زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى ايران، تأتي في مرحلة دقيقة تعيشها منطقة غرب آسيا على خلفية لعبة التوازن التي تسعى إسلام آباد لإرسائها في علاقاتها مع اللاعبين الإقليميين السعودي والايراني، فضلا عن محاولة عدم استثارة القطب الأمريكي الساعي لتضييق الخناق على النظام الإيراني وسد ما استطاع من منافذ قد تساعده على مواجهة ما يقرره سيد البيت الأبيض من عقوبات على خلفية الدور والنفوذ الإقليمي لإيران، إضافة إلى برنامجها الصاروخي وما يشكله من تهديد ضمني لحلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.
ومنذ إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن استراتيجيته في مواجهة إيران بنقل المعركة إلى الداخل الإيراني، باتت باكستان والحدود الباكستانية الإيرانية محط اهتمام وقلق لدى النظام الإيراني وقيادته العسكرية والأمنية، انطلاقا من أن هذه المنطقة تشكل الخاصرة الرخوة بسبب وجود جماعات انفصالية ومتطرفة مذهبيا في المحافظة الايرانية الحدودية (سيستان وبلوشستان) التي تستخدم الاراضي الباكستانية كمقر ومنطلق لعملياتها ضد الاهداف العسكرية الايرانية، خاصة عناصر حرس الحدود وحرس الثورة الاسلامية.
وإذا ما كانت قيادات البلدين تعترف بأن العلاقات بينهما مرت في التاريخ الحديث والمعاصر في حالات من الصعود والهبوط، والقرب والبعد متأثرة بالأحداث والتأثيرات الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من سعيهما للحفاظ على الحد الأدنى من علاقة الصداقة والتعاون في مراحل التأزم الشديد، إلا أن كلا الطرفين يتقاربان في النظر إلى مسألة وصول عمران خان إلى السلطة، وانعكاساتها الإيجابية على نقل العلاقة بينهما إلى مرحلة جديدة، وتعزيز العلاقات وتطويرها نحو التعاون البناء، في اطار رؤية باكستانية عبّر عنها وزير المالية الباكستاني السابق شهيد جاويد بوركي، تعتقد أن النظام العالمي خصوصا النظام الامني في الشرق الاوسط بدأ بالتبلور، ما يستدعي تعزيز العلاقات الباكستانية الإيرانية. وعلى الرغم من حرص الطرفين للحفاظ وتعزيز العلاقات بينهما، خصوصا في الجانب الأمني، بما يعني الحدود المشتركة، وما يعني الوضع في أفغانستان والعلاقة الجدلية مع حركة طالبان، وحاليا في ما يختص بتحديات اتساع نفوذ تنظيم «داعش» في المحيط الجغرافي للبلدين، فإن طهران تدرك جيدا حساسية العلاقة التي تربط بين اسلام اباد والمملكة العربية السعودية، التي تقوم على تحالف استراتيجي، تقوم فيه باكستان بتقديم الاحتياطي العسكري، في حال تعرض الأماكن المقدسة أو السعودية لاعتداء خارجي، وان السعودية لعبت دورا في وضع باكستان على خريطة الدول النووية، إضافة إلى العمق الاستراتيجي الاقتصادي الذي تشكله الرياض بالنسبة لباكستان، وهو ما اتضح من خلال الزيارة التي قام بها الامير محمد بن سلمان إلى اسلام اباد والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين البلدين.
لكن العلاقة بين طهران وإسلام أباد تقوم على بعدين أساسيين، ويحتل البعد الأمني والتعاون لمكافحة الإرهاب على حدود البلدين الأولوية حاليا بالنسبة لطهران، وهذا يتضح من الكلام الذي أكد عليه الرئيس الإيراني حسن روحاني في الاتصال الهاتفي، الذي أجراه مع عمران خان بعد التفجير الإرهابي الذي ضرب مدينة تشابهار في محافظة سيستان وبلوشستان في السادس من ديسمبر/ كانون الأول 2018، عندما أكد على أن العلاقات بين البلدين تعتبر نموذجا تاريخيا، ويجب أن لا يسمح لمجموعة من الارهابيين الذين تحركهم دول اخرى أن يحدثوا شقا في العلاقة بين البلدين، مضيفا أنه « يجب أن لا نترك عقودا من الصداقة والأخوة بين البلدين أن تكون عرضة لتأثير جماعات إرهابية، التي نعلم أنا وأنت من أين تحصل على تمويلها وسلاحها، يجب أن لا نسمح لطرف ثالث بالتأثير على العلاقات الايرانية الباكستانية من خلال هذه الاعمال». وهو ما عاد مسؤولون إيرانيون لتوضيحه بتوجيه الاتهام لكل من السعودية والإمارات العربية المتحدة.
باتت الحدود الباكستانية الإيرانية محط اهتمام وقلق لدى النظام الإيراني وقيادته العسكرية والأمنية
وزيارة عمران خان إلى طهران، سبقتها خطوة قامت بها الخارجية الباكستانية عندما وجهت رسالة مكتوبة للجانب الايراني، عبر سفارتهم في إسلام آباد، اعتبرت طهران انها تحمل ايحاءات بمحاولة الجانب الباكستاني التنصل من المسؤولية في التصدي للجماعات الإرهابية التي تنشط داخل الاراضي الباكستانية، من خلال الإشارة إلى أن الجانب الباكستاني، وضع بتصرف حرس الحدود الإيراني معلومات عن تحركات الانفصاليين البلوش، إلا أن الارهابيين، وعلى الرغم من تبادل المعلومات بين الجهات الامنية في البلدين، مازالوا يقومون بنشاطاتهم. وهو ما اعتبرته طهران محاولة وضع طهران في موقع «المدان» ورمي الكرة في ملعبها وباتهامها بعدم المواجهة والتحرك ضدهم.
أما البعد الثاني، الذي لا يقل أهمية عن البعد الأول، نظرا لطبيعته الاستراتيجية بالنسبة لكلا البلدين، هو ما تكشفه الأعمال الإرهابية التي يتعرض لها البلدان، خصوصا الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الصينية في مدينة كراتشي الباكستانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، التي اعتبرت طهران أنها تستهدف الطموحات الصينية في المنطقة، إضافة إلى توجيه رسالة تهديد لرئيس الوزراء الباكستاني واستثارة إيران خارج حدودها.
وتعتقد طهران أن استهداف العلاقات الصينية الباكستانية وحاجتهما الاستراتيجية المتبادلة، وإبقاء الحدود المشتركة مع إيران في حالة من التوتر عبر الجماعات الارهابية، تشكل الاهداف الرئيسة للجهات التي تقف وراء هذه العمليات، خاصة الرؤية الاستراتيجية الصينية القائمة على «طريق واحد، محور واحد». وهو ما لم يتردد رئيس الوزراء عمران خان في الإشارة إليه بشكل واضح، عندما تحدث عن أن الهدف هو زعزعة استقرار باكستان، وضرب مشروع المعبر الاقتصادي بين الصين وباكستان، الذي يوفر إلى جانب ميناء غوادر، خيارات واسعة أمام طرق نقل الطاقة للصين وتوفير أمنها للطاقة. وتعتقد طهران أن الجهات التي تقف وراء ضرب الاستقرار الحدودي وداخل باكستان يستهدف الطموحات الصينية، إضافة إلى إضعاف الموقع السياسي لعمران خان، خصوصا في ما يتعلق بمحاولة التوازن في علاقته مع إيران. وترغب طهران أن تثمر زيارة عمران خان التزاما واضحا لمواجهة الجماعات الارهابية وعملياتها، ليس فقط ضد ايران، بل تلك التي تطال الداخل الباكستاني، وبالتالي فإن هذا التعاون الجدي المنتظر قد يؤدي إلى تأسيس شراكة امنية وعسكرية بين الطرفين، لن تكون الصين بعيدة عنها تساعد على تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع دور هذا المحور الثلاثي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تفرض عليها.
*كاتب لبناني