لم يتوقف الانقلاب العسكري الحاكم في مصر على العصف بالحريات، وإنما انطلق يحاربني في ‘أكل عيشي’، ويفسد علي مصدر تميزي، فهناك من يطلقون على وصف ‘الكاتب الساخر’، وقد بات واضحاً أن الانقلاب لن تقر له عين، ولن يرمش له جفن، إلا إذا أقعدني في البيت كالولايا (جمع ‘ ولية’) بعد أن أصبح هذا الانقلاب منتجاً للفكاهة، وبات واضحاً أنه انقلاب كوميدي، لا يمكن لمثلي أن ينافسه في أعمال الكوميديا والمرح!
بفضل فضائية ‘صوت الشعب’ تمكنت بحول الله، من حضور معظم جلسات الجمعية التأسيسية، التي أعدت ‘دستور الإخوان’، فلم أكن مقبولاً لدى القوم ليختاروني ضمن الأعضاء المائة للجنة التأسيسية، التي تم تمثيل الفلول بقيادة الدكتور جابر نصار فيها، وفاعل خير قال أن اسمي كان مكتوباً ضمن الأسماء التي اقترحها البعض لعرضها على التصويت، لكنه لم يعرض أساساً على البرلمان، وهذا من رحمة الله بي، فلو عرض لسقطت، ولصار سقوطي فضيحة، تنضم إلى سلسلة السقوط في حياتي، من السقوط في انتخابات’ألفة للفصل’، إلى السقوط في الانتخابات البرلمانية.
وجدت في ‘صوت الشعب’ السلوى لمشاهدة أعمال الجمعية، وقد كان النقل يتم على الهواء مباشرة، وهي القناة التي قيل أنها تأخونت، وأن زميلنا صلاح عبد المقصود وزير الإعلام عيّن لها إخوانياً، ضمن الحديث الممل عن أخونة الاعلام، مع أن وزارة الإعلام كالجيش لا يمكن أخونتها، لأن قواعد الاختيار تحول دون اختيار العناصر الاخوانية للعمل منذ البداية، والذين تأخونوا بعد التعيين، هم قلة قليلة، ولا أظن أن أخونة الوزارة كانت رغبة تلح على الوزير الاخواني، وقد أشبعت اختياراته نقداً هنا، ويكفي أنه لم يقم بتغيير رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، الذي كان يهاجم الجماعة وهو مقدم برنامج بقناة ‘النهار’ وصاحب مقولة إن الإخوان كانوا سبباً في خروج المسلمين من الأندلس.
وقد انتقدت كثيراً حرص الوزير على استمرار وجود ‘المتوفي’ إبراهيم الصياد رئيساً لقطاع الأخبار، وربما لم يعرف عبد المقصود خطأ استمراره إلا عندما شاهد خطاب قائد الانقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي عبر الشاشة مثلنا، وكان الصياد هو من تم اختراق الشاشة من خلاله.
في الوزارة الآن وكلما اختلف أحد مع قيادة تلفزيونية فانه يبادر بالاجهاز عليه بالضربة القاتلة، فيكفي ان يقول ‘امسك اخواني’ حتى تتداعى الوزيرة درية شرف الدين بالسهر والحمى، والمذيعة نهلة عبد العزيز، تم تأجيل إذاعة برنامجها في الموعد المحدد، فاتهمت رئيس القناة الأولى عمر سيد الاهل بأنه من فعلها، وقد غنت فرد عليها ضيف البرنامج الدكتور حسن نافعة، الذي قال إن الهدف مما حدث أنه كان في نيته أن يهاجم قناة الجزيرة، مع أن سيادته هاجم أصحاب الجزيرة في عقر دارهم، وكان كشعراء الجاهلية، الذين يبدأ الواحد منهم قصيدته ببيت شعر أو أكثر غزلاً في محبوبته قبل أن ينتقل الى جدول الأعمال، فيدهش المرء مثلا عندما يبدأ شاعر خائفاً من الرسول، بعد ان نقل البعض للشاعر بأن الرسول قد توعده، قصيدته بممارسة الغزل العفيف لـ’سعاد’، ومن الواضح أن ‘سعاد’ هذه هي الأخت غير الشقيقة لجمانة نمور، أختها من أمها، التي احشر اسمها في هذه الزاوية تعسفا وبعيداً عن السياق، ولا اعتقد ان والد ‘سعاد’ هو ‘الحاج نمور’.
الجزيرة غير محايدة
يسأل مذيع الجزيرة الدكتور حسن نافعة: ما رأيك فيما حدث في مصر يوم 3 يوليو؟، فيرد: إن قناة الجزيرة غير محايدة، ويسأله ثانية عن رأيه فيما جرى يوم 30 يونيه؟.. فيرد: ان قناة الجزيرة غير محايدة. ويسأله في لقاء آخر: وما رأيك في التغييرات المناخية، وأزمة ثقب الأوزون، فيبدأ الرد: إن قناة الجزيرة غير محايدة، واخشى أن تسأله يوماً مقدمة برنامج الجزيرة الصباحي عن أكلته المفضلة، فيكون جوابه قبل أن يقول ‘الملوخية بالأرانب’، إن قناة الجزيرة غير محايدة.
ويبدو أن طريقة الدكتور نافعة صارت فرعا من فروع العلوم السياسية، فسار على نهجه كل مؤيدو الانقلاب بمن فيهم من لم يتخرج في كليته مثل سعد هجرس وغيره، ومعظم الذين تتلمذوا على يديه في الجامعة ما أن يظهر احدهم هذه الأيام على الجزيرة حتى يمسك في تلابيب المذيع قبل أن يبدأ كلامه، وفي كل مرة، على نحو بات يحتاج إلى تحقيق استقصائي لنقف من خلاله على من يوزع هذا ‘المقرر الدراسي’، ومن وراء ‘الصيغة الموحدة’ في التعامل مع مذيعي الجزيرة من قبل مؤيدي انقلاب العسكر في 3 يوليو، لأنني لا اعتقد أنها حالة نفسية.
برنامج نهلة عبد العزيز ‘السكوت ممنوع’ تقرر تأجيل موعد بثه لا إلغاؤه، لكن قيل يا داهية دقي، وتم اتهام رئيس القناة الأولى بأنه إخوان يكرس كل جهده في ماسبيرو في منع الهجوم على الجزيرة، ولأول مرة أعلم أن المذكور من الإخوان، وهو الذي ترقى في عهد النظام البائد، وفي وقت كان فيه قطاع الأمن داخل ماسبيرو أهم من قطاع التلفزيون، لكن وكما أن كلمة السر في شوارع المحروسة هي ‘امسك حرامي’، حتى يجري الناس خلف المستهدف ويشبعونه ضرباً، فان كلمة سر الليل داخل مبنى تلفزيون الريادة الإعلامية: ‘امسك اخواني’.
زوجة مفترية صاحت ذات يوم في أحد شوارع وسط القاهرة ‘حرامي خطف السلسلة من رقبتي’، فجرى لتجري خلفه الحشود، ويتم اشباعه ضرباً، ثم جلست لتضمد جراحه، فقد كان السابح في دمه هو زوجها، الذي قررت ان تؤدبه على طريقتها، بينما في المقابل وجدت بغلاً يفترس سيدة وهي تولول من شدة الضرب، وكنت مع ‘لفيف من الأساتذة’ على رأي فؤاد المهندس في ‘سك على بناتك’، رفعنا أصواتنا على الضارب فإذا بالمضروبة تهتف في وجوهنا: هذا زوجي.. ما شأنكم أنتم، فكنت كمن دلق عليه أحد ‘جردلاً’ من الماء المثلج، ووقفت على أنني في حكم الداخل بين ‘البصلة وقشرتها’.
قناة صوت الشعب
من مقاعد المتفرجين، شاهدت معظم المناقشات التي دارت في الجمعية التأسيسية التي أعدت دستور الإخوان، كما يحلو للبعض، أو دستور مرسي كما يحلو للبعض الآخر، ولم يكن في هذه المناقشات ما يدعو للإثارة، ولم تكن مناقشات فكاهية تجعل من الجلوس أمام التلفزيون متعة، فالإثارة كانت تأتي من الخارج، فصحيفة رصينة قالت ان القوم يناقشون إقرار مادة تبيح ‘مضاجعة الوداع’، وهو ما استغلته برامج ‘التوك شو’ في اثارة الفزع في نفوس المصريين، ولم يكن لدي الإخوان اكتراث بالإعلام، لأنهم فشلة فيه، فظنوا ان الشعب المصري كله يرابط أمام قناة ‘صوت الشعب’ مثلي، لمتابعة مناقشاتهم، وبعد أن نجح الإعلام في شيطنة اللجنة قرأت لعضو فيها يقول أن أمر مضاجعة الوداع لم يعرض أبداً على الجمعية التأسيسية!
وقد أثير موضوع ان القوم يناقشون إباحة زواج القاصرات، وانطلقت برامج ‘التوك شو’ تناقش ذلك، وتستدعي الأطباء ليتحدثوا عن المخاطر الصحية التي يمكن أن تتعرض لها القاصر إذا تزوجت، ورأي عدد من المشايخ في ذلك، ولم تهتم الجمعية بالرد على هذا، فقد كانت الجدية حد الاكتئاب هي التي تسيطر على أدائها، وكان رئيسها المستشار الغرياني وباعتباره قاضياً سابقاً يخشى اضفاء جو من المرح على المناقشات، فيمثل هذا إخلالاً بهيبة الجمعية، التي تمنيت حلها، حتى يحدث التوافق بين القوى السياسية المختلفة مع أهل الحكم، وليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
لجنة الخمسين الحالية، المشكلة لوضع دستور الانقلاب، هي على العكس من لجنة المائة السابقة، فاللجنة الحالية تصدر الفكاهة وتنتجها، وهذا مفيد لان القلوب تمل.
لقد أطربتنا المناقشة التي جرت داخل إحدى اللجان، لاسيما عندما أصرت الفنانة ليلي علوي إصراراً وألحت الحاحاً على ضرورة الاهتمام بالخريطة، وطالبت بضرورة النص في الدستور على أن مصر دولة عربية في القارة الأفريقية وتطل على البحر الأحمر والبحر المتوسط.
انظروا الى التجليات والفتوحات الكبرى، وان كان فات سيادتها أن تطالب بالنص على ان نهر النيل يجري فيها، وان ترعة الزمر تم ردمها، كما تم ردم ترعة المريوطية.
الداعية الهام شاهين
‘الخريطة’ كانت هي رمز المرحلة في هذه الجلسة فقد طالب الفنان احمد بدير بوضع ‘خريطة مصر’ داخل الدستور وباعتبار ان هذا ‘مهم جداً’، أما الفنان مدحت صالح فكان مبدعاً عملاقاً عندما قال إن نص ‘الإسلام دين الدولة مقولة لغوية خاطئة’ وظننت انه سيمكننا من الوقوف على علمه اللدني بتصويب المقولة لغوياً، لكنه فاجأنا بتعليقه بأن الخطأ مرده إلى أنه لا يصح أن يكون الإسلام دين حيطان، ولا بأس فنحن في مرحلة قررت فيها الهام شاهين أن تعلمنا ‘وسطية الإسلامية’.
عندما قال المذكور ما قال أيقنت أن السبب في ذلك مرده إلى أن ‘وكيل فنانين’ هو السبب، فربما أفهم مدحت صالح بالقول الشائع الخاص بأنه لا يجوز النص على دين الدولة لان الدولة في النهاية كيان معنوي، فلم تسعفه العبارة فجاء يقول ‘لا يصح أن يكون الإسلام دين حيطان’.. جمع حائط طبعاً، وسعي ‘وكيل الفنانين’ لتلقين ليلي علوي مقولة كان يرددها من يسعون للتأكيد على ان هوية مصر أنها دولة متوسطية، فظن أن الموضوع مرتبط بحديث البحور والترع والمصارف!
والمؤكد أنني لا أرى فيما قيل أزمة فقد جاء تماشياً مع الوجه الفكاهي للانقلاب، الذي أشاع الكوميديا السوداء في كل أنحاء الوطن، يكفي أن نعلم انه يتم إلقاء القبض على تلاميذ صغار، ويتعرضون لسين وجيم أمام جهات التحقيق، والتهمة هي العمل قلب نظام الحكم، مع أنه إذا صح الاتهام فان المتهمين يقلبون المقلوب، وقلب المقلوب عدل لحاله.
ويكفي أن نعلم أنهم في غزوة ‘ كرداسة’ الكبرى.. والكبرى تعود الى الغزوة وليس الي كرداسة، هتف هاتفهم عبر مكبر للصوت لعدة أيام، بأنه على الشيخ مهدي أن يسلم نفسه، فالمكان محاصر، بينما الشيخ مهدي ميت منذ أكثر من عام!
ما علينا، فالانقلاب يعتمد سياسة استدعاء الموتى من الدار الآخرة، قدوته في هذا نظام مبارك الذي كان يستدعي الموتى في كل انتخابات ليدلوا بأصواتهم لصالح مرشحي الحزب الحاكم، وكانت كشوف الناخبين زاخرة بهم.
علي ذكر الموتى فقد قام وزير التنمية المحلية بتعيين ميت آخر رئيساً لمجلس مدينة اطفيح، بمحافظة الجيزة، أما الكوميديا السوداء فقد وصلت حد اعتقال إمام مسجد بتهمة إحراق نقطة شرطة، وفضلاً عن أن الإمام قعيد لا يقوى على الحركة، فان نقطة الشرطة لم تحرق حتى كتابة هذه السطور. وإمام مسجد آخر نشرت له صورة وهو يزحف على بطنه في طريقه لسيارة الترحيلات لأنه قعيد أيضا وتم حبسه بتهمة العمل على قلب نظام الحكم.. يا له من نظام كالعنكبوت اتخذت لها بيتاً.
في ظل هذه الكوميديا التي ينتجها ويصدرها الانقلاب في مصر، فان من الطبيعي أن أستشعر الخوف على ‘أكل عيشي’ وعلي مستقبلي المهني من هذه المزاحمة، ككاتب ساخر في ظل كوميديا الواقع التي ينتجها الانقلاب.
لقد وصل الخطر الى ‘ لقمة العيش’.
صحافي من مصر
[email protected]
يا استاذ سليم امانه عليك لاتتركنا — فنحن بحاجة الى امثالك ليشعرونا بان لسه في البلد ناس بتفكر وبتشوف وبتميز قنوات واعلام الاستحمار — تحياتي ليك — سلام
السلام عليكم ورحمة الله
أستاذ عزوز
مع أهمية ما تكتب فإني أرجو أن تسرد مزيدا من الوقائع عن الفظائع التي يرتكبها الانقلاب. إن ذلك من شأنه أن يبصر كثيرا من الذين جعل الله على أبصارهم غشاوة فهم لا يرون الحقيقة أو أنهم يرونها ويحاولون طمسها كحال ممثلي الإنقاذ الذين تستضيفهم الجزيرة ليمثلوا رأي الانقلاب. إنهم يشعروننا بالضحك والغثيان في الآن نفسه. يبررون كل شيء وينفون كل شيئ. وعليه استاذ عزوز نرجو ذكر المزيد من فظاعات الانقلاب، ليكون المصريون على بينة مما تقوم به هذه الطغمة الفاشية والدموية. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، ودمت قلما حرا شريفا.
راجل خفيف الظل فعلا.
كان الله في عونك يا أستاذ عزوز .
لو كانت الدول تبنى بالكلام لبنى كلام المصريين أبراجا شاهقة في الفضاء تعانق القمر و تحجب ضوء الشمس.لكن الكلام لا يبني خما و لا يرفع خيمة .
قديما قال العرب “خير الكلام ما قل و دل”.
اخي سليم عزوز انك لرجلاً عاقلاً في هذا الزمن الذي قل فيه العاقلون و أنا احترم مزجك الجميل بين النقد البناء المفيد ولسخرية الخفيفة الظريفة. و من الموكد إن قراء القدس و بقية الناس يحبون ذلك لكن الدكتاتورية الحالية لن تسمح بذالك لان حكمهم يقف على أصلٍ هشاش لا يحتمل السخرية. فلا تبالي فيهم وواصل جهادك ضد الطقيان و الدكتاتورية لعسكرية فالحريات قادمةٌ انشاالله و سيكون النصر ثمرة جهودكم و جهادكم.
نحن في بلد اللا معقول وهي كوميديا عبثية ياولد عزوز مثل يا طالع الشجرة
هاتلي معاك بقرة وبالمناسبة يا ولد العم لما لا أرى في حديثك بالجزيرة
اللكنة الصعيدي ولما لا تعطش الجيم بقيت خواجة يا بوي
Thank you very much Mr. Azouz,nice article
– thank you extremely nice
مقال رائع
، اشتقنا لكتابتك و التي تروح عنا هموم هذا العصر