ايران ام سورية اولا؟

جميع الاطراف المتورطة في الملف السوري تعيش حالة من القلق والخوف هذه الايام باستثناء جبهة النصرة زعيمة التنظيمات الجهادية، ونظام الرئيس بشار الاسد، فليس لديهما ما يمكن ان يخسراه على الارض.
الجماعات الجهادية الاسلامية ذهبت الى سورية من اجل تحقيق هدفين، الاول اقامة دولة اسلامية، تكون نواة للخلافة الاسلامية، والثاني هو ‘الشهادة’ وبأسرع وقت ممكن للانتقال من دار الفناء الى دار البقاء مثلما تقول ادبياتهم.
اما النظام السوري فلم يتبق لديه الكثير حتى يخسره، في ظل الحرب المنهكة التي يخوضها منذ عامين ونصف ضد المعارضة المسلحة والحصار الاقتصادي الخانق، والتحالف العسكري الضخم العربي والدولي الذي يضع الخطط، ويرسل الاسلحة، ويهدد بالغزو لاسقاطه.
المسألة نسبية.. نعم، والمقارنة بين وضعي جبهة النصرة والنظام ربما ليست دقيقة تماما، ولكن ما يجمع بين الطرفين هو النزعة ‘الانتحارية’، والرغبة في القتال حتى اللحظة الاخير ة، ولكل قناعاته واسبابه.
الاطراف الاخرى المأزومة، والولايات المتحدة وحلفاؤها العرب والاسرائيليون على وجه الخصوص تريد تدخلا عسكريا، جزئيا او كليا، ولكنها تتخوف من النتائج التي يمكن ان تأتي كارثية، وعلى عكس كل التوقعات، ولهذا يبدو التردد والارتباك هما التشخيص الادق لمواقفهما وردود فعلهما.
اسرائيل تمارس ضغوطا مكثفة على ادارة الرئيس باراك اوباما للتدخل عسكريا، والالتزام بتعهداته بضرب النظام السوري اذا ما اخترق ‘الخط الاحمر’، باستخدامه لاسلحة كيماوية، ولذلك قادت زمام المبادرة في احراجه بالإعلان عن ادلة دامغة في هذا الصدد.
الرئيس اوباما لا يريد ان يخضع لهذه الضغوط، ويحاول كسب الوقت، او اكبر قدر منه، بالقول انه يريد ادلة اكثر دقة حول الاسلحة الكيماوية، ولهذا يدعو الى تحقيق دولي لمعرفة متى جرى استخدام الاسلحة الكيماوية وكيف، مضيفا ان الخط الاحمر هو مقتل عشرات الالاف من السوريين، وليس 25 شخصا فقط بغاز الخردل.
‘ ‘ ‘
قصة ‘الخط الاحمر’ هذه اوقعت الرئيس اوباما في مصيدة من الصعب عليه الخروج منها، وعرّضته لانتقادات كثيرة في صحف امريكية وبريطانية واسرائيلية، فهناك من قال ان مقتل 100 الف سوري على الاقل هو نوع من الذبح الحلال الذي لا يعتبر خطا احمر، بينما ذبح العشرات بالاسلحة الكيماوية هو الذبح الحرام الذي يستدعي رد فعل سريعا.
في الغرب يتحدثون عن اربعــــة خيــــارات مطروحة حاليا امام الرئيس اوباما وحلفائه العرب والغربيين، لا بدّ من الاقدام على احدها او كلها لاستعادة هيبة الادارة وانزال اوباما من فوق شجرة ‘الخط الاحمر’:
الاول: اقامة منطقة عازلة في شمال غرب سورية قرب الحدود التركية مجهزة بصواريخ باتريوت لاسقاط اي صاروخ سوري.
الثاني: اقامة منطقة حظر جوي في عمق اربعين كيلومترا شمال الحدود الاردنية وداخل الاراضي السورية، تكون منطقة استيعاب للاجئين السوريين الجدد والقدامى، ونقطة انطلاق وتمويل للمعارضة المسلحة، تمنع وصول الجماعات الجهادية اليها لحماية الحدود الاسرائيلية.
الثالث: ان تترك امريكا مهمة التدخل عسكريا وتسليحيا لكل من فرنسا وبريطانيا، على ان تقود هي الحرب من المقاعد الخلفية على غرار ما حدث في ليبيا.
الرابع: ان يبلع اوباما لسانه وكرامته، ولا يفعل شيئا، لانه انتخب لولاية ثانية للاهتمام بالقضايا الامريكية وليس لخوض حرب جديدة مكلفة وغير مضمونة في الشرق الاوسط.
لا نستطيع ان نتكهن بالخيار المفضل للرئيس اوباما وادارته، ولكن ما يمكن التكهن به هو استمرار ضغوط انصار اللوبي الاسرائيلي في الكونغرس عليه، للدخول في حرب مع سورية او ايران باعتبارها رأس الافعى، حسب توصيف العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، او الاثنين معا.
‘ ‘ ‘
الرئيس الاسد لن يسمح لخبراء الامم المتحدة بالتحقيق في مسألة استخدام الاسلحة الكيماوية، لانه، ومثلما يقول مقربون منه، لا يريد ان يواجه طلبات طويلة ومذلة بالتفتيش حتى داخل غرفة نومه، مثلما جرى مع الرئيس العراقي المرحوم صدام حسين.
اقامة مناطق عازلة او آمنة قد تكون بداية انزلاق الى حرب عصابات، من الجماعات السنية الاسلامية (النصرة واخواتها) والشيعية الموالية للنظام وخاصة حزب الله.
الاسرائيليون الذين يعيشون اسوأ حالاتهم هذه الايام، يريدون حربا ضد ايران وسورية معا، لتدمير المنشآت النووية في الاولى، والسيطرة على مخزون سورية من الاسلحة الكيماوية لمنع تسربها الى الجماعات الاسلامية المتشددة.
جبهة النصرة استولت على حقول النفط في شمال شرق سورية (الرقة والحسكة ودير الزور) وبدأت تشغيلها والتصدير الى اوروبا، وان بكميات محدودة، وكشفت صحيفة ‘الصنداي تلغراف’ البريطانية امس انها تخوض معارك شرسة حاليا، للاستيلاء على مصنع للاسلحة الكيماوية في منطقة ‘السفيرة’، واذا نجحت في تحقيق هذا الهدف، فإن شروط اللعبة وقواعدها ستنقلب رأسا على عقب، ومن غير المستبعد ان ينهزم النظام امامها من اجل هذا الهدف.
الغرب المتأثر بالتحريض الاسرائيلي، ربما يرتكب حماقة كبرى بتكرار مقولته ان النظام استخدم الاسلحة الكيماوية فعلا ويجب ان يحال رئيسه واركانه الى محكمة جرائم الحرب الدولية. فإذا كان حكم التجريم صدر فعلا، فهذا ربما يشجع النظام على استخدام هذه الاسلحة الخطيرة على نطاق اوسع، فهو في هذه الحالة لن يخسر شيئا، ويكون مئات الآلاف من السوريين هم الضحايا الجدد.
في ظل غياب الحلول السياسية، وتمسك كل طرف في الأزمة بكل مطالبه، النظام والمعارضة معا، واختفاء السيد الاخضر الابراهيمي، وتصاعد حدة التحريض الاسرائيلي، لم يبق غير الحلول العسكرية والتسليح والمناطق العازلة والحظر الجوي.. انه السيناريو العراقي بكل مراحله.
Twitter:@abdelbariatwan

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول sam sharif:

    ليست كل الطيور يؤكل لحمها
    سيناريو الحرب ممكن ولكن بموافقه روسيا وارضاء الصين
    حين حل الاتحاد السوفييتي وهدم حاءط برلين قام الغرب بدفع كل تكاليف انسحاب القوات السوفييتيه اما ضربه العراق سددت فواتير الحرب الايرانيه ديون العراق وسمح للصين استثمار النفط بالسودان
    لكن الفاتوره السوريه فهي باهظه جدا ولا يملك الكاش جميع بني يعرب الابالسه ولا حتى القدسين منهم
    روسيا لها قواعد بحريه على المتوسط فهل يا ترى تتنازل عنها دون مقابل
    قن يكون الحل الوسط هو لبنان ورأس حزب الله لا قدر الله

  2. يقول محمد الخالد:

    من أجل تصحيح التسلسل الزمني بريطانيا وفرنسا تكلمتا عن استخدام النظام السوري للكيماوي قبل اسرائيل, وقبل الكل الثوار أول من تحدثوا عن استخدامه من قبل النظام. على أي حال أوباما لم يقرر التخلي عن الأسد بعد وعندما يقرر فهو لايحتاج لحرب وانما لسحب الفيتو الذي وضعه على تسليح الثوار وعندها الثوار يتولون الأمر.

  3. يقول sami:

    ، أمريكا والقارة العجوز يكفهم ما بهم،

  4. يقول عبيدة النبالي:

    استاذي عبد الباري لك جزيل الشكر على هذا الطرح .. ان الخط الاحمر الذي نتحدث عنه هو خط نسبي بكل المقايس ويمكن نقله من مرحلة الى مرحلة فإذ كان في البداية الخط الاحمر الفتنة الطائفية وقد وقعت ومن ثم استخدام الكيماوي ولا ندري اين سينقل في المستقبل القريب … كل ما يرده الغرب ” امريكا وحلفائها ” هو عمليا هدم القلعة السورية التي تمثل في نظرهم حليف مهم للحلف الاخر ” الحلف الشرقي ” اي داعمين سوريا . الصمت الدولي الذي نراه بإتجاه القضية السورية ليس إلا محاولة إستنزاف قوى النظام السوري ومكانه سوريا في المنطقة ليسمح لهم ذلك بهدم سوريا كما حدث بالعراق تماما ” تختلف الوسائل والاساليب والهدف واحد ” ان الحرب الدائرة في سوريا الان ليس لها تفسير إلا انها تحدي بين الغرب والشرق مين يستطيع كسب سوريا الى صفة . وكأننا نشهد حرب بارده او تداعيات حرب عالمية جديدة .

  5. يقول مواطن عربي:

    يا دكتور … تشخيصك مع كامل الاحترام لخبرتك السياسية الدامغة إشتراكيا فيه بعض التعسف في الوصف، أن توصف جماعات سنية في سورية أجده بالغريب فعلاً … : فهل السنة أقلية في سوريا حتى تصفهم بالجماعات، أعتقد أن الشيعة في سوريا هم ندرة نادرة وعددهم لايزيد عن عدد كيلومترات إتساع سوريا وإن وجدت في كل كيلو متر واحدة من قرعة أبائهم فهذا يكون إنتصار … هناك قرية في الشمال وقرية قريبة من لبنان وقس لعدد كيلو مترات القصير في أحسن الاحوال وليس سوريا.
    وبالتالي يارجل .. عملتها كالأكلة اليونانية مسقعة، وغيبت عنها الاصل والاصالة .. وكم عدد سكان سوريا : 25 مليون، وكم عدد النصيرية كلهم وجيشهم … هذا دون الحديث عن الاكراد الذين كلهم سنة …..

  6. يقول أحمد:

    في سوريا لايوجد شيء يغري الغرب للقبام بعملية عسكرية ضد النظام الدموي هناك. العامل الإنساني لايلعب أي دور في حسابات الدول الإمبريالية إلا إذا كان هذا العامل مدخلا لتحقيق مصالح كبرى . في سوريا كانت ومازالت إستراتيجية الغرب بقيادة أمريكا أن لايسمح لطرفي الصراع النصر السريع أو الخسارة السريعة وإطالة مدة هذه الحرب قدر الإمكان طالما أنها محصورة في بقعة جغرافية معينة وتحت الرقابة الكاملة وهذا سيؤدي بحكم الواقع إلى تدمير البلد السوري وإنهاك النظام السوري وأعوانه الذين يمدونه بالسلاح والرجال من ايران إلى حزب الله, وبهذا سيحقق الغرب هدفا استراتيجيا دون خوض المعارك بشكل مباشر, وهكذا تكون إيران وحلفاؤها قد وقعوا في فخ الفوضى الخلاقة وحالة عدم الإستقرار المسيطر عليها التي وضعت نواتها كوندليزا رايس قبل أعوام . ضحية هذه الحرب القذرة هي الشعب السوري ومن في حكمه الذين قاموا بحركة سلمية لتحقيق مطالب الحرية والكرامة التي استلبت منذ عقود.

  7. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم.التدخل الصهيوامريكي الصليبي-ان حدث-في سوريا،لن يكون الا لصالح اسرائيل ولحمايتها مما بعد عائلة الخزي والعار والطائفية والدموية والخيانة.ان تذبيح الشعب السوري على ايدي المجرمين القتلة-نظام الاسد وايران واذنابهما-هو آخر ما يهم المجتمع الدولي وعلى رأسه امريكا وروسيا وبقيادة صهيونية.تبادل الادوار بين امريكا وروسيا ضد الاسلام والمسلمين وتدعيم الوجود الاسرائيلي في فلسطين هو هدف القوى المعادية لنا.معظم حكام عرب الخليج يفضلون خيار تدعيم الوجود الاسرائيلي على انتصار الجهاد الاسلامي في سوريا لان الخيار الاول هو اضمن لعروشهم على المدى القصير،وكما حدث في العراق عندما دعموا الغزو الامريكي وكانت النتيجة تسليمه للنفوذ الايراني.وسوريا مرشحة عند الاعداء لتسليمها لهذا النفوذ المتغول.ولافشال كل ذلك على المجاهدين الصبر والمصابرة واعداد القوة المستطاعة-واعدوا لهم ما استطعتم من قوة-لهزيمة كل الاعداء اعلاه والتوكل على الله ووعده بان سيهزم الجمع ويولون الدبر.

  8. يقول سالم عتيق:

    منذ الحرب العالمية الثانية أمريكا تعيش ثقافة الحرب وبأبشع صورها منذ إنتهاء الحرب الباردة، وهذا السيناريو لا يمكن أن يتغير بتغيير الأشخاص، وإنما يتغير بالتغيير الجذري للإسترتيجية السياسة لصالح ثقافة السلام، وإذا لم يحصل مثل هذا التغيير لصالح الثقافة الأخيرة، فحتماً أمور الدنيا ستذهب من سيئ الى أسوء حتى وقوع حرب عالمية ثالثة، وهو الارجح. ما سبق ليس تشائما، وإنما قراءة منطقية مختصرة لسير الأحداث.

  9. يقول هدهد سليمان:

    يا سيد أوباما: لن ننسى ولن نغفر
    المثير للإستغراب أن المخابرات الصهيونية هى أول من أعلن عن إستعمال الأسد لأسلح كيماوية ضد شعبه ثم تبعتها أمريكا وبريطانيا فكأن إسرائيل هى شرطي العالم والجميع يسير خلفها، نقول للسيد أوباما: نقبل أن تقوم لجنة بتقصى الحقيقة في سوريا بشرط أن تقوم نفس اللجنة بالتحقيق في إستعمال إسرائيل للفوسفور الأبيض في حرب غزة عام 2009 وكذلك إستعمال الجيش الأمريكي لليورانيوم المنضب في ضرب الفلوجة والرمادي ومعركة مطار بغداد أم يظن أوباما أننا نسينا قتلانا في عراق الرشيد، وإذا كان الأسد يعذب معارضيه فما الذي فعله ويفعله الأمريكان في غوانتانامو وأبو غريب والسجون السرية، وما الذي تفعله الطائرات الأمريكية بدون طيار في أفغانستان وباكستان واليمن؟

  10. يقول بيتنا العراقي الخليجي المشترك:

    أن معركة استرداد العراق من قبضة طهران قد أزفت ساعتها.
    هذه فرصة العرب للدخول على خط تعريب القضية المذهبية التي تهددنا ايران جميعا بها لتقسيم بلداننا.
    الكيمياوي الحقيقي الاكثر خطورة الذي دخل بيوتنا العربية هو سلام الطائفية الذي سربته ايران لكل دولنا العربية
    فالحديث عن الفيدرالية السنية في العراق او تقسيم العراق هو ابو الاماني لايران كي تجعله مبرر للدعوة الى فيدرالية شيعية في السعودية وتسويق فكر التقسيم في دول عربية اخرى.
    اننا امام اسرائيل صانية بثوب اسلامي ممانع ومقاوم عبر طهران.
    الان على العرب الاجابة هل هم معنيون بمصير بلدانهم ام سيكونوا عرابي سايكس بيكوايرانية لتقسيم دول العرب طائفيا عبر تقسيم العراق.
    حذار حذار ياعرب من استمرار سياسة التفرج والاكتفاء بالنقد والتنديد لان مايجري في العراق تريد طهران المحتضرة ان تذر رياحه الملعونه الى كل دول العرب.
    اسحبوا ياعرب ورقة الطائفية من ايران واعلموا ان لاعرب ولاعروبه اذا نجحت ايران بتشطية عرب المشرق العربي وتمزيقهم واختطاف اجزاء مهمة منهم.

1 2 3 4 6

إشترك في قائمتنا البريدية