واشنطن ـ «القدس العربي»: من رائد صالحة: تقود دائرة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية مكتبا خاصا للقضاء على ظاهرة المقاتلين الاجانب الذين انضموا للجماعات المتشددة في سوريا والعراق، ورغم ان هذا الامر لم يعد سرا في واشنطن الا ان « القدس العربي « تمكنت من التقاط الادوات التى تستخدمها « غرفة الحرب الخلفية « التى تم تشكيلها بعناية وتمهل ردا على القلق البالغ الذي تشعر به الولايات المتحدة ازاء التهديد الخطير القادم.
يقدر مجتمع الاستخبارات الأمريكية ان عدد الجهاديين الاجانب الذين سافروا إلى سوريا والعراق منذ يناير / كانون ثان 2012 قد بلغ 16 الفا حضروا من تسعين بلدا بما في ذلك الولايات المتحدة، ووفقا للتصريحات المتكررة للادارة الأمريكية فان هولاء يمثلون تهديدا للناس في العراق وسوريا ويهددون استقرار المنطقة بأسرها كما انهم يمثلون تهديدا خطيرا للولايات المتحدة وشركائها على الصعيد العالمي وهنالك قلق أمريكي وغربي واضح من ان المقاتلين المتمرسين على القتال سيعودون إلى اوطانهم لتنفيذ هجمات قاتلة.
الملاحظة الاولى التى يمكن رؤيتها بوضوح حول ماهية وطبيعة هذا المكتب تاتى من شبكة العلاقات المذهلة والمعقدة التى تم نسجها للحصول على معلومات دقيقة ووافية عن كل مقاتل اجنبي سافر او ينوى السفر إلى الشرق الاوسط بهدف الانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات المتشددة وهي شبكة تتكئ بالدرجة الاولى على المعلومات التى تمتصها من غالبية الوكالات الأمنية والاستخبارية الأمريكية بما في ذلك وزارة الأمن القومي، والاهم من ذلك كله، اعتمادها على قناة غزيرة من المعلومات الأمنية المستقاة من الحكومات الاجنبية واجهزة المخابرات وخاصة من الدول العربية والاوروبية.
الأمر البالغ أهمية في هذه الملاحظة هو حرص المكتب على توقيف ومنع سفر اى مقاتل اجنبي قبل وصوله إلى الشرق الاوسط من خلال تبادل المعلومات بين الدول المعنية بكل حالة وضمان ادخال الاسماء المشبوه في قواعد بيانات فحص المسافرين، ولهذا الغرض قامت الولايات المتحدة ايضا بدعم انشاء خلية خاصة في « الانتربول « للمساعدة في نشر اسماء المشتبه بهم والطلب من جميع دول التحالف بشكل خاص باستخدام بيانات « الانتربول « المتعلقة بوثائق السفر المفقودة والمسروقة.
وتبذل الجهات الأمنية الأمريكية بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالية والمركز القومي لمكافحة الإرهاب المنفصل عن دائرة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية واجهزة الاستخبارات المزيد من الجهود لتتبع المقاتلين الاجانب الذين قاتلوا في سوريا ويسعون لدخول الولايات المتحدة عبر دولة ثالثة. وبالفعل نجح المكتب بالتعاون مع « اف.بي.اى» باعتقال عدد من الافراد وهم يحاولون السفر من الولايات المتحدة إلى سوريا.
المهمة الثانية التى يقوم بها المكتب تقوم على تعزيز التعاون مع الدول الشريكة للولايات المتحدة في مجال سلطات تنفيذ القانون وخاصة وزارات العدل وقوات الشرطة وتقديم مساعدات قانونية ضمن اطار المعاهدات الثنائية وتطوير ادلة لتقديم الإرهابيين المشتبه بهم إلى المحاكمة، ووفقا للمعلومات التى حصلت عليها « القدس العربي « فان هذه المهمة كانت تستهدف بالدرجة الاولى دول غرب البلقان حيث حاولت الولايات المتحدة مرارا نقل تجربتها في ادارة الحالات المعقدة للإرهاب إلى هذه الدول من اجل صقلها مع النهج الخاص للسلطات في تلك المنطقة ولكن المكتب نقل هذه الخدمات، ايضا، إلى الدول العربية.
اما الاولوية الثالثة لهذا المكتب فهي بناء قدرات امنية لجميع الدول التى لديها خبرة قليلة او معدومة في التعامل مع التهديد القادم من المقاتلين الاجانب وخاصة فيما يتعلق بتعزيز التشريعات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وعلى سبيل المثال، حرضت الولايات المتحدة الكثير من الدول على تجريم حضور معسكرات تدريب الإرهابيين كما قامت وزارة الخارجية الأمريكية عبر هذا المكتب بانشاء « مراكز انصهار» كوسيلة لتعزيز التعاون بين وكالات الاستخبارات والشرطة والمدعين العامين.
الوظيفة الرابعة لهذه المكتب هي وقف تدفق التمويل الخارجي للمنظمات الإرهابية، ومن ابرز النجاحات التى حققتها الخلية في هذا الشأن بالتعاون مع وزارة المالية انشاء برنامج يدعى « العطاء الجيد «، وهو برنامج يحدد المنظمات التى يمكن التبرع اليها من اولئك الذين يردون حقا تقديم مساعدات انسانية في سوريا.
وترددت مؤخرا في الاونة الاخيرة معلومات مضطربة في وسائل الاعلام العالمية والعربية حول انشاء مركز أمريكي سري للتعامل مع وسائل الاعلام الاجتماعية ضمن نطاق الحرب ضد تنظيم « الدولة الإسلامية «، المعلومات التى حصلت عليها « القدس العربي « تؤكد بما لا يدعو للشك صحة هذه التلميحات الاعلامية حيث اتضح بان الخلية تنفذ ذلك بشكل مباشر من خلال مركز يدعى « مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب « او باختصار « سي.اس.سي.سي «، ومهمته ارسال رسائل عبر الانترنت باللغة العربية والاوردية والصومالية المحلية اضافة للغة الانجليزية ضد الجماعات الإرهابية بعد ان توصلت الادارة الأمريكية إلى قناعة بعدم استخدام اسلوب تدمير الرسائل الدعائية التى تبثها هذه الجماعات او الافراد الذين يبثون عبر الفضاء الالكتروني رسائل تعاطف او موالاة لانها غير مثمرة والاستعاضة عنها باسلوب الدعاية المضادة.
المهمة السادسة لهذه المكتب هي مواجهة التطرف العنيف عبر البحث عن كل السبل المناسبة لابعاد الافراد من التوجه للتطرف والانتماء للمنظمات الإرهابية، ووفقا لشهادة مستشار كبير لهذه الخلية هو روبرت براتكي من مكتب مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية فانه لا توجد اجابات بسيطة او اسباب واحدة تفسر سر رغبة الشخص للسفر إلى سوريا والانضمام لداعش او جبهة النصرة ولكن المكتب يحاول البحث عن طرق مختلفة بالتعاون مع دول التحالف للتخفيف من حالات الاتجاه إلى التطرف مثل الوصول إلى البسطاء من خلال الحكومات المحلية ووسائل الاعلام وزعماء الدين او حتى من خلال تقديم المساعدات للاسر التى تشك بتاثر احد افرادها بدعايات التطرف.
وقد اتضح وفقا للسجلات المتسربة بهذا الشان ان المكتب يدعم بشكل خفى عدة برامج وطنية أمريكية محلية تدعى «سي.في.ايه» تقوم بهذه المهمة وهنالك محاولات لتوسيعها إلى عدة دول عربية تحت مسميات اخرى.
الاهتمام السابع والاخير لمكتب القضاء على ظاهرة المقاتلين الاجانب هو امن الحدود والمطارات عبر تشديد برنامج الاعفاء من التشيرة وتعزيز الاجراءات الأمنية في المطارات وخاصة تلك التى تمثل المحطة الاخيرة للتوجه إلى الولايات المتحدة، وقد عمل المكتب بجد مع الاتحاد الاوروبي لوضع اللمسات الاخيرة على نظام تسجيل اسماء الركاب وتشديد نظام « شنغن «لمعلومات فرز المسافرين.
ومن بين الخطوات القادمة في هذا الاتجاه زيادة استخدام « التصريح المسبق» في المطارات الاجنبية التى تنقل رحلات إلى الولايات المتحدة، وهو يعنى فحص جميع الركاب وامتعتهم قبل المرور عبر الجمارك بواسطة سلطات امنية أمريكية بعد منحها السلطات القانونية الكاملة من الدول المضيفة، وقد تم استخدام هذا الاسلوب منذ فترة طويلة في مطارات كندا ودول منطقة البحر الكاريبي، وخلال السنوات الاخيرة تم توسيعه إلى مطارات ايرلندا والامارات العربية المتحدة.