برامج النميمة: من ‘الاتجاه المعاكس’ إلى تليفزيون الحارة
10 - مايو - 2013
حجم الخط
1
لم يتوقع خبراء الإعلام أن تنتشر البرامج المسماة ‘بالتوك شو’ بهذه السرعة المذهلة، على شاشات الفضائيات العربية. لكن نجاح تلك البرامج على شاشة قناة الجزيرة وانتشارها السريع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أغرت العاملين فى مجال ‘الميديا’ العربية على الدخول إلى ذلك السوق، على استحياء فى بداية تجربة هذه النوعية التى استطاعت بها قناة الجزيرة تحويل قطاع كبير من المشاهدين إلى شاشتها. فبدأ التقليد قبل ما يسمى بثورات الربيع العربي بنوع من التحفظ الشديد، حتى لا تقع تلك المحطات، تحت طائلة المساءلة القانونية أو السياسية ومع الانفلات القانوني والسياسي الذي أصاب تلك الدول، ظهرت العشرات من تلك النوعية البرامجية، بشكل يدعو للوقوف على هذه النوعية من البرامج، بدءا بالاتجاه المعاكس الذي قدمه الدكتور فيصل القاسم، مرورا بالعاشرة مساء، وحتى برامج الهواة على وصلات الحارات والشوارع. قبل أن نطرح تساؤلا مهما عما قدمته تلك البرامج للمتلقي العربي على مستوى الخبرية والمعلوماتية، يجب أن نشير إلى أن كلمتي ‘توك شو’ تعنيان فى ترجمتها ‘الاستعراض بالكلام. كلام الحفلات. كلام النميمة’ فالمعاني اللغوية لم تختلف كثيرا عن المعاني الاجرائية. فبالعودة إلى الاتجاه المعاكس، الذى اعتاد مقدمه على طرح عدة تساؤلات فى بداية الحلقة، يعقبها صدام بين وجهتى نظر مؤيدة ومعارضة للموضوع محل النقاش يعتمد مقدم البرنامج خلال سير الحلقات على إثارة الإنتباه القسري عند المتلقى بإستخدام آلايات علوم النفس، فيعمد إلى الصوت المرتفع و لغة الجسد المعبرة عن الحالة التى يتبناها مقدم البرنامج ويحاول بقدر الامكان ألا يظهرها للمشاهد، ويظل النقاش بين طرفي الصراع محتدما حتى إذا ما هدأت الحلقة، أعادها مقدم البرنامج باحترافية شديدة إلى السخونة المطلوبة، فى مشهد أقل ما يوصف بمحاولات الباعة الجائلين لحظة الصراخ على عرباتهم الخشبية لمحاولة جذب انتباه الزبائن. إن كنا نعتبر الإعلام وسيطا خبريا وثقافيا، فعلى المتلقي أن يسأل نفسه مع نهاية كل حلقة. ما الاستفادة وما التنوير من متابعة مثل هذه الحلقات النارية ؟ فلا هي قدمت حقائق ثبوتية، ولا قضايا تنورية، تدفع المشاهد وتحرضه على محاولة اكتشافها. ربما كان برنامج العاشرة مساء، التي قدمته منى الشاذلي أكثر نضجا من الاتجاه المعاكس على مستويات الاعداد والتقديم والاخراج، فكان الطرح هادئا رصينا، لكنه لا يخل هو الآخر من الاستعراض بالكلام، وإن أعاد المتلقي ذات السؤال السابق، لن يخرج عن اطار ما قدمه الدكتور فيصل القاسم، لكن فى قالب جديد. وعلى هذا النهج قدم عمرو أديب برنامجه ‘ القاهرة اليوم ‘ وقدمت لميس الحديدي ذات النسق، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال، أن تلك البرامج خاوية تماما إلا من الضجيج والاستعراض والبيع والشراء لجذب أكبر عدد من المشاهدين، فربما تكون النوايا صادقة فيما يقدمه البعض، لكننا فى النهاية لا نتعامل مع نيات إنسان ومشاعره تجاه القضايا الكبرى، بقدر ما نتعامل مع مقدمات تقود إلى نتائج. فكانت نتيجة ما قدمته الفضائيات العربية من برامج ‘التوك شو’ مسار خلق فجوات من حيرة وقلق، بين المتلقي وثوابته المعرفية، فظهر عوار تلك البرامج التى افترض فيها المشاهد، سعيها الحثيث على طريق التنوير والرقي، فاصطدم بالاستعراض والزيف والنميمة. فصدقت الترجمة التى نقلت لنا ‘التوك شو’ على أنه كلام النميمة، فرفقا بالمشاهدين.
نجد أنفسنا أمام تفسير واضح وواعى لما يحدث على الساحة الأعلامية لكاتب يمتلك القدرة على التحليل متجردا من توجهاته الفكرية وهنا يكون لرصده المهنية والمصداقية مجتمعة وهو مانفتقده فى تليفزيون الحارة ….
نجد أنفسنا أمام تفسير واضح وواعى لما يحدث على الساحة الأعلامية لكاتب يمتلك القدرة على التحليل متجردا من توجهاته الفكرية وهنا يكون لرصده المهنية والمصداقية مجتمعة وهو مانفتقده فى تليفزيون الحارة ….