الرباط ـ «القدس العربي» : بعد الجدل الذي أثاره التصويت على مقترح القانون القاضي بإلغاء وتصفية معاشات أعضاء الغرفة الثانية في البرلمان المغربي «مجلس المستشارين» قرَّر هذا الأخير، في جلسة أول أمس، عدم التصويت على مقترحي القانون المتعلقين بتصفية معاش أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس المستشارين، وإرجاعهما إلى اللجنة المختصة قصد التدقيق وإعادة النظر في مضمونهما.
وتسبب مقترح قانون لتصفية معاشات النواب المستشارين في جدل كبير من طرف متابعين للشأن السياسي في البلاد ممن ساروا إلى وصف ما وقع بـ«الفضيحة السياسية والريع السياسي» بعد أن اتضح أنه «يستهدف أموالاً عمومية» حيث سيتم ضخّ أموال الدولة في حسابات المستشارين على شكل ما يُطلق عليه المساهمة الكلية، ويُقصد بها كل من واجبات اشتراك المنخرطين إلى جانب مساهمات «مجلس المستشارين».
زعزعة الثقة في السياسة
البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حنان رحاب، وصفت النقاش الذي خاضه أعضاء مجلس المستشارين بخصوص تصفية المعاشات بكونه «لا يتماشى مع اللحظة التي يعيشها المغاربة، وظروف الجائحة» وتابعت أن المغربي تربى على التضامن وهذا ما لمسناه منذ بداية الوباء إلى الآن».
وأكدت لـ«القدس العربي» أنه وبعد الضغط المجتمعي من أجل إلغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء في المغرب، يأتي المستشارون بمقترح قانون «غير أخلاقي» ولا يتماشى مع روح التضامن، من أجل تصفية معاشاتهم.
«من غير المعقول تصفية صندوقهم عبر الاستفادة من مساهماتهم وكذلك مساهمات الدولة» توضح رحاب، لافتة إلى أنه من الواجب أن تعود مساهمات الدولة لها أو تذهب لصندوق كورونا مثلاً الذي ما يزال يحتاج لضخ مزيد من الأموال على اعتبار أننا لا نزال نعيش تداعيات الوباء».
برلمانية حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» (المشارك في الحكومة) ختمت كلامها بالقول إن مقترح القانون الخاص بتصفية معاشات المستشارين لا تترجم الروح الجديدة لتصالح المغاربة مع السياسة والسياسيين، ويمس ثقة المواطن المغربي فيها. كما أنه نابع من مصلحة فردية وليست فضلى.
وقالت أمينة ماء العينين النائبة البرلمانية عن حزب «العدالة والتنمية» إن قرار «مجلس المستشارين» في الجلسة العامة، الثلاثاء، قرار إيجابي وجاء تصحيحاً للخطأ الذي وقع. وقالت البرلمانية لـ «القدس العربي» إن مقترح القانون كما تم التصويت عليه في لجنة المالية شابته أخطاء كما أن مضمونه لم يكن معقولاً، وشددت المتحدثة بالقول: «منذ البداية لم يكن مفهوماً أن يكون هناك نظام واحد بصندوقين للتقاعد، فالمفروض أن نتوفر على صندوق واحد وبقانون واحد كذلك، على أن تتم تصفيته بنفس الطريقة».وأبرزت القيادية في حزب «العدالة والتنمية» القائد للائتلاف الحكومي، أنه كان من الأجدى بمجلس المستشارين أن يحذو حذو مجلس النواب، مشددة على أن «استرداد مساهمات من ميزانية البرلمان/ مال عمومي، بدعوى أن النظام أفلس لا معنى له حتى لو كان هناك فائض في الصندوق».
وخلصت ماء العينين قائلة: «بعد إرجاع الاقتطاعات التي أعتبرها حقاً، من اللازم إعادة الأموال لخزينة الدولة أو لميزانية المستشارين من أجل استثمارها في عدد من المشاريع» وفق تعبير المتحدثة.
مراجعة جذرية
وتوقعت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة (المعارض) ابتسام عزاوي، أن تتم مراجعة مقترح القانون الخاص بمعاشات أعضاء مجلس المستشارين بشكل جذري، واعتماد نفس صيغة مقترح قانون المعاشات الخاص في أعضاء مجلس النواب.وبخصوص موقف حزب «الأصالة والمعاصرة» أكدت البرلمانية لـ «القدس العربي» أن الفريق كان سيصوت بالرفض على الصيغة التي قُدِّم بها في حال لم يتم سحب مقترح القانون بعد الضجة التي أثارها وما رافقه من غضب وانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأبرزت السياسية المغربية أن الشبكات الاجتماعية صارت سلطة خامسة، حيث باتت يقظة وتتفاعل بسرعة مع المتطلبات، كما تعمل على تنبيه الفاعل السياسي بما يقوم به من أخطاء جماعية، كما وقع مع مقترح قانون تصفية معاشات المستشارين، قبل أن يتم تدارك الأمر. رجَّة مواقع التواصل الاجتماعي، وفق تعبير عزاوي تُساءل السياسيين المغاربة عن الآليات التي يقوم عبرها باتخاذ قراراته وإنتاج مواقفه الحزبية، لافتة إلى أنها لا تستوعب كيف يمكن أن يُقدِم حزب سياسي بفريقين أحدهما بمجلس النواب يصوت بالرفض على صيغة معينة لتصفية معاشات البرلمانيين ويقول إن المال العام خط أحمر، وفي الغرفة الثانية يصوت على صيغة مغايرة تماماً لتصفية معاشات المستشارين، ويعتبر أن المال العام حق مستباح.