ردّ بنيامين نتنياهو على التقارب المحدود بين باراك اوباما وحسن روحاني بخطاب عصبي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبحملة دبلوماسية واعلامية واسعة.
في الخطاب اكّد نتنياهو ان ‘اسرائيل’ لن تسمح لإيران بامتلاك سـلاح نووي، وانه في حال اضطرارها الى الوقوف بمفردها في وجـه برنامجها النووي، فإنها لن تتردد في ذلك.
نتنياهو لفظ خطابه في قاعة شبه فارغة، لكن كلماته المفعمة بالسخط التقطها اعضاء الوفد الامريكي، ومنهم انتقلت الى رئيسهم المأزوم.
الرئيس الامريكي مأزوم لأسباب عدّة. كان استمع قبل ساعات معدودة الى اعتراضات ومخاوف نتنياهو بشأن تقاربه المريب مـع الرئيس الإيراني. وهو مأزوم ايضا بسبب خلافه مع الحزب الجمهوري حول مشروع ميزانية العام 2014. وكيف لا يكون اوباما مأزوماً وقد ادى رفض الجمهوريين لمشروع الميزانية الى نضوب خزانة الادارة واضطرارها الى اغلاق دوائر الحكومة الفيدرالية وتعطيل اكثر من 800 الف من موظفيها، بينهم الرئيس الامريكي نفسه الذي بات محكوماً عليه بالعمل بلا راتب.
اوباما كظم غيظه وواجه هجمة نتنياهو الضارية على الرئيس حسن روحاني بهدوء ورصانة. قال إن ‘كلمات ايران ليست كافية، ويجب ان تعطي المجتمع الدولي الثقة من خلال الافعال لا الاقوال’.
نتنياهو لم تطمئنه كلمات اوباما، فبدأ للتوّ حملة دبلوماسية واعلامية واسعة في امريكا واوروبا بغية إقناع المسؤولين، كما الرأي العام، بضرورة متابعة الضغوط على ايران وتكثيفها بغية تفادي التوصل معها الى ‘اتفاق سيئ’ بشأن كبح برنامجها النووي. لذلك مدّد نتنياهو زيارته الى نيويورك عدّة ايام عقد خلالها اجتماعاً مع مجموعة من رؤساء تحرير الصحف الامريكية وكتّاب الاعمدة الصحافية، وعقد اجتماعاً آخر مع زعماء المنظمات اليهودية بغية تجنيد اللوبي اليهودي لنقل مواقفه الى الرأي العام الامريكي، كما اجرى مقابلات مع خمس شبكات تلفزيونية للتحذير من مغبة الإصغاء الى الرئيس الايراني ‘المخادع’ او عقد صفقة معه.
روحاني لم يكتم، امام حاشيتـه في طهران، ارتياحـه الى قيـام اوباما بـِ’مطاردته’حتى باب الطائرة ليبدي ترحيبه بخطابه في الجمعية العامة للامم المتحدة، وبانفتاحه على مفاوضات مجدية مع الولايات المتحدة وحلفائها لتسوية الازمة النووية. غير ان الرئيس الإيراني وجد المسؤولين كما الرأي العام في الداخل منقسمين حول تقاربه مع اوباما، فبعض قيادات الحرس الثوري ابدى انزعاجه لـِ’تسرعه في التحادث مع الرئيس الامريكي’. لذلك حرص على تسريب مقتطفات من تقريره في مجلس الوزراء بشأن رحلته الناجحة الى نيويورك أهمها ‘ان ايران تعتبر حقوقها النووية الاساسية في تخصيب اليورانيوم امرا لا يقبل التفاوض’.
اوباما المأزوم امام نتنياهو وروحاني، يبدو مرتبكاً في محاولته التوفيق بين حليفه الإسرائيلي المنغلق وغريمه الإيراني المنفتح. ذلك ان مطالبهما متباعدة ويصعب تجسيرها.
نتنياهو يطالب بتفكيك التخصيب في منشأة ‘فوردو’، ووقف النشاط في المفاعل المائي في ‘آراك’، وإخضاع المنشآت النووية الإيرانية الاخرى للرقابة. كما يطالب بوقفٍ تام لتخصيب اليورانيوم، واخراج الكمية المخصّبة الباقية في حوزة طهران الى دولة اخرى. لكن يمكنه التسليم ببقاء كمية قليلة من اليورانيوم المخصّب لتشغيل منشأة بحثية واحدة.
روحاني مستعد لفتح كل مواقع ايران النووية للرقابة الدولية. كما يبدو مستعداً للبحث في وقف تخصيب اليورانيوم عند درجة 20 في المئة. كما يُحتمل ان يوافق على اخراج كمية من اليورانيوم المخصّب الى دولة اخرى. غير انه غير مستعد البتة لوقف عملية التخصيب. كما يرفض رفضاً باتاً تفكيك منشآت بلاده النووية.
إزاء هذه المطالب المتباعدة، بل المتعارضة، يحاول اوباما اجتراح معادلة للتوفيق بينها تقوم على الاسس الآتية: تسمح ايران للمراقبين بحرية الوصول الى كل المنشآت النووية، وتتوقف عن تخصيب اليورانيوم بنفسها، وتوافق على نقل كمية اليورانيوم المخصّب التي تمتلكها الى دولة اخرى على ان تزوّد الدول الكبرى ايران وقوداً نووياً لأغراض مدنية، واخيراً ‘ تتطلع’ واشنطن الى موافقة طهران على تفكيك منشآتها المختصة بتخصيب اليورانيوم’.
مع ان ‘معادلة اوباما’ تبدو محابية لـِ’اسرائيل’، فإن نتنياهو لا ينفك عن ابداء سخطه وخوفه ويطالب واشنطن بالضغط على ايران لاتخاذ سلسلة تدابير تثبت ‘حسن نية’ قادتها بوقف برنامجها النووي وإخضاعه للرقابة الدولية، واتخاذ تدابير من شأنها إقصاء احتمال لجوئهم الى قرار في المستقبل بامتلاك قنبلة نووية. كل ذلك تحت طائلة قيام ‘اسرائيل’، في حال اضطرارها، الى مواجهة ايران بمفردها.
معظم المسؤولين، كما المحللين الإستراتيجيين، في امريكا واوروبا يشكّون بقدرة ‘اسرائيل’ بمفردها على تدمير منشآت ايران النووية، بل ان بعض الجنرالات الامريكيين لا يكتم اقتناعه بأنه في مقدور ايران إلحاق اذى واسع النطاق بغريمتها اذا ما حاولت فعلاً الاعتداء عليها. مع ذلك، فإن بعض المراقبين يعتقدون ان واشنطن تخشى من تهوّر بعض الرؤوس الحامية في ‘اسرائيل’، وهي لذلك تأخذ كلام نتنياهو مأخذَ الجد.
يتردد ايضاً ان ايران، الحريصة على ازالة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، قد تضطر الى الموافقة على اعطاء الولايات المتحدة وحلفائها ضمانات جدية بالامتناع عن تطوير سلاح نووي مقابل إقرارهم بأن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية، والتسليم بإزالة العقوبات الدولية المفروضة عليها.
ماذا تستطيع الولايات المتحدة فعله لاغتنام فرصة انفتاح ايران من دون إغضاب ‘اسرائيل’ وبعض حلفائها العرب غير المرتاحين للتقارب بينها وبين الجمهورية الإسلامية؟
الواقع ان هامش المناورة محدود امام اوباما، ذلك ان تداعيات ازمة عدم إقرار الميزانية الامريكية للعام 2014 قد تفاقمت على نحوٍ ادت الى حمله على إلغاء جولته الآسيوية وقمته مع الرئيس بوتين، كما ستحمله على ‘الترفّق’ بـِ’اسرائيل’ مخافة ان ينحاز اللوبي اليهودي الى خصومه الجمهوريين في الكونغرس، ما يؤدي الى تعديل ميزان القوى لمصلحتهم.
من هنا يخشى بعض المراقبين ان تلجأ واشنطن الى اسلوب الضغط المتوازن على ‘اسرائيل’ وايران في آن واحد: تضغط على ‘اسرائيل’ بإبداء انحياز مدروس ومحدود الى الفلسطينيين، لحمل حكومة نتنياهو على الإقرار بمطلب دولة فلسطينية سيدة على اقليمها ووضعه موضع التنفيذ قبل بت سائر المطالب. والضغط على ايران من خلال الضغط على حليفتها سورية بتزويد تنظيمات المعارضة المسلحة أسلحةً نوعية تمكّنها من توسيع نطاق عملياتها وسيطرتها.
هذان ‘الخياران’ ممكنان نظرياً، لكن مردودهما العملي مشكوك في جدواه. ذلك ان نتنياهو عبّأ الإسرائيليين ضد اوباما وضد ايران (66 يؤيدون انفراد ‘اسرائيل’ بمواجهتها ) وبإمكانه تالياً تحمّل اعباء ضغوط واشنطن المحدودة لمصلحة الفلسطينيين. كما ان ايران مرتاحة الى التسوية ‘الكيميائية’ التي تمّت بين اوباما وبوتين، ما وفّر على سورية ضربة عسكرية امريكية وعزز تالياً وضع الرئيس بشار الاسد الذي لمّح في تصريحاتٍ لافتة الى أن روسيا عوّضت سورية تخليها عن رادعها الكيميائي بتزويدها اسلحةً نوعية من شأنها ان ‘تعمي بصر ‘اسرائيل’.
هكـذا يتضـح ان اوبامــا سيبقــى مأزومــاً، ونتنيـاهو منغلقـاً،
وروحاني منفتحاً… حتى إشعار آخر.
*كاتب لبناني
المفاعل المائي في ‘آراك’، ( على بابى يمرون أراك )
ان تلجأ واشنطن الى اسلوب الضغط المتوازن على ‘اسرائيل’ وايران في آن واحد: تضغط على ‘اسرائيل’ بإبداء انحياز مدروس ومحدود الى الفلسطينيين، لحمل حكومة نتنياهو على الإقرار بمطلب دولة فلسطينية سيدة على اقليمها ووضعه موضع التنفيذ قبل بت سائر المطالب. والضغط على ايران من خلال الضغط على حليفتها سورية بتزويد تنظيمات المعارضة المسلحة أسلحةً نوعية تمكّنها من توسيع نطاق عملياتها وسيطرتها.
هذان ‘الخياران’ ممكنان نظرياً، لكن مردودهما العملي مشكوك في جدواه. ذلك ان نتنياهو عبّأ الإسرائيليين ضد اوباما وضد ايران (66 يؤيدون انفراد ‘اسرائيل’ بمواجهتها ) وبإمكانه تالياً تحمّل اعباء ضغوط واشنطن المحدودة لمصلحة الفلسطينيين. كما ان ايران مرتاحة الى التسوية ‘الكيميائية’ التي تمّت بين اوباما وبوتين، ما وفّر على سورية ضربة عسكرية امريكية وعزز تالياً وضع الرئيس بشار الاسد الذي لمّح في تصريحاتٍ لافتة الى أن روسيا عوّضت سورية تخليها عن رادعها الكيميائي بتزويدها اسلحةً نوعية من شأنها ان ‘تعمي بصر ‘اسرائيل’.