باي باي… بي بي سي

حجم الخط
19

لن نسمع بعد اليوم صوتاً يقول بالعربية: هنا لندن ـ هيئة الإذاعة البريطانية. فقد تم إلغاء «القسم العربي» مؤخراً، كما قرأنا للبعض في العديد من الصحف العربية مقالات عن تجربتهم في (بوش هاوس) وهو اسم المبنى المكرس لذلك.
وأنا لم أعمل في «القسم العربي» في الإذاعة البريطانية أيام دراستي في لندن ولكنني شاركت في برنامج ليلى طنوس (مسرحيات بالعربية تقوم بتمثيل أدوارها) وبرنامج المرأة الذي كانت تعده وتشرف عليه العراقية أولفا جويدة. كما تعارفت يومها مع الروائي الكبير الطيب صالح وكان يعمل رئيساً لقسم الدراما في الـB.B.C وأهديته كتابي الذي كان قد نشر يومئذ «ليل الغرباء» وأعجبته قصة فيه: وقرر تحويلها إلى مسلسل إذاعي من بطولة صوت أمينة رزق وعماد حمدي وكانا من نجوم السينما المصرية يومئذ لكن «بي بي سي» والقسم العربي فيها لم يكن يبخل على المستمعين العرب بالأفضل.

ألغي العالم لأكتب جديدي

أمينة رزق، عماد حمدي، نجمان مشهوران في الأفلام المصرية ولا أدري كم دفعت لهما (بي.بي.سي) من المال ليرضيا بهذا الدور. والطريف أن مكان تسجيل المسلسل كان في بيروت (وليس في لندن)، بل في «شارع فينيقيا» على بعد خطوات من بيتي في «قصر الداعوق» فقد كنت قد تزوجت وانتقلت من فندق «ألكسندر» في الأشرفية إلى بيت زوجي الحبيب )رحمه الله( في شارع الداعوق. لكنني كنت أعمل على كتاب جديد ومناخي النفسي لا يسمح لي بمغادرة طاولة الكتابة. الكاتب المبدع الطيب صالح تفهم موقفي ولم يعتبره موقفاً عدائياً من الـ»بي.بي.سي». فهو أديب كبير قبل كل شيء. ويعرف أننا قد نلغي كل شيء لنكتب جديدنا.

«الكانتين» في «بوش هاوس»

تعارفت مع معظم العرب الذين يعملون في القسم العربي في الإذاعة البريطانية كما التقيت ببعض المتعاونين وصار بعضهم أصدقاء لي. وأذكر منهم أولغا جويدة والطيب صالح والأستاذ حسن الكرمي وسعيد العيسى وأكرم صالح وبعض المعارف كنديم ناصر وزوجته مديحة المدفعي وسمير مطاوع وعبلة خماش وسواهم كثير لا يتسع المجال لذكر الأسماء كلها. وحين عرض عليّ مسؤول بريطاني كبير العمل بشكل دائم في القسم العربي في الإذاعة قلت له إنني أريد العودة إلى الوطن بعد ان أنجز دراستي في لندن ـ واعتذرت لكنني بقيت على صداقاتي مع الكثير من العاملين فيها كما الطيب صالح وأولغا وسواهما…
وبعد زواجي صرت كلما زرنا لندن زوجي وأنا، نتصل بالطيب صالح ونلتقي في (الكانتين) في (البوش هاوس) ونشرب قهوتنا وكنت أفرح بلقاء (زملاء) سابقين لي يأتون لإلقاء التحية والجلوس معنا. فقد كان (الكانتين)؛ أي المقهى الخاص بالمبنى، يضم موظفين من مختلف الجنسيات العربية كالصديقة ليلى طنوس.

قصة حياتها احترقت!

روت لي الصديقة أولغا قصة زواجها من شاعر بريطاني أنجبت منه ابنتها وأوحت لي حكايتها بقصة كتبتها وطلبت مني قراءتها بصوتي في برنامجها وفعلت وما زلت أذكر منها أن السماء كانت تمطر برقاً ورعداً لكن بطلة القصة نزلت إلى البحر للسباحة وأُغرم بها الشاعر لسباحتها في طقس خطر كهذا. ولكن مخطوط القصة احترق في مكتبتي في بيروت حين أصابها صاروخ في الحرب الأهلية!

المصادفة وأقدارنا

كنت أتسكع في شارع (أوكسفورد ستريت) في لندن حين التقيت بالمصادفة مع مراسل مجلة (الأسبوع العربي) التي كنت أكتب فيها مقالاً اسبوعياً. وقال لي إن سمير مطاوع الذي كان يعمل في القسم العربي في الإذاعة البريطانية قام بدعوة بعض الأصدقاء إلى بيته وسيسرهم مفاجأتي لهم بحضوري.. وفعلت وهكذا بدأت صلتي مع القسم العربي في دار الإذاعة البريطانية. أما حياتي الحالية في بيتي الباريسي فهي أيضاً وليدة المصادفة.

لقاء بالصدفة في جادة الشانزيليزيه

كنت وزوجي وابني قد جئنا إلى باريس لزيارتها والراحة من الحرب الأهلية اللبنانية وقررنا قضاء شهر في شقة مفروشة في «شارع بيري» على بعد خطوات من الشانزيليزيه التي يدعوها الفرنسيون أجمل جادة في العالم!! وذات يوم كنا نروح عن أنفسنا بالمشي في الجادة الشهيرة خارج الشقة الصغيرة المفروشة (غالية الأسعار لموقعها) حين سمعت صوتاً يناديني. وهكذا التقيت مع الصديقة اللبنانية هناء. ع واستجوبتنا على الطريقة اللبنانية وقالت لنا إنه في المبنى المطل على نهر السين، حيث تقيم، توجد شقة مفروشة واسعة للإيجار ولو لشهر واحد. وأعطتنا اسم السمسار (ديكمان) ورقمه الهاتفي. وانتقلنا من الشقة الضيقة بالقرب من الشانزيليزيه إلى (كيه دو غرونيل) على شاطئ «نهر السين» في تلك البقعة، وكنا ننوي العودة إلى بيروت حين عرض علينا (سمسار) المبيعات شراء شقة في المبنى المطل على نهر السين وبرج إيفل ويتوسط نهر السين أمامه شارع ضيق يدعى ممر البجع..
وسحرنا جمال المكان والمنظر، واشترى زوجي الشقة وأهداها لي بمناسبة عيد زواجنا وما زلت أعيش فيها…
ولو لم ألتق بالزميل مراسل المجلة في لندن في شارع أوكسفورد وأذهب إلى سهرة سمير مطاوع لما عملت لفترة في القسم العربي في دار الإذاعة البريطانية، ولو لم ألتق مصادفة أيضاً بهناء.ع.ف. لما أقمت في هذا البيت الباريسي بمنظره الجميل. والطريف أن صديقتي هناء التي بذلت كل ما بوسعها لتحدثني في شارع الشانزيليزيه وتقنعني بالانتقال إلى مبناها بمنظره الجميل طلقت زوجها وعادت إلى بيروت وبقيت هناك! كأن المصادفة هي مدبرة الحياة في عالمنا وحياتنا؟ أظن أن لدى كل قارئ حكايات عن دور المصادفة في حياته.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سليمة مليزي:

    تحية حب وتقدير لك سيدتي الفاضلة الاديبة الكبيرة. غادة السمان ، احييك على هذا العطاء الكبير في المتاب
    ، انا تعلمت منك الكثير وقرات لك وانا طالب ولا ازال احب القراءة لابداعك ، شكرا من القلب ، الامنيتين ان التقي بك في باريس ،
    الادبية والصحفية سليمة مليزي من الجزائر ، مديرة نشر دار رومنس القرن 21للنشر والتوزيع والترجمة

  2. يقول نجم الدراجي - العراق:

    لا أتخيل كيف سأفارق برامج bbc عربي ..
    كتبت تعليقاً على احد مقالات الايقونة غادة السمان تمنيت فيه ان تكتب عن ذكرياتها في bbc هيئة الاذاعة البريطانية القسم العربي ، ويبدو ان قرار الاغلاق تحريض كبير لهذا الطوفان الجميل من الذكريات التي عاشتها الاستاذة غادة السمان في أجواء مدينة الضباب ومبنى ( بوش هاوس ) وادباء وفناني الزمن الجميل .. وفي كتاب الجسد حقيبة سفر تتحدث فيه النبيلة غادة عن ذكرياتها مع صاحب رواية ( موسم الهجرة الى الشمال ) الطيب صالح .. عرفه العالم العربي مؤخرًا ، عبر رواية قصيرة اسمها ( موسم الهجرة الى الشمال ) وكتب عنها نقادنا العرب بلا محاباة ولا مداراة ، وقالوا انه الروائي الاول الجديد .. وقالوا ذلك من اجل نتاجه ، ودون ان يعرفوا الكثير عن شخصه ، ربما لم ير اكثرهم حتى وجهه … وجهه امامي نجلس في بار صغير قرب دار الـ ( بي. بي. سي ) في لندن حيث يعمل. واولغا أو جريدي العراقية ، الرائعة المثقفة ، والاديبة حتى الصمت
    والرفض نتحدث ، بلا محاباة. بلا مداراة. يمر بنا الناس دون ان يلحظنا أحد ، لسنا سوى ثلاث نملات في عش يضم ٨ ملايين نملة …
    أتابع اذاعة bbc منذ زمن طويل واستمع باستمرار لبرنامج ذاكرة اذاعة والصوت الجميل للاستاذ حسن الكرمي واجاباته في برنامجه قول على قول .
    تحياتي
    نجم الدراجي – بغداد

    1. يقول نجم الدراجي - العراق:

      تعديل املائي : لا أتخيل كيف أفارق برامج bbc عربي
      تحياتي
      نجم الدراجي / بغداد

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    كنا محرجين في شراء البيوت بالنرويج قبل ثلاثة عقود بسبب الفوائد البنكية الحرام , رغم حاجتنا الماسة لذلك !
    أفتى الشيخ القرضاوي رحمه الله قبل عقدين بجواز شراء بيت للسكن فقط بواسطة البنوك الربوية ,
    و تحت عبارة : الضرورات تبيح المحظورات !!
    المجلس الإسلامي الأوروبي وافق على هذه الفتوى بالإجماع ,
    وبدأ معظم المسلمين بالغرب بشراء المنازل للسكن !!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول عمرو - سلطنة عمان:

    لا أعتقد أن هناك أجمل من أن نصبح شركاء هذه الذكريات التي ستصبح أرشيفا فهي تضم أسماء اساتذة وأدباء قد لا يأتي الزمن بمثلهم.. لا يواسي حزننا على وداع هذا الصرح الإعلامي الا تلك الذكريات التي تدفئنا من الداخل.

    لم أستطع وأنا أقرأ النص الا أن أتخيل صوت السيدة غادة وهي تقرأ القصة التي كتبتها من وحي أولغا لا أعلم ان كنا يوما سنستطيع الإستماع إلى تلك الحلقات أم ستبقى مفقودة كما حلقات البرنامج الإذاعي الذي قدمته في إذاعة دمشق في الستينيات.

  5. يقول أفانين كبة - كندا:

    كم جميلة وثرية هي ذكرياتك سيدتي النبيلة ، وكأن أرواحنا كانت تحوم و ترفرف حولك في كل جولة ورحلة كنت تقومين بها ، وحتى وأن تم إلغاء القسم العربي في ال بي بي سي ، سيبقى صدى صوتك محفوظا في الأثير .
    في كتاب “ الجسد حقيبة سفر “ ذكرت فيه الأديبة غادة السمان عن لقاءها في لندن سنة 1968 ، بالروائي السوداني الطيب صالح ومع السيدة العراقية أولغا المتزوجة من الشاعر الإيرلندي الكبير أوجريدي ، وكما تصفها بالإنسانة الرائعة المثقفة ، والأديبة حتى الصمت والرفض ..وأن خلف صمتها جدارا تغطيه الكتب ، وحياة حافلة بالعمق والمعرفة. أما ما كتبت عن الطيب الصالح هو أنه متواضع كالعشب ، ولا يدري كم هو مبدع وبحق .. وما تزال في ضحكته تلك البراءة الطفولية التي نجدها في قاع العباقرة عادة . وتقول عنه أيضا : هو القابع في الظلمة والضباب ، من الأدباء العرب المعاصرين القلائل الذين سيخلدون ، أي سيبقون حتى بعد إنحسارهم عن مراكزهم ومقاهيهم ونواديهم .
    أفانين كبة – كندا

  6. يقول سوري جدا:

    أختي الكريمة ست الشام الحبيبة
    ل بي بي سي فضل كبير على العرب لأنها على أقل تقدير كانت تقدم الأخبار التي كانت انظمة العرب تحجبها على المواطنين وكان والدي من محبي الإذاعة وفي وقت النشرة المسائية كانت أذنه دائما على المذياع على إذاعة بي بي سي وللأسف أنها توقفت وقد خرجت الكثير من الإعلاميين العرب أيضا.

  7. يقول سيف كرار... السودان:

    من المستحيل ننسي الايام والليالي التي عشناها وترعرعنا علي سماعها فأصبحت كألفلكلور التراثي لنا وهي إذاعة البي بي سي القسم العربي..

  8. يقول نزار:

    يا أخت غادة أولا شكرا على سردك وشرحك الجميل للموضوع ولكنني اختلف معك بشأن تفسير وقوع الاحداث بالمصادفة . . .اقتباس (( كأن المصادفة هي مدبرة الحياة في عالمنا وحياتنا؟ )) . . . لأنني اعتقد وأؤمن بأن مدبر الحياة والاقدار هو الله الخالق وليست المصادفة ولذلك يستحسن ان نقول (( شاء الله ان صار كذا وكذا ، وشاء الله ان قابلت فلانا ، او حدث امراً بمشيئة الله)) وليس بالصدفة او المصادفة. وتحياتي لك.

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      أخي نزار, هل المصادفة هي خارج إرادة الله وعلمه؟ بالطبع لا لأن المصادفة هي ماهو خارج إرادة الإنسان ومعرفته! فلماذا هذا الخلط بين الإنسان وإرادته وعقله وبين الله وقضاءه وقدره.

  9. يقول مجتهد:

    المتعارف عليه أن ال بي بي سي القسم العربي أُنشئ للدعاية البريطانية خاصة قبيل الحرب الكونية الثانية أي لتخدير العرب و جعلهم يميلون لدعم موقف بريطانيا سياسياً وعسكريا في الحرب ولكن وياللعجب بعد الحرب تحولت الإذاعة إلى حاضنة للكوادر العربية وكانت أخبارها موثوقة بشكل لا يقبل الجدل بل أن الخبر الذي لا تؤكده ال بي بي سي يكون خبراً مشكوك بأمره وينتظر الناس تأكيده من قبل ال بي بي سي قبل أن يصدقوه. شخصياً كنت مسحور بهذه الإذاعة وبأصوات مجلجلة فيها كصوت المذيعة الأردنية التاريخية المخضرمة مديحة رشيد المدفعي وفي الأدب لم يكن هناك برنامج يعلو على برنامج “قول على قول” للمرحوم الدكتور حسن الكرمي وفي الرياضة أفتيم قريطم إلخ والمسلسلات الإذاعية التي كانت تقدمها الإذاعة كانت غاية في الروعة والإتقان. ليس غريباً أن قناة الجزيرة وبغيت نجاحا منذ اللحظات الأولى لإنطلاقها عام 1996 اعتمدت بشكل شبه كلي على كوادر من ال بي بي سي. أما اليوم وللحقيقة نقول ال بي بي سي قد اضمحلت وماتت من زمان وسقطت من أعين الناس بسبب تحيزها وبالتالي آن لها أن تموت ويطوى أمرها وحسن فعلت إدارتها بتوقيفها عن الهذيان والسكوت.

  10. يقول عبد الرحيم المغربي .:

    رغم أن القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية تم إنشاءه لأسباب سياسية تخذم المصالح البريطانية… إلا أنه حقق وحدة عربية على مستوى الكفاءات المتميزة التي اشتغلت فيه…وكانت اغلبها من المهاجرين من واقع الإستعمار والانقلابات والتسلط السياسي والمخابراتي…؛ وشمل ذلك التميز تقديم الأخبار ومعالجتها…والبرامج الثقافية والموسيقية والسياسية ..؛ وأصبحت أسماء العاملين هناك مألوفة عند المستمعين بشكل يقارب تلك الحميمية العائلية…من أمثال سامي حداد مديحة المدفعي محمد الأزرق عاطف عبد الجواد موسى بشوتي… أكرم صالح هدى الرشيد… إلخ…ولازالت أتذكر …وكنت حينها صغيرا ..تلك المسرحيات الإذاعية التي ساهم فيها مذيعوا القسم.. واسماء فنية معروفة مثل عبد الرحمان أبو زهرة… وصلاح منصور…وكذلك برنامج ندوة المستمعين الذي استقطب أسماء كثيرة…وكانت من بينهم إبنة هرم المسرح العربي عزيز عيد وأيقونة السينما فاطمة رشدي ..وهي الفنانة التشكيلية الحاملة للجنسية البريطانية…عزيزة عيد.. وشكراً للجميع.

    1. يقول المؤمنة بالله:

      يعني لا يهمك قط إذا كانت الكفاءات العربية المتميزة تخدم المصالح البريطانية الاستعمارية والإمبريالية ما دام العرب العاملون في الـ BBC يحققون “وحدة عربية على مستوى هذه الكفاءات المتميزة” – ولله في خلقه شؤون!!

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية