القاهرة – «القدس العربي» : واصل مجلس النواب المصري، أمس الثلاثاء، مناقشة مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، تمهيدا لإقراره وسط اعتراضات حقوقيين ونقابات وأحزاب المعارضة.
وردا على اعتراضات عدد من النواب على مشروع القانون، قال المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، إن المجلس يرحب بأي مقترحات تُقدم من النقابات المهنية والمنظمات الحقوقية أو المؤسسات الوطنية المخلصة، على مشروع القانون الجديد.
الباب مفتوح
وأضاف: “مازال الباب مفتوحا، أمام أي منظمة أو مؤسسة أو نقابة وطنية، لتقديم المقترحات، وسوف يظهر ذلك خلال مناقشة التعديلات، جميعنا مخلصون في حب الوطن ، سواء كنا أغلبية أو معارضة أو مستقلين”.
وتابع: “أُفسح المجال كاملاً، لإرسال النقابات والجهات المعنية تعديلاتها كتابيا، وقامت نقابة الصحافيين ونادي القضاة بإرسال ملاحظاتهما الخاصة بالتعديل. وردت لجنة الشؤون الدستورية على الملاحظات مشيرة إلى أن أولها تم مراعاته بالفعل في مشروع القانون، وثانيها فيه شبهات دستورية، وثالثها هو موضع مناقشة مطروحة أمام نواب الشعب.
وأعلن النائب أحمد بلال البرلسي، عضو مجلس النواب عن حزب التجمع، تمسكه بموقف الهيئة البرلمانية للحزب بالامتناع عن التصويت من حيث المبدأ، على مشروع القانون.
وطالب بدعوة القوى الوطنية والمجتمعية والسياسية للحوار بشأن المشروع للخروج بقانون مستند إلى أكبر قاعدة من التوافق الوطني.
وقال: حريصون جداً على هذا المشروع وهذا يدعونا أيضا إلى الحرص على أن يخرج في إطار أكبر حالة من التوافق الوطني.
وأضاف: مجلس النواب له الحق الكامل في إقرار القانون لكن ليس بالضرورة أن يمتلك الحقيقة الكاملة، والمجلس يدرك حالة الجدل وتباين وجهات النظر الذي قدمته العديد من القوى المجتمعية والوطنية.
وعن تحفظات نقابة الصحافيين على مشروع القانون، قال: “لا يمكن إقامة ديمقراطية حقيقية دونما وجود صحافة حقيقية”، مشددا على ضرورة أخذ كل ما طرح من نقابة الصحافيين في الاعتبار.
كذلك أكد النائب محمد عبد العليم داوود، عن حزب الوفد، رفضه المشروع.
وقال إن “قانون الإجراءات الجنائية مضى على صدوره 74 عاما، في عهد مصطفى باشا النحاس، والذي كانت قضيته هو وزعيم الوفد سعد زغلول، استقلال الوطن”.
وتابع: “قوى المعارضة والمجتمع المدني، هي من كانت تطالب بقانون الإجراءات الجنائية”.
قانون كارثي
النائبة سميرة الجزار عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، انضمت أيضا إلى رافضي المشروع، مشيرة إلى أنه يحتوي على أوجه قصور تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويعتبر كارثياً للوضع الحقوقي في مصر.
وأوضحت عدة أسباب لرفضها، من بينها استمرار تحصين مأموري الضبط القضائي من المحاسبة القانونية في قضايا التعذيب والانتهاكات، والإبقاء على السلطة التقديرية للنيابة العامة في الإشراف على مراكز الإصلاح، بالإضافة إلى النصوص التي تمس حق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة.
وفيما يتعلق بتقليص مدد الحبس الاحتياطي في القانون، أضافت: “تم تصوير الأمر على غير الحقيقة، حيث كان لا يجوز الحبس الاحتياطي لأكثر من ستة أشهر، لكن تم زيادته إلى سنة وثمانية أشهر، ثم إلى سنتين، دون وجود رقابة فعالة، مما يرسخ استخدام الحبس الاحتياطي كأداة للعقاب السياسي بدلا من كونه عملا احترازيا لضمان سير العدالة”.
وبيّنت أن المشروع يقوض حقوق الدفاع في الاطلاع على التحقيقات، ولم يحد من السلطة المطلقة للمنع من السفر والإدراج على قوائم الترقب دون ضوابط واضحة، مشددة على أن تلك التدابير يجب أن تفرض في أضيق الحدود وألا تُستخدم كأداة للتضييق على الحريات أو للعقاب السياسي.
محامون يشرحون أسباب رفض مشروع القانون
عقد عدد من الحقوقيين المصريين مؤتمرا صحافيا تحت عنوان “نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية”، تناول أسباب رفض مشروع قانون الإجراءات الجنائية بصيغته الحالية، وناقش التعديلات المقترحة التي صاغتها مجموعة من الحقوقيين والقانونيين، بهدف تعزيز العدالة وضمان حقوق المتقاضين.
وكان نحو 28 محاميا حقوقيا شاركوا في المناقشات التي عُقدت بدعوة من مكتب “دفاع”، لمناقشة المشروع المقترح من قبل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب.
وخلصت مجموعة العمل إلى ضرورة إدخال تعديلات جوهرية على مشروع القانون المقترح من اللجنة التشريعية للبرلمان. وراعت المجموعة احتمالية موافقة مجلس النواب على مناقشة مشروع القانون من حيث المبدأ، ما دفعهم إلى وضع نصوص ومقترحات بديلة للمشروع الحالي شملت 184 مادة من أصل ما لا يقل عن 540 مادة تضمنها مشروع القانون.
وأرسل المحامون نسخة من ملف التعديلات المقترحة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس البرلمان المستشار حنفي الجبالي، ووزير شؤون النيابة والاتصال السياسي المستشار محمود فوزي.
وقال المحامي عبد الله عبد الكريم، إن المجموعة انتهت بعد مناقشتها أثناء جلسات العمل إلى رفض مشروع القانون من حيث المبدأ، وحددت المجموعة ما لا يقل عن 15 سببا لهذا الرفض. منها عدم تلبية طموحات الشعب المصري، حيث أن أكثر من 70% من بنية المشروع هي تكرار لقواعد وردت في قانون الإجراءات الجنائية الحالي، بينما انتقص المشروع الجديد من الضمانات التي يكفلها القانون الحالي مثل تعريف حالات الخطر التي تتيح دخول منازل المواطنين دون إذن النيابة العامة أو موافقة أصحابها وهو ما حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته، وكذلك الآثار الخطيرة التي رتبها المشروع الجديد على الأحكام الغيابية. أما السبب الثاني، حسب عبد الكريم، فيتعلق بما يخص مأمور الضبط القضائي في المادة 25 من المشروع الحالي، إذ توسع في سلطاته على مستوى الجمهورية وأعطاه المشروع سلطات واسعة من بينها أعمال التحقيق في المادة 31 و 39 و36 بما فيها تحليف اليمين ومناقشة الشهود والضبط والإحضار والاستجواب، ما يعد انتقاصا من أعمال النيابة العامة لصالح مأموري الضبط القضائي.
وبيّن أن عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور هو أحد أبرز أسباب رفض القانون، فقد أجاز مشروع القانون في مادتيه 465 و472 عمل المحبوسين مقابل 50 جنيها يوميا بمجموع 1500 جنيه شهريا، وهو ما لا يتوافق مع الحد الأدنى للأجور الذي أقره رئيس الجمهورية والمقدر بستة آلاف جنيه شهريا، لذا طالبت المجموعة في تعديلها بتطبيق الحد الأدنى للأجور المعلن للعاملين في قانون الخدمة المدنية.
ووفقاً لعبد الكريم، فتح مشروع القانون الباب نحو عدم سماع ومناقشة المتهم ودفاعه لشهود الإثبات وفقا للمواد 519 و520 و521 و522 و526. لافتا إلى أن مشروع القانون خلط ما بين المادة الإجرائية والموضوعية، فرغم أن قانون الإجراءات ينظم الإجراءات من بداية ارتكاب الواقعة وحتى الحكم، تضمنت بعض المواد أحكاما، كما تضمن مشروع القانون خلطا ما بين المادة الإجرائية والعقابية وكان الأحرى أن يتضمن القانون المواد الإجرائية فقط وترك العقوبات لقانون العقوبات.
وأكد أن مشروع القانون فتح الباب أمام منع المحامي من ممارسة عمله في استكمال مرافعة الدفاع تحت بند الاسترسال والتكرار والضرورة وغيرها من المصطلحات المطاطة التي تضمنتها مواد القانون.
وفي المؤتمر ذاته، أشارت المحامية الحقوقية، ندى سعد الدين، إلى أهمية قانون الإجراءات الجنائية الذي يعد أحد مرتكزات منظومة العدالة الجنائية القائمة على قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، ولا انفصام بينهما.
وأضافت أن قانون العقوبات يحدد الجرائم وأركانها وتقدير العقوبات المناسبة لها، لكن هذا يظل إطارا نظريا مجردا ما لم يقابله تنظيم إجرائي فعال ينقل قانون العقوبات من حالة السكون إلى حالة التطبيق، وهو الدور الذي يقوم به قانون الإجراءات الجنائية.
وبينت أن هذه الهيئات مرتبة حسب المرحلة من الإجراءات التي تتدخل فيها وهي الضبطية القضائية، والنيابة العامة أو قاضي التحقيق، وقضاء الحكم، وسلطات التنفيذ العقابي. وينظم قانون الإجراءات تشكيل كل هيئة من هذه الهيئات ويبين اختصاصها.
وزادت: قانون الإجراءات الجنائية يتضمن القواعد التي تنظم عمل كل هيئة من الهيئات السابقة، وهذه القواعد تتنوع باختلاف المرحلة التي بلغتها الاجراءات. وتمر الاجراءات الجنائية بالمراحل التالية :الاستدلال، ثم التحقيق الابتدائي، وأخيرا مرحلة المحاكمة التي يدخل فيها الطعن في الحكم”، ومرحلة تنفيذ العقوبة أو التدبير الاحترازي.
وكانت نقابة الصحافيين قد أرسلت للنواب أعضاء الجمعية العمومية، تعقيبها على رد البرلمان على ملاحظاتها بشأن قانون الإجراءات الجنائية، ودعت النقابة، النواب الصحفيين، إلى تبني موقفها والدفاع عن قانون يحمي حقوق الصحافيين، وحقوق المجتمع وحرية المواطنين، كما دعت النواب الصحافيين إلى العمل على فتح حوار مجتمعي واسع بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية يشارك فيه المجتمع للخروج بقانون يلبي طموحات الشعب المصري في تشريع يمثل عصب النظام القضائي، ويمس كل فرد في المجتمع.
الحقوقية ماهينور المصري: عراقيل تخفيض الحبس الاحتياطي
اعتبرت المحامية الحقوقية ماهينور المصري، أن الحبس الاحتياطي كان الترويج الأساسي الذي اعتمدت عليه الدولة في مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقدم للبرلمان.
وزادت أن “هناك أزمة كبيرة تتعلق بمدة الحبس الاحتياطي، وإن الفصل السابع من الباب الثاني لمشروع القانون الذي تناول تخفيض مدد الحبس الاحتياطي تضمن مجموعة من العراقيل تنهي تماماً المميزات الخاصة بتخفيض مدد الحبس الاحتياطي.
وأضافت أن التدابير الاحترازية يجب أن تكون الأولى بدلاً من الحبس الاحتياطي ومنها السوار الإلكتروني، وقد يكون هناك تذرع بعدم توافر الموارد المالية لتوفير هذا البديل لكن في الحقيقة أن التكلفة الاقتصادية التي تتحملها الدولة في استمرار حبس المتهمين احتياطياً هي أعلى من التي قد تتحملها في توفير البدائل للحبس الاحتياطي.
وأكدت أن مجموعة العمل التي تضم 28 محاميا حقوقيا، حذفت في تعديلاتها جزءا من المادة 112 في مشروع القانون التي أجازت استخدام الحبس الاحتياطي، إذ كان هناك أربعة أسباب من بينها الجريمة في حالة تلبُّس ،أو خشية هرب المجرم ،أو خشية الإضرار بمصلحة ومسار التحقيقات، إضافة إلى الوقاية من الاخلال الجسيم بالأمن والنظام العام وهو الجزء الذي قمنا بحذفه نظرا لأنه غير محدد ومطاط ،ويمكن استخدامه للتوسع في الحبس الاحتياطي- وفقًا لما أوضحته المحامية الحقوقية.
وأشارت إلى أن مجموعة العمل حذفت في التعديلات المادة 116 بأكملها، إذ أنها توسعت في منح سلطات النيابة العامة على حساب القاضي الطبيعي. فقد أعطت المادة للنيابة، سلطة التحقيق ومراقبة وسائل الاتصالات وأوامر الحبس والمنع من السفر والتحفظ على الأموال بدون حد أقصى.