يعد باليه غايانه من أشهر أعمال الموسيقار الأرمني السوفييتي آرام خاتشاتوريان، ومن مشاريعه الفنية الكبرى، حيث عبّر من خلاله عن الثقافة الأرمنية والتراث الحضاري للأرمن، وقدّم الموسيقى ذات الطابع الفلكلوري الأرمني إلى عالم الباليه. عرض الباليه للمرة الأولى سنة 1942 في الاتحاد السوفييتي. وهو من تصميم الباليرينا والمصممة السوفييتية نينا ألكسندروفنا أنيسيموفا، وتأليف قسطنطين ديرجافين. المعروف أن الموسيقار آرام خاتشاتوريان الذي عاش في الفترة من سنة 1903 حتى سنة 1978، ترك أثراً كبيراً في عالم الباليه، على الرغم من أنه لم يكن مختصاً بالتأليف لهذا الفن وحده، لكنه قدم أعمالاً نوعية ذات أهمية ثقافية وفنية، كباليه سبارتاكوس، الذي يحتفظ بمكانه بين أهم الباليهات في العالم. كذلك يُعرف آرام خاتشاتوريان بسيمفونياته الرائعة، وما ألفه من مقطوعات في قوالب موسيقية أخرى، وتبدو موسيقاه قريبة إلى الذوق العربي، بما فيها من لمسة شرقية، وكان له تأثير على الموسيقيين القوميين في مصر في فترة الستينيات، وهناك من سافر إلى روسيا ليتتلمذ على يديه، كالموسيقار المصري الراحل عزيز الشوان.
تقع أحداث باليه غايانه في أربعة فصول، وتبدأ في منطقة جبلية حدودية، في المجمعات الزراعية التي تعرف باسم الكولخوز، يعمل الجميع في جني محصول القطن، ومعهم غايانه بطلة الباليه، ويشاركها العمل كل من أبيها أوفانز وشقيقها أرمين وشقيقتها نونا، لا يعكر صفوهم سوى جايكو زوج غايانه ووالد طفلها، فهو رجل كسول سكير خائن للأمانة، وهو الشخص الشرير في الباليه، يقابله الشخص الطيب الشريف، حارس الحدود كازاكوف، الذي ينقذ غايانه من زوجها ويقع في غرامها ويتزوجها في النهاية. يتعاون جايكو مع ثلاثة مهربين، ويخطط معهم لتهريب المال العام، وحرق مستودع القطن. تواجه غايانه زوجها بعد سماعها لحديثهم ومعرفتها بالخطة، يعنفها الزوج ويقوم بحبسها داخل إحدى الغرف. في مقاطعة قريبة من المجمع الزراعي، يكون أرمين مع عيشة الفتاة التي يحبها، يصل جايكو في صحبة المهربين الثلاثة، يسألون أرمين عن الطريق فيشك في الأمر، ويبلغ الحارس كازاكوف فيمسك بالمهربين الثلاثة ويلقي القبض عليهم، لكن جايكو يفلت منه ويتمكن من الهرب، ويذهب ليحرق مستودع القطن، فتوقفه زوجته غايانه التي تمكنت من الفرار من الغرفة المغلقة، يهددها بإلقاء طفلهما من أعلى الجبل، ويطعنها بسكين، ثم يأتي الحارس كازاكوف ليقبض عليه وينقذ غايانه، ينمو الحب بينهما ويكتمل بالزواج في نهاية الباليه، حيث يتم الاحتفال بثلاث زيجات، غايانه وكازاكوف، نونا وكارن، عيشة وأرمين.
صنع آرام خاتشاتوريان أثراً مختلفاً في موسيقى باليه غايانه، وعلى الرغم من القالب الكلاسيكي، إلا أنه منح الألحان الطابع الشعبي وإيقاعات الموسيقى التقليدية الأرمينية. واعتمد على بعض الآلات الموسيقية التي لا نجدها عادة في عروض الباليه، فإلى جانب المجموعة الأساسية من آلات الأوركسترا، وعائلات الوتريات والهوائيات الخشبية والنحاسية، والآلات الإيقاعية كالتيمباني وغيرها، أضاف خاتشاتوريان عدداً من الآلات التقليدية الأرمينية، كالدفوف الخاصة بهم، ونوع من الإكسيليفون القديم، كما وظف الهوائيات الخشبية القريبة من آلة الناي، لخلق بعض الإيحاءات الشرقية.
موسيقى باليه غايانه عمل هائل، استطاعت أن تطغى وتنتشر خارج الباليه نفسه، خصوصاً بعض الثيمات وألحان الرقصات، وعلى رأسها بالطبع موسيقى «رقصة السيوف» التي ربما لن يستمع إليها أحد، إلا ويدرك أنه يعرفها، وأنه قد استمع إليها من قبل، إما كموسيقى تصويرية في فيلم سينمائي عربي أو أجنبي، أو في فيلم من أفلام الكارتون، أو إعلان ما. أكثر ما يميز موسيقى الباليه بشكل عام، هو الاستخدام المكثف للطبول والآلات الإيقاعية، وتوظيف المثلث والتامبورين، والسيمبال والتام تام والماريمبا، هذا الثراء الإيقاعي واحتشاد صوت الطبول يخلق الأثر الشرقي الحيوي المبهج، ويميز هذا الباليه كثيراً عن غيره. لكن هناك أوقات ذهب فيها خاتشاتوريان، إلى الموسيقى الكلاسيكية الهادئة، كما في الرقصات الثنائية الرومانسية الهادئة، والمقدمة الموسيقية البديعة التي يفتتح بها الباليه، وعندئذٍ يكون خلق الطابع الشرقي من خلال بعض التقاسيم على آلات النفخ الخشبية، كالأوبوا والكلارينيت والباصون. وقدم خاتشاتوريان أيضاً في هذا العمل موسيقى تذكرنا بالموسيقى التصويرية لبعض الأفلام المصرية في فترة الستينيات.
رقصات الأرمن الشعبية
في الفصل الرابع والأخير من الباليه، يتم الاحتفال بإعادة بناء مستودع القطن، وزواج كل من غايانه وكازاكوف، ونونا وكارن، وعيشة وأرمين. يعد هذا الفصل لوحة كبيرة تضم مجموعة من رقصات الأرمن الشعبية، أو المستوحاة من الفلكلور الأرمني، مع المحافظة بالطبع على إطار الباليه الكلاسيكي، فالخطوة الراقصة لا تؤدى بشكل مطابق لما هي عليه في الفولكلور أو الرقص الشعبي، وإنما يمزج الأداء بين الباليه الكلاسيكي والرقص الشعبي. يعتمد الباليه خصوصاً في هذا الفصل الأخير على مجموعات كبيرة من الراقصين، نظراً للطابع الاحتفالي والتعبير عن سعادة الشعب، وتكون هذه الجموع بما ترتديه من ملابس تقليدية متنوعة، وبما تؤديه من حركات، تشكيلات بصرية ممتعة على المسرح. تتعدد الرقصات الفردية والثنائية والجماعية، وتؤدى الرقصات الفردية بواسطة الذكور، ويكون فيها نوع من استعراض القوة والمهارة، سواء في القفز لأعلى في الهواء أو سرعة الدوران، حيث يدخل إلى المسرح كل من كارن وأرمين وكازاكوف، لأداء بعض الرقصات الفردية القصيرة، كما لو أن كل منهم يستعرض قوته في ليلة زفافه. وكذلك يؤدي كل منهم رقصة ثنائية مع عروسه، وتعد موسيقى الرقصات الثنائية من أجمل القطع التي يمكن الاستماع إليها في هذا العمل. ومن الرقصات الجماعية رقصة تؤديها الفتيات، بينما يمسكن بالدفوف ويقمن باستخدامها في تكوين بعض التشكيلات البصرية، وتتميز رقصة الدفوف بقفزات الأقدام اللطيفة المبهجة والدورانات الناعمة. ورقصة الشموع التي تحمل فيها الفتيات شمعدانات ضخمة مكونة من عدة أدوار، كتلك التي كانت توضع فوق رأس الراقصة في مصر قديماً، لكن الفتيات هنا يمسكنها بأيديهن ولا يضعنها فوق رؤوسهن. وتكون هناك مجموعات أخرى تمسك بشمعدانات أصغر حجماً. وهناك بالطبع رقصة السيوف، التي تحظى باهتمام الجمهور بدرجة كبيرة، وتنال التصفيق المستمر لعدة دقائق في مختلف عروض الباليه، حيث يدخل إلى المسرح الراقصون من الرجال، يمسك كل منهم بسيفين في يديه، أو بسيف ودرع، وتنطلق موسيقى الرقصة السريعة للغاية، ويرافقها الرقص السريع بكامل عنفوانه ودوراناته السريعة.
كاتبة مصرية