تاريخ الجمهورية الاسلامية في ايران هو تاريخ التحولات وحكاية عن النجاة في ظل الازمات، فالجمهورية بعد ان انهت صراعا داخليا مع الجيش وحكومة تركها الشاه محمد رضا بهلوي وهرب في شباط (فبراير) 1979.
وخاضت بعدها صراعا داخليا مع نفسها ومع الجماعات المعارضة من ‘مجاهدي خلق’ و’حزب تود’، وواجهت حربا مع العراق استمرت ثمانية اعوام استطاعت وبثمن باهظ احيانا الخروج من الازمات والمضي في طريقها. ويمكن للمؤرخ التعامل مع تاريخ الجمهورية من خلال الايام الحاسمة التي ادت الى ولادتها، اي العشرة الاولى من عودة الامام الخميني من منفاه الباريسي الى اعلان الجيش الوقوف على الحياد وهروب اخر رئيس وزراء في عهد الشاه شهبور بختيار متخفيا بزي رجل اعمال فرنسي لباريس. وهذه الايام التي كانت ايام الفجر العشرة هي ما حددت طبيعة النظام القادم في ايران . وقصة الثورة الاسلامية في ايران وايران المعاصرة هي قصة الفرص وانتهازها، والحروب التي مكنتها من التواصل، من الحرب مع العراق والاجتياح الاسرائيلي للبنان الى التورط الامريكي في المنطقة. وفي كل محطة استطاعت الجمهورية الاسلامية استثمار التغيرات في المنطقة لصالحها والتكيف مع انظمة العقوبات التي فرضت عليها، والسر في هذا هو شعور الايرانيين بالخصوصية وبقدرهم التاريخي وتميزهم على غيرهم، فهم عندما يتحدثون عن وطنهم ايا كان وضعه، يقولون انه مهد العلوم والحضارة، تعزف فيه وتغنى اجمل القطع الموسيقية وكتب شعراؤه اعظم الملاحم الشعرية والقصائد، وفوق كل هذا فعند الايرانيين الذ الاطعمة العابقة بالروائح الفذة، فهم يطبخون الارز بطريقة لا ينافسهم فيها احد في العالم، وعندهم اجمل النساء. وقد جاءت الخصوصية الايرانية من خلال تعريفهم انفسهم ضد الاخرين العرب حيث اتسمت نظرتهم لجيرانهم العرب بالشوفينية، وعلمتهم الازمات الاعتماد على النفس والانتاج المحلي. ولا يتنافى الشعور بالخصوصية مع فكرة العزلة والتعامل معها، فايران محاصرة بالعقوبات والدول التي تتهمها بتصدير ثورتها ونموذجها والتدخل في شؤونها الداخلية. فايران مثل اسرائيل متهمة وان كانت الاخيرة قادرة على استخدام فكرة تعذيب الاوروبيين لابنائها واضطهاد اليهود عبر التاريخ والذي وصل ذروته في الهولوكوست لتحدي الاعراف الدولية وعدم الانصياع للقرارات الدولية مثلما يجري على ايران في برنامجها النووي الذي يقول الخبراء انها لن تستخدمه ضد اسرائيل، فهو سلاح ردعي تحتاجه ايران لحماية نفسها من المخاطر الخارجية. فالمشروع النووي هو جزء من تأكيد هوية ايران المستقلة وخروجها من اسر التأثيرات الخارجية. فبعد هروب الشاه من بلده عولت الولايات المتحدة على انقلاب عسكري ولم يحدث وأملت في التعامل مع الشاه، فيما رأى الاتحاد السوفييتي السابق في خروج ملايين الشباب والمعممين الى الشوارع صورة عن الحلم البروليتاري والثورات الشعبية للمسحوقين ضد البرجوازية والارستقراطية العفنة. كان ابناء الخميني يهتفون ‘لا شرقية ولا غربية’، فالثورة الاسلامية كانت تتويجا لمحاولات الايرانيين القضاء على التدخلات الخارجية في بلادهم.
ما هي اهمية الثورة
بعد اكثر من ثلاثين عاما من التجربة الاسلامية يحلو للبعض ‘في الغرب’ التساؤل عن اهمية الثورة الايرانية للايرانيين والنظر الى مسارها وتحولاتها خلال الثلاثة عقود من حياتها. فالثورة الاسلامية التي كانت من اهم الثورات التي جرت في القرن العشرين وقورنت بطريقة او بأخرى بثورات كبرى في التاريخ من الثورة الفرنسية الى البلشفية، مع ان اهمية الثورة الاسلامية في ايران تنبع من تغييرها المفاهيم عن قدرة الاسلام على التغيير، ودور السلطة الدينية في احداثه، كما انها غيرت مفاهيم الغرب عن المنطقة، حيث كان يتعامل المنظرون الاستراتيجيون الغربيون مع المنطقة واحداثها برؤية تنبع من المركزية الاوروبية، اي تبعية دول هذه المناطق وثرواتها للمشروع الرأسمالي الغربي. وجاءت الثورة لتؤكد ان الغرب لا يمكنه تجاهل تاريخ المنطقة الثقافي والسياسي. فمشكلة الغرب تنبع من ادعائه انه يعرف ايران ومعها دول المنطقة لكنه في الحقيقة لا يعرف عنها شيئا، فالكثير في الغرب يربط تاريخها بتاريخ العرب او يعتقد ان الايرانيين هم عرب، وهم ليسوا كذلك، لا لانهم يتحدثون اللغة الفارسية بل لان نوستالجيا التراجع الحضاري للفرس مرتبط بولادة الاسلام في الجزيرة العربية. صحيح ان الايرانيين مسلمون ولكنهم متميزون في اعتقادهم باعتبارهم شيعة. في كتابه الجديد ‘ايران الثورية: تاريخ الجمهورية الاسلامية’ يقدم مايكل اكسورثي دراسة في تاريخ ايران المعاصر وموقع الاسلام والنخبة الدينية التي تسيطر على البلاد منذ انهيار الشاه، كما يموضع التجربة الحالية في سياق علاقات ايران بدول الجوار وقدرتها على بناء مجال للتأثير في العالم العربي والاسلامي يمتد من افغانستان الى جبال لبنان. وهو وان اعترف ان ايران غير مفهومة بالنسبة للغرب لانها مثل الصين والهند بلد ولكن يشبه قارة قائم على التناقضات والتنوعات الثقافية واللغوية والدينية، وهو ما اعطى الايرانيين على الرغم من اوضاعهم القاسية والحصار الذي يعيشونه وقمع المؤسسة الحاكمة القدرة على الادعاء بان حضارتهم اصيلة ليست مثل الحضارات الاخرى. فالاستمرارية في الصناعات التقليدية وثقافة ‘البازار’ التي كانت قريبة من الثورة الايرانية ادت لتعزيز حس الايرانيين بالاكتفاء الذاتي، مشيرا الى ان الاسواق الايرانية لا تزال تبيع منتجات محلية اكثر منها مستوردة، وعلى الشواطىء المقابلة فالتحف والاشغال اليدوية التي تباع في الفنادق، في قطر ودبي وتقدم على انها مشغولات محلية هي في الحقيقة من ايران كما يقول الكاتب الذي يقول ان ايران لم تشن حربا عدوانية على جيرانها منذ نادرشاه في منتصف القرن الثامن عشر، كما ان الميزانية التي تخصصها للدفاع تظل متواضعة مقارنة مع ميزانيات كبيرة تخصصها دول مثل السعودية، والامارات العربية المتحدة واسرائيل. ويقول الكاتب ان الحروب التي خاضتها ايران منذ القرن الثامن عشر وحتى الان هي حروب دفاعية وليست عدوانية، مثل الحرب المدمرة التي استمرت ثمانية اعوام ودعم الغرب فيها صدام حسين ضد العراق، لكبح التمدد الشيعي وتصدير الثورة الاسلامية. وهو نفس الموقف الذي اتخذه الغرب عندما دعم طالبان والقاعدة لمنع الجماعات المؤيدة لايران من السيطرة على الحكم في افغانستان بعد رحيل السوفييت من البلاد كما يقول. واضطرت الولايات المتحدة للتدخل في كل من البلدين للقضاء على ‘الوحش’ الذي صنعته فيهما. فيما اسهمت ايران كما يقول الكاتب فيما بعد ببناء انظمة ‘ديمقراطية’ في العراق وافغانستان مع ان هذا لم يتم الاعتراف به حيث اتهمت ايران بتوسيع تأثيرها في كلا البلدين. وتبدو رواية الكاتب عن ايران متعاطفة مع تاريخها وهذا التعاطف لا يعني بلدا مثاليا، فهو يعترف ان الديمقراطية ومنذ ولادة الجمهورية الاسلامية ظلت متناقضة مع الاسلام، فالخميني كان واضحا في اقامته نظاما اسلاميا ورفض اي تنويعات على الاسم اقترحها اول رئيس وزراء يعينه وهو مهدي بازرجان. كما ان أكسورثي الذي يقول ان ايران لم تشهد نزعات اصولية تشبه الاصوليات الاسلامية في المنطقة يتعامل مع الاحياء الشيعي في عهد الشاه على انه كل واحد ويتجاوز حقيقة ان الامام الخميني نفسه كان يمثل تيارا متشددا في قم وموقفه من الشاه ادى لنفيه لتركيا والعراق ثم فرنسا حيث عاد منها منتصرا. وقصته والثورة الاسلامية سردها العام الماضي جيمس بوكان في كتابه ‘ايام الله: الثورة ونتائجها في ايران’ حيث اشار الى التطورات الفكرية وخروج الخمييني في الستينات من القرن الماضي بعد وفاة المرجعية حسين برورجردي. ولا بد من الاشارة هنا الى ان تعاطف اكسورثي مع الثورة لا يعميه عن القول ان النظام الذي ولد في ايران بعد الثورة هو قمعي، واتوقراطي لا يخدم سوى فئة ضيقة من الاتباع، وهو نظام يحرم الشعب الايراني وبشكل منظم من حريته وحقوقه الاساسية، وقد برزت التصدعات والشقوق في الثورة الايرانية في انتخابات حزيران (يونيو) 2009 والتي قام بها الامن بقمع وملاحقة المطالبين بالتغيير من جماعة حسين موسوي. واهمية كتابه تنبع من كونها تحكي قصة ايران المعاصرة منذ الثورة الدستورية في بداية القرن الماضي ونهاية الحكم القاجاري بصعود الضابط رضا خان (بهلوي) الضابط في الفرقة القوقازية الذي قضى عام 1926 على اخر حاكم من العائلة القاجارية وحلم بتحويل ايران الى دولة حديثة ومواصلة المشروع التحديثي على الطريقة الاتاتوركية اي بطريقة قاسية وفظة من خلال فرض النموذج الغربي والحداثة الاوروبية على المجتمع الايراني، فقد حاول بهلوي منع الحجاب وقام بعدة محاولات لتأكيد هوية ايران الفارسية والايرانية المرتبطة بالغرب، وانتهى رضا بهلوي منفيا في روسيا حيث هزمته القوات البريطانية والسوفييتية عام 1941، ولم يتحول الى شخصية قومية واب للايرانيين كما تحول اتاتورك ابا للاتراك وصانع نهضتها الحديثة. وبخلاف الاب فالابن المدلل محمد رضا بهلوي كان يفتقد شخصية والده القيادية وظل مترددا وخجولا، وهو وان تعلم من الازمات خاصة بع هروبه الاول بعد ثورة محمد مصدق وتأميم النفط عام 1953 الا انه ظل ذلك الشخص الضعيف. ويبدو في كتاب اكسورثي مثل البطل الذي ضاع في تفاصيل مشروعه، واصيب بالدهشة لسوء تقديره قوة الشعب والقوى التي تحركه. فالشاه لم يفهم علاقات القوة والمصلحة التي ظلت تربط بين البازار والمؤسسة الدينية وكذا الانتليجنسيا والتي تداعت عليه واسقطته. وتظهر قصة محمد رضا شاه بهلوي رجلا مسكونا بحس التحديث وانه يريد خدمة شعبه، والانجازات التي حققها نظامه كبيرة مقارنة مع قادة معاصرين في نفس الظرف، فبناء الطرق والمصانع والمدارس وتحديث القطاع الصحي، وكأي دولة فمنافع التحديث لم تصل الى جميع السكان في ايران وظل التحديث مقتصرا على المدن بمعنى ان قاعدة الشاه ظلت في الحضر فيما لم يستفد الريف منها، وحتى من جاء منهم الى المدينة عاشوا في الاحياء الفقيرة التي لم تكن تشبه الاحياء الراقية. ومع ان الشاه كان فخورا بانجازاته وجعلته شخصية محبوبة في الغرب وشرطي امريكا في منطقة الخليج الا ان هذه لم تحببه الى شعبه حيث تعاملوا مع كل الانجازات على انها شكل من اشكال الامبريالية والاستعمار وهذا ما لم يفهمه الشاه ومن هنا يقول الكاتب ان فشل الشاه وحكوماته المتعاقبة كان سياسيا بالضرورة وليس اقتصاديا، والاصلاحات التي قام بها جاءت متأخرة وتلك التي وعد بها لم تتحقق ومن هنا فعندما ترك الشاه ايران لرئيس حكومته بختيار، حاول هذا الاخير القيام باصلاحات واعلن عن سلسلة من التغيير منها قمع الدولة البوليسية التي كانت تمثلها السافاك الا ان الاخير كان يلعب في الوقت الضائع، فقد اضحى امام زحم الثورة وايامها المتكررة، والخروج الى الشوارع في ايام التاسوعاء وعاشوراء واربعينيات الشهداء.
انتظار المعجزة
وفي روايته عن الثورة يقدم الكاتب عددا من الحقائق التي تشير الى ان الشاه ظل ينتظر حتى اللحظة الاخيرة املا وفرصة تمكنه من السيطرة على الامور ولكن هيهات. فعلى الرغم من المبالغة في ارقام الشهداء، في الجمعة السوداء في سبتمبر 1978 ودور النظام في حريق سينما ركس في نفس الفترة الا ان الشاه خريف عام 1978 بدا يفقد السيطرة على البلاد، ويبدو انه تأخر في مغادرة البلاد حتى بداية عام 1979 ولم يكن هذا مرتبطا بما ادعاه لاحقا من انه كان لم يكن يريد الخروج من ايران قبل تثبيت حكومة بختيار بل كان كما قلنا مرتبطا بالامل الذي ارادوه في ذلك الحين بتحقق معجزة تخرجه من الازمة، وعندما ايقن ان ايران الشاه لا عودة اليها غادر قصر نيفاران الى مطار مهرباد وانتظر فيه لمدة حتى وصول بختيار الذي جاء اليه مباشرة بعد ادائه القسم امام البرلمان، وبعدها غادر متوجها الى مصر مع زوجته فرح ديبا وعدد من المساعدين، وفي الطائرة طلب غداء ولم يكن متوفرا على متن الطائرة اي طعام حيث منعت الخدمات الغذائية من نقل اي شيء للطائرة ومن هنا شارك الشاه، ملك الملوك الذي قال لسير انتوني بيرسون انه صنع لايران اكثر مما صنع لها اي حاكم منذ اكثر من الفي عام، حراسه الذين احضروا معهم بعض الارز والبقول ‘بغلي بولو’ حيث اكل وزوجته في صحون ورقية واستخدما اصابعهما. ولا بد من الاشارة الى ان بيرسون نقل لحظات التردد والذهول التي كان يعيشها الشاه في ايامه الاخيرة، وقد ذكره بيرسون بعد ان سأله الشاه: لماذا ادار الشعب ظهره لي بعد كل ما فعلته له؟ ‘فقلت ان القوى نفسها التي وضعت ناصر الدين شاه 1892 في مكانه وانتصرت على مظفر الدين شاه في عام اثناء الثورة الدستورية عام 1906 قد تعاونت من اجل الاطاحة بمحمد رضا شاه- البازايون والملا والانتيلنجسيا، لم اشعر بالاعجاب ابدا بالشعب الايراني مثلما اعجبت به في الاشهر الاخيرة.. الشجاعة والانضباط والتضحية من اجل هدف الاطاحة بالملكية كان مثيرا للدهشة.. ومع ان الشاه وافقني على اداء شعبه الا انه رفض المقارنات مع سلفيه من الحكام القاجاريين ‘لقد صنعت لايران اكثر من اي شخص خلال الالفي عام الماضية، لا تستطيع مقارنتي بهؤلاء الاشخاص”. وفي اعتراف الشاه بشجاعة شعبه اعتراف بعجزه وفشل في ادارة الازمة الذي جاء بسبب عدم فهمه لدوافعها، فكما يقول الكاتب فان خطاب الشاه في نوفمبر 1978 بث عبر الراديو والتلفزيون القى خطابا بدأه ‘ ابناء شعبي العزيز’ وفيه اعترف ‘ بثورة’ الشعب والطريقة التي وقفوا فيها ضد الظلم والفساد لكنه قال ان بعض العناصر قد استفادت من التظاهرات والفوضى والثورة. واعترف بوقوع اخطاء ووعد بعدم تكرارها. وكرر ‘لقد وصلت رسالة ثورتكم، ثورة الامة الايرانية’، ولعل الاستماع لخطاب الشاه في ظروف الثورات العربية يذكرنا بما قاله زين العابدين بن علي ‘انا فهمتكم’، وفي داخل عبارات كليهما، جهل واضح بديناميات الثورة، ففي حالة الشاه وبن علي كلاهما لم يترددا باستخدام الشرطة لقمع المتظاهرين ومن ناحية اخرى لم يتوقفا عن توجيه المناشدات لشعبيهما. وفي حالة الشاه لم يكن مستعدا او راغبا باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين على الرغم من دعوة عدد من جنرالات الجيش، صحيح ان الشاه لم يكن مثل والده ولكن امتناعه عن استخدام العنف كان مرتبطا بخوفه من خسارته دعم ادارة الرئيس الامريكي جيمي كارتر. لم يكن يدري الشاه انه خسر دعم شعبه الذي رفض منحه فرصة ثانية كما فعل بعد ثورة مصدق. لم يكن يعرف الشاه الذي اصبح مع مرور الوقت اوتوقراطيا ورجلا مهووسا بحس المؤامرة انه ابتعد بما فيه الكفاية عن الشعب، فقد اعتمد على السافاك التي دربتها الموساد وسي اي ايه وام اي- 6 في قمع المعارضة، وكل من عارض سياسته في العلاقة مع اسرائيل او امريكا وجنوب افريقيا العنصرية كان ينتهي في المنفى او في سجون السافاك.
عندما تخلى الملالي عنه
وهنا لا بد من الاشارة الى ان الكاتب في تحليله لثورة مصدق يرى على خلاف التقارير التي اكدت ان فشل مصدق كان بسبب الانقلاب الذي نظمته المخابرات الامريكية والبريطانية في العملية المعروفة ‘اجاكس’ بل يرى ان الفشل الحقيقي لمصدق نبع من تخلي الجماعات الدينية المحافظة عنه، وبسبب تصرفات الحزب الشيوعي ‘توده’ الذي خسر فرصة تاريخية كما يقول. كما انه يرى ان تداعيات الثورة الايرانية الاخيرة كانت نتاجا لانقلاب مصدق، فقد ادت لان يملأ الملالي الفراغ الذي شغر من خلال القضاء على القوى اليسارية التي كانت منظمة ولعبت دورا في دعم انقلاب مصدق نظرا لعلاقتها مع الجيش. وبالعودة الى الشاه، فاصدقاؤه في الغرب ايضا لم يكونوا متأكدين من نجاته، وكانت ادارة كارتر تفكر بخياراتها، فمع تحول الخريف في طهران الى شتاء وتصاعد الاوضاع فقد شعرت بالخوف من استمرار دعم شاه ينهار مما سيؤثر على علاقتها مع النظام الجديد، وكما هو الحال، فالأزمة في ايران كانت مثار جدل وخلافات داخل الادارة، فمجلس الامن القومي برئاسة زبينجو برجينسكي كانت تدعو لدعم انقلاب يقوم به العسكر، في المقابل كان سايروس فانس وزير الخارجية والسفير الامريكي في طهران ويليام سوليفان يعارضانه، بل عندما ارسلت واشنطن مبعوثها الجنرال روبرت هويستر لدراسة الوضع واقامة اتصالات مع الجيش ولدعم حكومة بختيارـ كان سوليفان قد توصل الى ان بختيار يلعب في الوقت الضائع وانه عاجز عن تغيير الوضع، حيث سيتوصل بختيار وجنرالات الجيش في شباط (فبراير) ان لا فرصة امامهم ولهذا استسلموا وتركوا الباب مفتوحا امام عودة الامام الذي جاء محملا بوعود جديدة، وبولاية الفقيه والحكومة الاسلامية، والحروب الايرانية الطويلة وتطهير الثورة من ‘المنافقين’ و ‘المفسدين في الارض’ وغيرها من اللغة الجديدة التي ستدخل قاموس الايرانيين، ففي الوقت الذي بنى فيه شاه ايران بلدا عاش بين ‘سموم التغريب’- غربزدكي و ‘المونتاج’ الذي جمع بين كل شيء غربي، فقد بنى الخميني دولة ولاية الفقيه واعاد الشادور والقمع. فطهران التي كانت في عهد الشاه مدينة ‘ غريبة’ جمعت بين القديم والحديث والفقراء والاغنياء، والمواطنين والغرباء حيث عاش فيها مئات الالاف من الامريكيين وبعضهم جاء بحثا عن المال والمتعة وعاشوا في مجمعاتهم الخاصة. وفي قصة الشاه والخميني يظل السؤال حاضرا عن السبب الذي يجعل الشعب يثور، والجواب على هذا السؤال مرتبط بفهم الطريقة التي تعاملت فيها السلطة مع طموحات وآمال المواطنين.
لماذا تحدث الثورات
ففي النهاية ما يصنع الثورات هو فشل الحكومات لا دهاء الثوريين. فمن اجل ان تنجح الثورة كان على الحكومة والشاه بالضرورة لان تتحول الى مشكلة وشماعة يلقى عليها كل الاخطاء وبالتالي يفقد الناس الامل فيها. ولتوصيف اسباب النجاح في ايران واماكن اخرى لا بد من النظر الى تسلسل الاحداث التي تطورت من خلالها الثورة فكلما زاد زخم الثورة وثقة الناس كلما تلاشت هيبة الدولة، وهذا واضح في الحالة الايرانية التي تشكلت فيها الثورة من خلال التجمعات المتدرجة والتضامن الايراني، وبالاضافة الى ذلك فق لعب الدور القيادي للخميني دورا في تحديد مسارها. فقد منح الخميني نفسه سلطات دينية ودنيوية حسده الشاه نفسه عليها. ويمكن في هذا السياق فهم كيف تجادلت سلطة الشاه بأحلام الخميني وكيف استطاع كاتب ‘كشف الاسرار’ الذي انتقد العائلة الحاكمة بالخيانة. وفي النهاية فاكسورثي في كتابه يظهر كيف قامت ايران الخميني باعادة كتابة قوانين الثورة في المنطقة العربية، ومع اننا لا نتفق مع كل ما ورد في تحليل اكسورثي حول الحروب الدفاعية التي خاضتها ايران وعدم تفريقه بين العناصر الدينية في داخل مؤسسة العلماء الا ان تحليله لمفهوم الخصوصية في الشخصية الايرانية يستحق الانتباه كما ان سرده لتاريخ ايران المعاصر مكثف، وجميل. صحيح ان الثورة الايرانية بدأت كرد فعل على التحديث القاسي وسلب ايران من هويتها الاسلامية، وصحيح ان المحرك الدافع لها هو مفهوم الثورية ‘والشيعي الجديد’ او ‘الحسين الجديد’ الذي يقف ضد تشيع الصفوفيين في كتابات علي شريعتي الا ان البعد الروحي لم يمنع مؤسسة رجال الدين التي حكمت في ايران ما بعد الثورة لتوسيع هذه النخبة سلطاتها بل اصبحت هذه السلطة ذات قداسة مما يعني ان ما تغير في الجمهورية الا الوجوه وكما يقول بوكان ‘فالجمهورية الاسلامية في ايران ليست الا امتدادا للبهلوية التي ثارت عليها ولكن بعمامة وعباءة’. وان هذا هو الواقع فهل نفهم اذا كيفية تحول ايران ضد متظاهريها ودعاة الحرية وخوفها من الثورات وهل هذا يفسر موقفها من الثورات العربية وخاصة سورية.
Revolutionary Iran: A History of the Islamic Republic
Michael Axworthy
Allen Lane/ 2013
مقال عجيب يدل على قوة ايران الثورة لكن هل ستنتصر ايران في معركتها في سوريا ذلك ما لم يتعرض له صاحب المقال