بانتظار “لاهاي”: لبيد ونتنياهو بين شاغوس والضفة الغربية.. قرار “حقير” أم قانوني؟

حجم الخط
0

قبل أن يجف حبر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة مطالبة محكمة العدل الدولية في لاهاي تقديم رأي استشاري بخصوص التداعيات القانونية لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، حتى وصفه رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “قرار حقير”، ها هو رئيس المعارضة، يئير لبيد، يدين هذا القرار فيقول هو “نتيجة جهود منسقة للتمييز ضد إسرائيل ونزع شرعية وجودها”.
إذا كانت الحال هكذا، فإن طرفي المتراس السياسي لهما نفس الموقف حول هذا الشأن، ولهما مصلحة في إنشاء الرأي الاستشاري السابق للمحكمة في 2019، وهو الرأي الذي تناول موضوع السيطرة الأجنبية على منطقة بشكل قد يمس بحق تقرير المصير. لا أحد منهما يريد أن نتذكر بأن الدولة التي كانت حاكمة هي بريطانيا العظمى. هذا الرأي قُدم كما في حالة إسرائيل وفلسطين، في أعقاب طلب الجمعية العمومية للأمم المتحدة. قررت محكمة لاهاي بأن على بريطانيا إنهاء السيطرة على جزر شاغوس في المحيط الهندي في أسرع وقت ممكن. وقد ناقش توسيع حق الشعوب التي لم تحصل على حق تقرير المصير على أراضيها. وقالت بأن عملية تحرر موريشيوس من الكولونيالية لم تنته ما دامت بريطانيا تواصل السيطرة على الجزر التي اقتطعت من موريشيوس، دون موافقة المدنيين ذوي الصلة.
على خلفية ذلك، أعلنت المحكمة بأن استمرار سيطرة بريطانيا على جزر شاغوس هو خرق للقانون الدولي. المعنى، أن على بريطانيا إنهاء السيطرة على هذه الجزر، وعلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التعاون مع المنظمة للتوصل إلى ذلك. لأن واجب الاعتراف بحق تقرير المصير سار على كل الدول. بريطانيا، التي عارضت القيام بهذه الخطوة في المحكمة، وافقت في تشرين الثاني 2022، بعد ثلاث سنوات تقريباً على إعطاء الرأي (بعض رفض استمر سنوات)، وافقت على البدء في التفاوض مع موريشيوس حول إعادة الجزر لسيادتها. التقدير هو أن اتفاقاً مستقبلياً سيتضمن أيضاً حق عودة السكان الذين طردتهم بريطانيا من الجزر في الستينيات والسبعينيات. محاولة بريطانيا تجاهل الرأي الاستشاري بذريعة أنه غير ملزم، فشلت. قرار الهيئة القضائية الدولية لقانون البحار في 2021، الذي نص على عدم قانونية سيطرة بريطانيا على الجزر، ساهم في إضعاف موقف بريطانيا.
ثمة فروق كثيرة بين وضع جزر شاغوس ووضع الأراضي الفلسطينية. الآراء الاستشارية للمحكمة والتي تتعلق بحق تقرير المصير لم يتم قبولها دائماً. في حالة بريطانيا، ثمة توقع بأنها وبحق ستضطر إلى التنازل عن سيطرتها على جزر شاغوس. وسكان ناميبيا أيضاً، التي قررت المحكمة في رأي استشاري من العام 1971 بعدم شرعية استمرار سيطرة جنوب إفريقيا عليها، حصلوا على الاستقلال في 1990. في المقابل، سكان الصحراء الغربية التي يحتلها المغرب، ما زالوا ينتظرون تحقيق حقهم في تقرير المصير، حسب رأي المحكمة الصادر في 1975.
يمكن الافتراض بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية لن ينتهي بجرة قلم تتمثل في رأي استشاري للمحكمة. ولكن قصة جزر شاغوس تظهر كيف أن قراراً للمحكمة بشأن عدم قانونية استمرار السيطرة على منطقة، سيطرة تخرق الحق في تقرير المصير، يمكن أن يشكل انعطافة في المعاملة الدولية. لذلك، هذه خطوة مهمة في طريق إنهاء هذه السيطرة. عندما يتم إعطاء الرأي سيصعب التعامل بجدية مع ادعاءات عن “قرار حقير” أو “قرار مميز” إزاء حقيقة أن الدولة الأخيرة التي أعطي بخصوصها قرار مشابه هي بريطانيا.
أما على المستوى القانوني فقد يكون للنقاش الجاري في لاهاي علامة فارقة في عملية تتطور منذ سنوات، لم يعد فيها الانتقاد يتناول فقط خرق حقوق معينة (مثل هدم البيوت والطرد من الأراضي وما شابه)، بل يفحص حكم إسرائيل للمناطق كرزمة وينص على أنه غير قانوني.
إضافة إلى التحقيق الجاري في محكمة الجنايات الدولية، التي مقرها في لاهاي أيضاً، وعلى خلفية سياسة الضم لحكومة إسرائيل الجديدة، قد نرى في السنوات القريبة القانون الدولي وهو يتطور قبيل نزع شرعية استمرار الاحتلال الإسرائيلي. ربما يكون هذا التطور جزءاً من العملية التي ستؤدي إلى إنهاء هذا الاحتلال.
بقلم: أيال غروس
هآرتس 3/1/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية