بدأت تتبلور للعيان ملامح انشقاق مجتمعي يهودي غير مسبوق منذ إنشاء دولة إسرائيل. وبدأ هذا الانشقاق يتمدد ليشمل اليهود ممن يعيشون خارج إسرائيل، وبالأخص الجالية اليهودية الأمريكية ذات النفوذ المالي والسياسي الكبيرين. من السابق لأوانه معرفة مدى تأثير هذا الانشقاق على مستقبل الدولة اليهودية ولم يمض بعد عدة أيام على تشكيل الحكومة الأكثر تطرفا وعنصرية في تاريخ إسرائيل. ولكن من الواضح أن عددا كبيرا من اليهود أنفسهم، داخل وخارج إسرائيل، ممن تغاضوا عن الممارسات العنصرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، يواجهون اليوم ممارسات عدائية وتمييزية ضدهم أيضا تُدخل إسرائيل اليوم في مرحلة جديدة وتشعل أزمة في صفوف المجتمع الإسرائيلي.
بدأت الحكومة الإسرائيلية الجديدة «بتديين» الجيش وذلك لنيتها تعيين حاخام أكبر في الجيش يتبع المؤسسة الدينية وليست العسكرية. هذا أمر غاية في الخطورة بالنسبة للعديد من الإسرائيليين من شأنه أن يهدد استقلال الجيش وقد ينتج عنه إعطاء أوامر للجنود قد تتعارض مع تلك من المؤسسة العسكرية وهو ما حدا بقائد الجيش القيام باتصال هاتفي مشحون مع نتنياهو يحذره من مغبة هذا الإجراء.
ايضا، هناك محاولات من عدد من أعضاء الحكومة الجديدة لتديين المجتمع، والتمييز قانونيا بين الإسرائيليين المتدينين والمدنيين، عدا موضوع الخدمة العسكرية، بما يعني أن التمييز العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين العرب يمتد اليوم ليشمل الإسرائيليين اليهود. وقد بدأت أيضا عاصفة من الاحتجاجات داخل إسرائيل لا نعرف مدى عواقبها بعد.
بدأت تتبلور للعيان ملامح انشقاق مجتمعي يهودي غير مسبوق منذ إنشاء دولة إسرائيل. وبدأ هذا الانشقاق يتمدد ليشمل اليهود ممن يعيشون خارج إسرائيل، وبالأخص الجالية اليهودية الأمريكية ذات النفوذ المالي والسياسي
فوق كل ذلك، فإن بعض أعضاء الحكومة الجديدة المتطرفين دينيا يشككون في يهودية الكثيرين وخاصة يهودية أغلب أعضاء الجالية الأمريكية اليهودية، إذ لا يعترفون بيهوديتهم متهمين إياهم باعتناق اليهودية من الخارج عوضا عن انحدارهم من اليهود «الأصليين». ويعني ذلك أنهم يريدون تغيير القانون الذي يعطي الجنسية الإسرائيلية تلقائيا لأي يهودي يأتي من الخارج ويطلبها، إضافة إلى أمور أخرى يتعلق معظمها بالأحوال الشخصية.
بالطبع، لا بد وأن يحدث ذلك انشقاقا كبيرا بين اليهود الأمريكيين ويهود الداخل، ولا تملك إسرائيل أن تتجاهل هذا الموضوع دون أن يؤثر ذلك مستقبلا على الموقف السياسي الأمريكي تجاه إسرائيل ومن جملته المساعدات الجمة التي تأتي لإسرائيل من الجالية اليهودية الأمريكية.
لا زالت الولايات المتحدة، سواء من ناحية الإدارة أو المنظمات اليهودية، تحاول معالجة الموضوع بصورة هادئة تفوح رائحة المعايير المزدوجة منها. فلو شكلت مثل هذه الحكومة من قبل أي دولة أخرى في العالم، لأقامت الولايات المتحدة الدنيا ولم تقعدها. وفي حين تستنكر المنظمات اليهودية الأمريكية وتهاجم بشدة أي تمييز ينال اليهود الأمريكيين، فقد بقيت ساكتة ضد الممارسات العنصرية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. ولكن هذه المنظمات لن تستطيع الاستمرار في سكوتها إن تمادت إسرائيل في معاملتها التمييزية ضد أعضائها الذين لن يبقوا ملتزمين الصمت إلى ما نهاية.
يضاف إلى هذا الانشقاق الذي بدأت بوادره في الظهور ممارسات إسرائيلية ضد الفلسطينيين والأردن والمجتمع الدولي يجب عدم التستر عليها. وقد بدأت بوادر هذه الممارسات بالظهور من خلال قيام وزير الأمن القومي العنصري ايتمار بن غفير بانتهاك حرمة المسجد الأقصى بمرافقة أمنية، وهو ما أشار إليه الملك عبدالله الثاني في مقابلته الأخيرة مع شبكة CNN، محذرا من الإخلال بالوضع القائم. ومما لا شك فيه أن تكرار الانتهاكات الإسرائيلية لحرمة المسجد الأقصى ستؤدي إلى مواجهات عنيفة مع الجانب الفلسطيني، إضافة إلى مواجهات مع الأردن والمجتمع الدولي.
كما أن الانتهاكات الإسرائيلية لا تقتصر فقط على المقدسات الإسلامية وتمتد لتشمل أهل المدينة المقدسة من المسيحيين وتناقص أعدادهم بشكل خطير. وقد حذر الملك عبدالله الثاني في ذات المقابلة مع شبكة CNN من هذا الأمر وبالأخص بعد تناقص أعداد الفلسطينيين المسيحيين في فلسطين من عشرين بالمائة في بداية القرن الماضي الى أقل من واحد بالمائة اليوم، بما في ذلك في مدينة القدس.
ماذا يعني ذلك، وبخاصة للمجتمع الدولي؟ بكل بساطة، هناك ثلاثة أخطار محدقة جراء هذا التناقص. يكمن الخطر الأول في أن تتحول المقدسات المسيحية في فلسطين، وخاصة في القدس، الى مجرد متاحف إن اندثر الوجود العربي المسيحي فيها، وذلك بعد ألفي عام من هذا الوجود المستمر غير المنقطع منذ ولادة المسيحية. أما الخطر الثاني فهو إضعاف التعددية الدينية الموجودة في القدس وفي فلسطين إضعاف لن يستفيد منه إلا إسرائيل. أما الخطر الثالث فهو تصوير إسرائيل للغرب بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صراع ديني بحت بين اليهود والمسلمين، وأن الغرب المسيحي غير معني بهذا الصراع مادام ليس هناك مسيحيون فلسطينيون يعيشون داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل.
هناك حاجة ماسة اليوم لبلورة خطاب إعلامي عربي متماسك لشرح الوضع المتردي الناتج عن تشكيل مثل هذه الحكومة العنصرية وذلك من منطلق انتهاك إسرائيل للحقوق الفلسطينية وللآثار الكارثية لهجرتهم أو تهجيرهم من أرضهم، بما في ذلك أثر هجرة العرب المسيحيين على المقدسات المسيحية وإلباس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لباسا دينيا متطرفا. وهو خطاب لا بد وأن يجد اذانا صاغية للمجتمع الغربي الذي بدأ يولي موضوع الحقوق أهمية أكبر من السابق، خاصة لدى الرأي العام الشعبي.
كاتب أردني
مقال جيد.
أعتقد بان هذه التحذيرات واقعية.
ولكن على الدول العربية المطبعة وغير المطبعة ان تقوم بحملة دبلوماسية قوية وخاصة مع الأعضاء الدائمين في مجلس الامن للامم المتحدة لإصدار قرار ملزم يطالب اسراءيل بالانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف.