‘تدور الأيام في سورية لكن النظام لم يسقط’، ‘في رأي الاستبداد، الحرية بدون أهمية’. تلكم عينة من جمل كتبها طلاب مبتدئون في اللغة العربية، بعد أن اختبروا في موضوع الثورة العربية في امتحان آخر السنة. فضلا عن رغبتي في الإشادة بعمق درجة اهتمامهم بالموضوع، أود التنويه أيضا بذهاب شبيبتنا عميقا في إشعاع قيم ‘مواطنة دولية’ تشرّفهم وتشرّفنا. بهذه المقدمة نعود، إذن، إلى الموضوع السوري، ونعود إليه ومنطق الاستغراب يحكم هذه السطور. استغراب من لا مبالاة مجتمع دولي مستعدّ لإلقاء دروس حسن سلوك دولية كيفما جرى واتفق على وجه البسيطة، مجتمع دولي وصل الى درجة من التقاعس والتلكّوء صارت تضرب أرقاما قياسية في مجال اللامسؤولية. نحن وأطفالنا نقتل، والعالم يتفرج علينا كيف نقتل – وما زال الكلام يتكرر على لسان أحد مقاتلي المعارضة السورية في فضائيتنا الغنية عن التعريف. أقل ما يمكن قوله إن المجتمع الدولي لم يقف دائما موقف المتفرج عندما تعلق الأمر بإنقاذ مصالحه الاقتصادية والجيوستراتيجية، ويبدو أن الكلمتين باتتا، مع الأسف، مترادفتين إلى حدّ بعيد. لم تتلكأ أمريكا وحلفاؤها في تصدر الواجهة في حربي الخليج، لم تتلكأ فرنسا ولا بريطانيا ولا أمريكا ولا إيطاليا في استصدار القرار الأممي رقم 1973 لفرض منطقة حظر جوي على ليبيا – وإن تلكأت هذه الدول، فما لبثت أن تداركت الموقف، كما لم تتقاعس ولم تتلكأ منظمة الحلف الأطلسي في قصف المواقع التابعة للنظام الليبي وتشجيع المتمردين على الدخول في توغل بري، كما لم يتقاعس ولم يتلكأ المجتمع الدولي عن إعلان الحرب على ما يسمّيه الإرهاب. ونحن الآن نسأل: أين أولائك وهؤلاء من الموضوع السوري؟ أين اختصاصيو قرارات التدخل وملقنو دروس حسن التبحر في مادة القانون الدولي؟ كأن الدعوة الى التدخل أو على الأقل إلى إسماع صوت لا يعتوره اللبس بات أمرا يصنف صاحبه في خانة المغردين خارج السرب. كأن النداء إلى نبذ وشاح التهور ونزع ثياب المماطلة صارت إشكالا لا يحتمل التأويل ولا القبول. أما عن الحجج المألوفة، من أنّ القضيّة السورية ليست القضية الليبية، وأنّ تدويل الصراع واحتمالات تحوّل الشأن الطائفي إلى قلب القصة، فأمر صار يفقد وضوحه يوما بعد اليوم. ماذا نقول لأهالي الـ90000 قتيل الذين سقطوا في سورية منذ الـ15 من مارس 2011؟ ماذا نقول لهذه الأم التي لا تنفع معها حيلة لإيقاف نحيبها بعد أن فقدت أطفالها في قصف جوي دمّر حيا كاملا، ولا يزال استمرار القصف يحصد مزيدا من الأرواح؟ أنقول لهم: ‘قليلا من الصــــبر، فالقــــرارت الدولية متعثــــرة حاليا في أروقـــــة المؤسسات الدولية، لكن الحل في الطريق لا تيأسوا؟’. كنت أسمع في احدى حلقات برنامج حديث الثورة لفضائيتنا، الغنــــية عن التعريف، ضيفا يرى أن مؤتمر جنيف 2 – إذا ما انعقد- ‘سيحدد بعض النقاط العالقة على مؤتمر جنيف 1’ فرد هنا زميلنا مقدم الحلقة، وقد أحسن الرد، ‘ألا يكفي 00090’قتيل سقطوا منذ بدء الأزمة، لوضع حد لتحديد النقاط، ثم لعقد جنيف 3 لتحديد النقاط التي سوف تكون عالقة في جنيف 2؟’. أجل، لقد طفح الكيل كما يقول المثل. وعسى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة بامتلاك فرنسا أدلة قوية على حيازة النظام السوري للسلاح الكيماوي أن تحرك الأمور إلى الأمام، فقد تمكنت فرنسا من الحصول على هذه الأدلة الدامغة بعد أن حددت منظمة حظر السلاح الكيماوي، ومقرها هولندا مختبرا فرنسيا قام بفحص عينات على أثر هجوم طائرة هليكوبتر حكومية سورية لمنطقة سراقب في 29 نيسان/أبريل الأخير. لكن في المقابل امريكا تطالب بالمزيد من الأدلة، وكأن تلك ليست كافية، وإذا بمعلقين ينسبان استخدام الكيماوي للمعارضة. دعونا من أخذ ورد هو إلى ساحة المدارس أشبه. دعونا من هذه التجاذبات التي لا ترقى إلى مستوى المسؤولية أبدا. بينما ‘اطفالنا وشعبنا يقتلون، والعالم يتفرج علينا كيف نقتل’. فإلى متى تقف دوائر صناعة القرار منكفئة على نفسها؟ إلى متى يواصل الشعب السوري دفع ثمن لامبالاة في غير محلها؟ إلى متى سنتّجه إلى حيثما نتّجه…وإلى أين؟