بالتزامن مع تقارب أنقرة المتسارع مع أمريكا :أردوغان مستعد لإرسال قواته إلى الرقة مقابل وقف الدعم الأمريكي للوحدات الكردية

حجم الخط
0

إسطنبول ـ «القدس العربي»: لا تبدو الرواية الرسمية الروسية حول مقتل الجنود الأتراك في مدينة الباب السورية بـ»الخطأ» مقنعه إلى حد كبير لا سيما في ظل التناقض بين روايتي موسكو وأنقرة حول الحادثة ووقوعها بالتزامن مع أول اشتباك بين المعارضة السورية المشاركة في «درع الفرات» وقوات النظام السوري وفي ظل التقارب المتسارع الذي تشهده العلاقات التركية مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب.
الحادثة التي وقعت الخميس وأدت إلى مقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة 11 آخرين كشفت عن مدى التحدي الذي تعيشه تركيا في محاولاتها الحفاظ على تحالفها مع روسيا في سوريا وضمان عدم انجرارها إلى مواجهات أوسع مع أطراف الصراع هناك، وفي الوقت نفسه التقاط فرص وإمكانيات تحقيق تقارب حقيقي مع الإدارة الأمريكية الجديدة والتعاون معها في إقامة منطقة آمنة في سوريا وتقليل دعم واشنطن للوحدات الكردية وإمكانية تسليم فتح الله غولن.

تناقض الروايات

في بداية الحادثة بدا الأمر متوافقاً عليه من قبل الطرفين، حيث أعلنت رئاسة أركان الجيش التركي أن غارة روسية بـ»الخطأ» قتلت ثلاثة جنود وأصابت 11 آخرين، موضحةً «المسؤولون الروس أفادوا أن الحادث وقع عن طريق الخطأ، وأعربوا عن حزنهم وتعازيهم في هذه الخصوص وأنه سيتم التحقيق حول الحادث من قبل الطرفين». فيما قال بيان للرئاسة التركية إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم تعازيه لنظيره التركي رجب طيب أردوغان بمقتل الجنود، وأوضح البيان «الرئيسان بحثا المستجدات الأخيرة في سوريا، ومكافحة الإرهاب ومباحثات أستانة».
كما قدم رئيس الأركان الروسي، فاليري غيراسيموف، تعازيه لنظيره التركي خلوصي أكار، في ضحايا الحادث. وأكد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن أنقرة وموسكو تعتزمان العمل سويا للحيلولة دون وقوع أي حوادث «نيران صديقة» في المستقبل.
لكن الحادثة أخذت منحاً آخر بعد أن أكد الكرملين أن الغارة استهدفت «إرهابيين» طبقا لإحداثيات قدمها الأتراك، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين «استند عسكريونا أثناء الغارات على الإرهابيين إلى إحداثيات وفرها شركاؤنا الأتراك. لم يكن مفترضاً تواجد أي جندي تركي في المنطقة المحددة في هذه الإحداثيات، غاب التنسيق في نقل الإحداثيات».
وسائل الإعلام التركية رأت أن التصريح الروسي هذا حمل رسائل واضحة وتهديدا مبطنا للجيش التركي بأنه لا يمكنه التحرك في سوريا بدون تنسيق كامل مع موسكو، فيما ذهب محللون إلى أبعد من ذلك بالقول إنه يؤشر بقوة إلى أن موسكو أرادت توجيه رسالة بالدم إلى أنقرة بأن عليها الالتزام بالتنسيق الكامل مع روسيا وأنها لن تسمح بأي تقدم لجيشها بغطاء أمريكي، كما أنها لن تسمح بأي اشتباك بين الجيش التركي وحلفائه من المعارضة السورية مع قوات النظام على أطراف الباب.
ورداً على رواية الكرملين للحادثة، قالت رئاسة الأركان التركية، الجمعة، إن جنودها الذين استهدفوا شمالي سوريا، كانوا موجودين في المكان منذ حوالي 10 أيام، وإنها سبق أن أبلغت الجانب الروسي بإحداثياتهم قبل يوم من استهدافهم، في تكذيب مباشر للرواية الروسية.
وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان واقعة مشابهة حصلت في مدينة الباب نهاية العام الماضي، حيث قتل ثلاثة جنود أتراك وأصيب 10 في غارة جوية لم تُعرف الجهة التي نفذتها وسط شكوك واسعة طالت موسكو كون الغارة تزامنت تماماً في الذكرى السنوية الأولى لحادثة إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية على الحدود مع سوريا.

احتمالات الاشتباك مع النظام

الغارة على الجيش التركي في الباب جاءت في اليوم الذي أكدت فيه مصادر سورية وقوع أول اشتباك عسكري بين قوات الجيش السوري الحر المنضوية تحت لواء عملية «درع الفرات» والمدعومة من قبل تركيا وبين قوات النظام السوري التي تتقدم نحو مدينة الباب من الجهة الجنوبية.
وأظهرت مقاطع فيديو بثها نشطاء سوريون لاشتباك بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين مسلحي الجيش الحر وقوات النظام المدعومة من ميليشيات أجنبية حاولت التقدم نحو قرية أم الزندين في محيط مدينة الباب، وأوضحت مصادر سورية أن قوات النظام اضطرت إلى التراجع لاحقاً.
والجمعة، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن جنود النظام والقوات الحليفة وصلوا إلى مسافة 1،5 كلم من المدينة في شمال سوريا، موضحاً أن قوات النظام حققت «تقدماً مهماً»، وسيطرت على قرية قرب الباب، في خطوة تزيد من التكهنات حول إمكانية حصول احتكاك أوسع بين قوات النظام من جهة والسوري الحر والجيش التركي من جهة أخرى.
وما يزيد من هذه التكهنات هو التقدم الذي حققته القوات التركية خلال الأيام الأخيرة في معركتها الأكبر في سوريا، حيث تمكنت من الدخول إلى العديد من أحياء المدينة التي تحاصرها من ثلاث جهات وفقدت خلال الأيام الأخيرة أكثر من 10 جنود وأصيب 30 آخرين ما رفع ضحايا الجيش منذ انطلاق «درع الفرات» إلى قرابة 66 قتيلاً في حصيلة ثقيلة على أنقرة التي تقول إنها تنوي التوجه عقب إتمام عملية الباب إلى مدينة منبج التي تسيطر عليها الوحدات الكردية ومدينة الرقة عاصمة التنظيم في سوريا برفقة قوات خاصة من «الدول الحليفة» بحسب ما أعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو قبل أيام.

تقارب تركي متسارع مع ترامب

جميع هذه التطورات الميدانية المتسارعة ترافقت مع تطورات سياسية أسرع شهدتها العلاقات بين تركيا والإدارة الأمريكية الجديدة ما يؤشر إلى احتمال حصول تفاهمات جديدة بين الطرفين خلال الفترة المقبلة لا سيما في سوريا ومقترح تركيا بإنشاء منطقة آمنة في سوريا وهو ما يؤيده ترامب.
فالخميس جرى أول اتصال هاتفي بين أردوغان وترامب منذ تولي الأخير منصبه رسمياً وأبدت الأوساط التركية تفاؤلها من محتواه الذي أكد على ضرورة تعزيز التعاون وتم خلاله بحث المنطقة الآمنة في سوريا، وخلال ساعات زار رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي أي أيه» أنقرة في أول جولة خارجية له والتقى أردوغان ورئيس مخابراته هاكان فيدان وجرى التركيز على بحث الملف السوري والوحدات الكردية وملف فتح الله غولن.
كما اتفق رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ونائب الرئيس الأمريكي، مايكل بنس، على تكثيف «التعاون الثنائي القائم على الشراكة والتحالف في المجالات العسكرية والأمن ومكافحة الإرهاب»، وذلك في اتصال هاتفي جرى الخميس، و»سادته أجواء ودية، بين الطرفين»، بحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية.
وعزز هذه المؤشرات تأكيد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إريك باهون، أن علاقات بلاده مع تركيا، حول سوريا، في تطور مستمر، لافتاً إلى وجود تنسيق أمريكي تركي مسبق حول طرد تنظيم «الدولة» من شمال سوريا، وخصوصا مدينة الباب، وشدد على أن تركيا ستلعب دورا في إستراتيجية أمريكا الجديدة في محاربة تنظيم «الدولة».
وكانت وسائل إعلام تركية قالت إن أنقرة ربما تعرض على إدارة ترامب تصدر الحرب على تنظيم «الدولة» في سوريا وطرد التنظيم من مدينة الرقة مقابل ضمان وقف الدعم للوحدات الكردية وإنهاء فكرة إقامة الكيان الكردي على حدودها، ولفتت إلى إمكانية قبول الإدارة الأمريكية بهذا العرض.
وبينما تتحمس تركيا وأردوغان شخصياً لبناء علاقات أفضل مع ترامب على أمل تسليم غولن وبناء تحالفات أقوى في سوريا، تحاول بصعوبة الحفاظ على تحالفاتها التي باتت إجبارية مع روسيا في سوريا.
وفي هذا السياق، دافع وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو عن سياسة التقارب مع روسيا، واعتبر أن الهدف منها إقامة نوع من «التوازن» في السياسة الخارجية بمواجهة المواقف المتذبذبة للغرب، لكن يبقي السؤال الأبرز إلى أي مدى يمكن أن تنجح أنقرة في تحقيق هذا التوازن في علاقاتها بين موسكو وواشنطن؟

بالتزامن مع تقارب أنقرة المتسارع مع أمريكا :أردوغان مستعد لإرسال قواته إلى الرقة مقابل وقف الدعم الأمريكي للوحدات الكردية
 
إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية