اوباما: نمر من ورق

حجم الخط
1

تميز الاسبوع الاخير بسلسلة احداث وتصريحات من متحدثين امريكيين شهدت في الوهلة الاولى على الاقل على نية وقف التراجع المستمر لمكانة الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى المهيمنة، والبرهنة على صدق وتصميم في سلسلة مجاميع، بيد أنه بعد كل تلك التصريحات يُشك في أن يكون لها متعلق بالواقع.
بدأ ذلك باصرار الرئيس الامريكي براك اوباما في نهاية الاسبوع الاخير على إتمام لقائه للدلاي لاما عدو بكين اللدود كما خُطط له برغم الاحتجاجات والتهديدات الصينية؛ واستمر ذلك الى تعزيز القوة العسكرية الامريكية في كوريا الجنوبية (وإن يكن ضئيلا جدا من جهة مقداره) بازاء التحرشات التي لا تتوقف من قبل الجارة المتحدية الشمالية؛ وجاء في النهاية بالطبع التحذير الصريح الذي أطلقته مستشارة الامن القومي سوزان رايس موجها الى الرئيس الروسي فلادمير بوتين من الآثار السيئة التي قد تكون لتدخل عسكري روسي في اوكرانيا، في مواجهة الاحداث القاسية هناك والصدامات بين المحتجين وقوات الرئيس ينكوفيتش (الذي استطاع الهرب الى الآن.
كان كل ذلك تعبيرا مركزيا عن سلوك نشيط صارم جديد قد يشهد على تغيير الاتجاه.
لكن يتبين بنظرة أعمق أن ‘شحذ السيوف’ الامريكي هذا لا يشير البتة الى تغيير حقيقي عميق في التوجهات الاساسية لادارة الرئيس اوباما في الساحة الدولية. ففي السياق الاوكراني مثلا كانت القوتان الاوروبيتان الكبيرتان المانيا وفرنسا لا الولايات المتحدة هما اللتان قادتا (مع بولندة) اكثر الاجراءات الدبلوماسية في مواجهة روسيا في مسار التسوية. هذا الى أن التحذيرات الامريكية لموسكو كانت عامة ومبهمة ولم تشر الى أية نية حقيقية لاستعمال خطوات محددة ما نحو بوتين في الميدان الذي تراه روسيا جزءا من منطقة تأثير (مباشر أو غير مباشر) تقليدية.
والى ذلك أظهر اوباما نفسه كما كانت الحال في ازمات اخرى ابتعادا وعدم اكتراث بما يجري في كييف برغم أن قضية التحول الديمقراطي وحقوق الانسان التي قامت في مركز الازمة كان يفترض أن تكون قريبة من قلبه وترتيب افضلياته.
ويبدو أن الحديث في سائر المستويات التي كانت في مركز الانتباه الدولي في الايام الاخيرة عن اجراءات رمزية (كلقاء الدلاي لاما) أو تكتيكية في اساسها (كما في الساحة الكورية مثلا) غير قادرة على تغيير صبغة الصورة الاستراتيجية العالمية.
وهكذا تواصل واشنطن لزوم نهج تصالح سافر مع طهران (وتدعم استمرار مسار تخصيب اليورانيوم)، بل إن نية وزارة الدفاع الامريكية المعلنة ـ التي كشف عنها هذا الاسبوع وهي أن تقلص ميزانية الامن تقليصا شديدا ـ قد تضع حدا لكل محاولة لاظهار القوة وردع الأعداء والقوى المتحدية.
حينما قد ينخفض حجم الجيش الامريكي في المستقبل القريب الى ما كان عليه في 1940 (حتى قبل أن تدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية)، فان زئير الاسد ايضا قد يدوي في انحاء الغابة العالمية على أنه ليس أكثر من زقزقة عصفور ـ وهو غير قادر اذا على أن يخيف أي مفترس. لأنه حينما لا يكون الكلام القوي المهدد مدعوما ومؤيدا بخطوات مناسبة في مجال التسلح العسكري فسينتهي الى أن يظهر فارغا من المضمون.
إن ادارة الرئيس اوباما لن يُحكم عليها في المستقبل في ضوء التصريحات أو الاجراءات التكتيكية ذات المعاني المحدودة بل على أساس سياستها بالفعل وعلى أساس خططها.
وهذه تشير بوضوح الآن الى الطموح الى الانفصال من طرف واحد عن مراكز قتال وازمات وتوتر، وتقليص الميزانية الآتي هو ‘شاهد’ واضح على ذلك، وهو يبرهن على ان الصقر الامريكي مصمم على ان يتحول فيصبح حمامة بيضاء ناصعة. فلم يبق سوى أن ننتظر لنرى ماذا ستكون الكلفة الدولية والاقليمية لهذا المسار حينما يتم.

اسرائيل اليوم 27/2/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dr. abufahd UK:

    فى الحقيقة نحن العرب أو الفلسطينيين لا نستطيع تفهم كل هذة الوقاحة الإسرائيلية أمام هذا النمر الورقي . اسرائيل منذ إغتصابها لفلسطين و إنشاء هذا الكيان الصهيوني تعيش منذ عام 1948 على التسول و المساعدات المالية والعسكرية لكل من بريطانيا و فرنسا والمانيا و منذ عام 1967 تعتمد كليا على أمريكا بل و أصبحت اسرائيل الولاية رقم 51 من الولايات المتحدة الأمريكية و مع ذلك فإنه إبتداء من النتن ياهو الى أصغر صحفي و كل أصحاب الضفائر المدلاة على الخدين يصدرون أوامرهم الى سيدهم فى البيت الأبيض و كأن اسرائيل هى القوة العظمي و أمريكا هى صاحبة الدولة التى مساحتها 26 ألف كم مربع .!!!!

إشترك في قائمتنا البريدية