ف ب: يشكّل مهرجان سان ريمو للأغنية الإيطالية محطة سنوية تستقطب ملايين المهتمين، مع أن البعض يرى أن بعض مظاهره منافٍ للأخلاق وللذوق العام، ويعتبر أن الزمن عفا عليه.
فهذا المهرجان الذي بدأ أمس الثلاثاء ويستمر خمسة أيام، وينقل مباشرة على التلفزيون، أصبح على مر السنين محطّ متابعة من الإيطاليين، إذ يثير لديهم في آن واحد الحنين والسخرية، تارة بسبب الأغنيات التي يتضمنها، وطوراً بفعل ما يشهده من لحظات مثيرة للجدل أو ملابس بعض ضيوفه التي تفتقر إلى الذوق.
ناومي كامبل
إلا أن الوباء حرم المغنين تقديم عروضهم أمام الجمهور، واضطرت عارضة الأزياء ناومي كامبل، إلى صرف النظر عن الحضور إلى المهرجان بفعل القيود على السفر.
وسيكون حضور مهاجم فريق ميلان لكرة القدم زلاتان إبراهيموفيتش، ضيفَ شرف في ليلة الافتتاح بمثابة جائزة ترضية. وتجتذب الحفلة الافتتاحية كل سنة نحو عشرة ملايين متفرج، يتابعون نجوم الأغنية الإيطالية، ويتسلّون بالسجالات بين المشاهير، ويعلّقون على الجدل الذي يثيره اتهام بعض الفنانين بالغناء المسجّل وغير الحيّ، وبسرقة كلمات الأغنيات وألحانها، أو يتندرون على ملابس بعضهم غير الملائمة.
ورأى باولو سودو، الذي شارك عام 2001 في إصدار كتاب حدث سان ريمو بعنوان «المهرجان» أن الأخير يشكل نوعاً من «الطقوس الوطنية» وهو تجربة مشتركة تعبّر عمّا وصفه بـ»الحلم الجماعي» للأمة الإيطالية.وقال: «سواء أعجبك المهرجان أم لا، يكون حديث الساعة، وحتى لو كنت تكرهه، فإنك تشاهده».يعود إطلاق المهرجان إلى العام 1951 وكان يهدف إلى الترويج للسياحة في مدينة سان ريمو الساحلية في إقليم ليغوريا (شمال غرب إيطاليا). ورأى فيه تلفزيون «راي» فرصة للتعريف بالوجوه الجديدة في عالم الفن والغناء في إيطاليا أمام جمهور يتأنق للمناسبة.
التينور أندريا بوتشيلي
وأصبح المهرجان على مر السنين في منزلة ممر إلزامي، فاستضاف في مراحل مختلفة نخبة نجوم الغناء في إيطاليا، من لوتشو دالا إلى مينا، مروراً بلوتشو باتيستي وأورنيلا فانيوني، وحتى التينور أندريا بوتشيلي.وكان دومينيكو مودونيو عام 1958 من أوائل الذين حققوا الشهرة بفضل سان ريمو، إذ إن أغنيته «فولاري» استحوذت على إعجاب الإيطاليين السعداء بأن بلدهم الذي كان في أوج طفرته الاقتصادية نجح في طي صفحة الحرب السوداء.
إلا أن المهرجان لم يكتف باستضافة كبار الأغنية الإيطالية، بل مرّ به أيضاً نجوم عالميون، من مثل شيرلي باسي وداستي سبرينغفلايد وسوني وشير ولويس أرمسترونغ.
وشهد المهرجان في تاريخه حوادث عدة أثارت جدلاً، منها الضجة التي أحدثها أدريانو تشيلينتانو، عام 1961 عندما أدار ظهره للجمهور، وتلك التي تسببت بها عام 2010 أغنية عن القتل الرحيم تعرضت لانتقادات واسعة.
ولم يخلُ المهرجان أيضاً من لحظات مأساوية، أبرزها عام 1967 عندما انتحر لويجي تينكو، بعد ساعات قليلة من استبعاد «تشاو أموري، تشاو» التي غناها مع النجمة داليدا التي كانت تربطه بها علاقة عاطفية آنذاك.
في العقود الأخيرة، أصبح المهرجان أكثر فأكثر عنواناً للفن التجاري ولاستعراضات تُعتبر منافية للذوق العام، وهو ما ليس مفاجئاً من مهرجان شكّل نموذجاً لمسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» الموغلة في هذا المنحى.فروبرتو بينيني مثلاً، نجم فيلم «لايف إز بيوتيفل» دخل المسرح على ظهر حصان أبيض، في حين قدمت ديتا فون تيز، عرض تعرٍ داخل كأس عملاقة.
أما مغني الراب أكيليه لاورو، فعمد العام المنصرم إلى فك أزرار ردائه المخملي الأسود المطرز ليكشف عن بزة ضيقة شبه شفافة، في خطوة قال الفنان الأشقر المغطى بالوشم، إنها ترمي إلى التذكير بخلع القديس فرنسيس الأسيزي ملابسه للدلالة على تخليه عن الثروات المادية.
وإذا كان «كبار» المشهد الموسيقي يستحوذون على الاهتمام بأغنياتهم الجديدة، فإن المهرجان يشكل أيضاً فرصة أمام الشباب الصاعدين للبروز.
ويتم اختيار الفائزين بجوائز المهرجان بتصويت يشارك فيه الجمهور والصحافيون والمشاهدون عبر التلفزيون.
وأثارت سنة2021 ضجة حتى قبل أن تبدأ، إذ إن مقدم الأمسية الافتتاحية أماديوس أثار موجة من الانتقادات بمطالبته بأن يكون الجمهور حاضراً على الرغم من الوباء، في وقت أدت الأزمة الصحية إلى جعل عدد كبير من الفنانين عاطلين من العمل.
حتى أن ضغوطاً مورست من إدارة مسرح «لا سكالا» في ميلانو وأسقف سان ريمو حتى أكدت وزارة الثقافة الحظر المفروض على إقامة حفلات حضورية.