برلمان الأردن وسؤال «الإخوان»: الجواب عند العرموطي

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي»: لا توجد ضمانة بنجاح الفكرة أو الخطة. لكن المرشح الأبرز عملياً لرئاسة مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي، خطط جيداً للمحاولة وبدأها عملياً من مصافحة تشاورية نادرة ولها دلالاتها مع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، أهم ما فيها أنها مصافحة سياسية استباقية يوحي الصفدي ضمناً بأنها قابلة للاستثمار والتعمق مستقبلاً عندما يجلس على رئاسة كرسي البرلمان.

عصفوران بحجر

بعيداً عن الإجابة الحذرة والمسيسة في الواقع التي سمعها الصفدي عندما قابل العضايلة، يمكن القول إن الأول خطط بوضوح ومن باب التحليل السياسي لضرب عصفورين بحجر واحد معاً، عندما فتح باب حوار مفترض تشاوري الطابع مع قيادة الإخوان المسلمين في رسالة للأجهزة الرسمية قبل الحركة الإسلامية عملياً، بصرف النظر عن نتائج اللقاء.
العصفور الأول هو بصورة مرجحة القول ضمناً بأن ترشيح الصفدي لنفسه كرئيس محتمل لمجلس النواب، عملية تجرأت على طرق باب الإخوان المسلمين بالمعنى التشاوري. وهو أمر يتوقع المقربون من الصفدي أن من بين الاحتمالات التي يمكن اصطيادها بعده هو انسحاب مرشح كتلة جبهة العمل الإسلامي الصلب صالح العرموطي، مقابل ترتيب ما، بمعنى ترك الساحة أقل حدة وتنافساً أمام الصفدي.
العصفور الثاني يتمثل في رسالة يقول فيها الصفدي ضمناً إن ما يقدمه للتيار الإسلامي قد لا يقدمه الآخرون في هذه المرحلة الحرجة ما دامت أجواء الثقة لا تزال مهزوزة بين الحركة الإسلامية والدولة. وهنا قد تبرز خطوة الصفدي الذكية في لقاء العضايلة حتى يصطاد العصفور السياسي الثاني، وهو حصراً تجنب «خيانات محتملة» في حال ترشح العرموطي من نواب آخرين وسطيين أزعجهم على الأرجح صعود الدخان الأبيض لصالح الصفدي باسم تيار وسطي عريض قد يصل إلى 75 نائباً سيقفون خلف الصفدي والتصويت له، وفقاً للتقدير الذي سمعته «القدس العربي» من حليف الصفدي وشريكه في حزب الميثاق النائب إبراهيم الطراونة.
عملياً، ما يريده الصفدي بوضوح هو تجنب النوم وسط القبور في معركته الانتخابية، وتجنب سماع أصوات مزعجة. ولتحقيق هذه الغاية، وهي ـ انتخابياً ـ شرعية، فقد اختار الصفدي طرق أبواب الشيخ العضايلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين على أمل أن يعرض ترتيباً ما على قيادة الجماعة وليس الكتلة فقط؛ تجنباً للإحراج المباشر الذي يمكن أن ينتج عن أي طلب شخصي من جهته لصديقه، لا بل لـ«عمه السياسي» صالح العرموطي.

«عصافير» الصفدي في شبكة العضايلة

على أي حال، لا يلام الصفدي على محاولته الاختراقية وسعيه لتجنب أي لعب ضده من شركاء في التيار الوسطي أثناء التصويت بعدما تداول نواب وسياسيون تلك المعطيات، التي تشير إلى أن قرار كتلة جبهة العمل الإسلامي بترشيح العرموطي لمنافسة الصفدي أصلاً انطلق من همسات وغمزات وصلت الكتلة من قيادات في الصف الأول، طرحت مقاربتها على شكل سؤال على الكتلة، واضح أن بعض قياداتها تجاوب معه: أنتم كتلة الأغلبية.. لديكم فرصة شرعية لاستقطاب المستقلين… لماذا لا تترشحون لرئاسة المجلس النيابي؟
ثمة من يتصور أن ترديد مثل هذا السؤال على شكل نصيحة، كان هو المحرك المفصلي في اتجاه قرار الكتلة بترشيح العرموطي، علماً بأن العلاقة ألشخصية وحتى السياسية بين الصفدي والعرموطي، قطعت أشواطاً كبيرة، وهو ما لا ينفيه العرموطي سياسياً في كل حال.
وعملياً أيضاً، مع تقاطعات برلمانية من هذا الحجم، بدا واضحاً أن الصفدي الذي يمكن القول إنه من أعمدة البرلمان الأساسية الآن وقدراته معترف بها في إدارة مجلس جديد بعد مرحلة التحديث السياسي، يسعى مبكراً لتجنب سيناريو الصدام والاحتكاك بالإسلاميين، ولديه حسبة خاصة تقول بإدماج وإشراك المكون الإسلامي في البرلمان في ظل توجهاته ورئاسته، وهو طبعاً ما سمعته «القدس العربي» مباشرة من الرجل عدة مرات، وحتى قبل تسجيل مفاجأة ترشيح العرموطي والتنافس معه.
الانطباع هنا أن الصفدي الذي كان له دور طوال الوقت منذ أكثر من عامين خلف الستائر في منع التحريض على الإسلاميين في أروقة وقنوات القرار أحياناً وفي بعض الاجتماعات السيادية، إنما يريد إكمال مشروعه تحت عنوان استقطاب التيار الإسلامي والتعاون معه، ويصبح ما دفعه إلى طرق باب الشيخ العضايلة بصرف النظر عن الجواب الذي سمعه، ربما هي رغبته في الحفاظ على فكرته ومشروعه بإدماج الإسلاميين وتجنب حالة التنافس الناتج عن ترشيح العرموطي بصيغة تخدم التيار أو الجناح الداعي لإقصاء المكون الإسلامي برلمانياً.
تلك تبقى حسابات في ذهن الصفدي وأركان حزبه الميثاق، ويمكن أن تعرض كبضاعة سياسية للإسلاميين أو غيرهم دون ضمانات بأن يشتري التيار هذه البضاعة بحماسة، وإن كان وجود الصفدي في سدة رئاسة البرلمان إذا لم يكن الموقع مضموناً لمرشح الإسلاميين، خياراً هو الأفضل للتيار الإسلامي بسبب ليس فقط رفض الصفدي علناً لفكرة إقصاء الإسلاميين وإبعادهم ولكن بسبب سجله وتراثه المقر به؛ فقد سبق أن صوت الإسلاميون له عند ترشيحه نائباً لرئيس مجلس النواب، وسبق أن منح العرموطي تحديداً أولوية دائمة في مداخلات ومشاغلات الرقابة والتشريع، خلافاً لأنه حاور قادة البرلمان الإسلاميين عدة مرات.

حسابات الصفدي

لذلك، يصبح السؤال: هل سيتعاطى الظرف الموضوعي عند كتلة جبهة العمل الإسلامي المعارضة إيجابياً مع العرض الذي قدمه الصفدي عبر نافذة الشيخ العضايلة، والذي يمكن وصفه أيضاً في الواقع بأنه متأخر قليلاً أو ليس مغرياً؟
سؤال مثير في الواجهة البرلمانية، لكن الأهم من الإجابة عليه هو فهم وقائع الحوار بين الصفدي والعضايلة على أساس توسيع الثاني لقاعدة التحاور؛ بمعنى إعادة تفاصيل مناصب النواب برمتها إلى ما ستوافق عليه كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي برئاسة العرموطي، مع إبلاغ الصفدي بوضوح أن قيادة الجماعة تدعم خيار الكتلة مهما كان.
وبمعنى آخر، عرض الصفدي المتمثل بإدخال الإخوان المسلمين عبره إلى المكتب الدائم بمقعد واحد طلب منه التباحث بشأنه مع الكتلة.
لكن لاعباً سياسياً ووطنياً لا تنقصه خبرات المناورة مثل الشيخ العضايلة، تقصد تحويل لقاء المصافحة مع الصفدي في اتجاه أكثر أهمية من تقاسم المناصب في مجلس النواب أو التوافق عليها عندما أصر على أن أي تفاهم له علاقة بالمواقع والأدوار والمناصب مع الحركة الإسلامية وكتلتها ومؤسساتها ينبغي أن يلحق ويكون نتيجة لما هو أهم: «إقامة حوار وطني تحت عنوان حماية الوطن وتحدي المخاطر».
الوقت يداهم كل الأطراف انتخابياً قبل يوم 18 من الشهر الجاري، ومفاتيح تدشين الحوار الوطني ليست في جيب الصفدي حتى وإن أرادها الإخوان.
لكن مناورة تكتيكية أسست لحالة تواصل، والصفدي إذا أراد ضرب عصفوريه بالحجر السياسي نفسه فعلاً وتحقيق نتائج مثمرة، فواضح أن عليه أن يقدم أكثر من المعروض للعرموطي ورفاقه وفي غضون أقل من 5 أيام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية