لندن- “القدس العربي”: نشر موقع معهد بروكينغز مقالا مشتركا لكل من شاران غيروال وصلاح الدين الساطوري وإيان دي هيفن، قالوا فيه إن دستور قيس سعيد الذي يطلب من التونسيين التصويت عليه في نهاية الشهر الحالي سيزيد المشهد السياسي تعقيدا.
وأشاروا إلى إعلان سعيد في 30 حزيران/يونيو عن مسودة الدستور التي سيطلب من التونسيين التصويت عليه في 25 تموز/يوليو، أي بعد عام من الآنقلاب الرئاسي.
وتقدم الوثيقة نظاما رئاسيا هجينا وديكتاتوريا، بقدر قليل من المساءلة والضوابط. وحتى البرفسور صادق بلعيد الذي ترأس لجنة صياغة الدستور الجديد، قال إنه يعبد الطريق أمام ديكتاتورية مشينة.
وكما هو الحال فستقاطع معظم الأحزاب السياسية الاستفتاء لأن عملية صياغته لم تكن شرعية وبدون أي نوع من التنازلات. وستظل الأزمة السياسية التونسية مستمرة وتمنع أي نوع من الحل الذي يحد من انهيار الاقتصاد.
ورغم صحة ما يقوله سعيد من أن دستور ما قبل نظام 2021 يعاني من العيوب، إلا أنه ضيع فرصة للتوصل إلى إجماع حول إصلاحاته السياسية، بشكل يجعل من إمكانية حصول ما يطلق عليها “الجمهورية الجديدة” الشرعية، التي تقف أمام امتحان الزمان، أمرا صعبا.
ويقوم نظام سعيد الجديد على منح الرئيس السلطة المطلقة، فهو يختار رئيس الوزراء ويعرض القوانين على البرلمان ويعين القضاة.
ويذهب دستور سعيد أبعد من كونه نظاما رئاسيا فهو يزيل كل الضوابط التشريعية والقضائية عن الرئيس، ولا يمكن للبرلمان تقديم الرئيس للمحاكمة، حيث تم حذف المادة 88 من دستور 2014. ويمكن للمشرعين إجبار رئيس الوزراء على الاستقالة (مادة 116). أما المادة التي تعطي الرئيس الحق بالتحرك في حالة الطوارئ والتي أدت لأزمة 25 تموز/يوليو فقد أصبحت أكثر سوءا، فلم يعد للبرلمان أو المحكمة الدستورية السلطة لإلغاء السلطات الإستثنائية للرئيس (مادة 96). وأخيرا أسقط الدستور الجديد مادة 101 من دستور عام 2014 وجرد المحكمة الدستورية من حق تفسير والفصل في سلطات الرئيس.
ذهب دستور سعيد أبعد من كونه نظاما رئاسيا فهو يزيل كل الضوابط التشريعية والقضائية عن الرئيس، ولا يمكن للبرلمان تقديم الرئيس للمحاكمة
وكما لخص سعيد بن عربية من اللجنة الدولية للحقوقيين، الواقع بجدارة، فالدستور “يقدم نظاما رئاسيا جامحا ورئيسا كلي السلطات وبرلمانا ضعيفا وقضاء بدون قوة”. وأكثر من هذا فقد تم تصميم الدستور لكي يجعل البرلمان ضعيفا. وإذا كانت مشكلة دستور 2014 أنه خلق سلطات تنفيذية مقسمة، فإن دستور سعيد يخلق سلطة تشريعية منقسمة. فدستوره يتصور جهازين برلمانيين، مجلس نواب الشعب التقليدي المرفق الآن بالمجلس الوطني للولايات والمناطق، وهي محاولة لتفعيل عملية حكم لامركزية من القاع إلى القمة والتي تحدث عنها سعيد قبل 3 أعوام. وتتولى كل غرفة مسؤوليات مثل تمرير الميزانية والرقابة البرلمانية. وفي ظل الدستور الجديد ستكون حصانة ممثلي المجلسين محدودة وربما تعرضوا للمحاكمة بتهم التشهير أو القذف (مادة 66). وسيكون هذا النظام في أحسن حالاته منقسما وتتداخل فيه الكثير من المؤسسات ليتمكن من الحكم بفعالية. وفي أسوأ حالاته سيكون عمل البرلمان الختم على مطالب رئيس مستبد.
وهناك تغييرات أخرى في دستور سعيد لا تبشر بخير للديمقراطية. فقد قنن دستور 2014 القوى العسكري والأمنية (الجمهورية) بأنها مؤسسات محايدة (مادتي 18-19) لكن دستور سعيد أزال المادتين هاتين بالكامل، وهو تطور مثير للقلق نظرا للجوئه إلى المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين واستخدامه الشرطة لقمع المتظاهرين.
وغائب عن دستور سعيد الكثير من المؤسسات التي أنشئت بموجب دستور 2014 مثل لجنة الاتصالات السمعية- البصرية، لجنة حقوق الإنسان. ويزيل الدستور الجديد بالمثل حقوق القضاة بالإضراب، فيما يبدو كرد على إضراب القضاة، الشهر الماضي، احتجاجا على عزل 57 قاضيا في الأول من حزيران/يونيو.
المادة 5 من المسودة تنص على أن تونس هي جزء من الأمة الإسلامية ويطلب من الدولة العمل وتحقيق مقاصد الإسلام الصحيح والتي حددها بمقاصد الحياة والعرض والمال والدين والحرية. وبند كهذا لم يكن ليتجرأ أي حزب إسلامي على تقديمه
ولعل أكثر التغييرات المفاجئة في الدستور هو دور الإسلام. ففي الوقت الذي ألمح فيه المشاركون بصياغة الدستور إلى وثيقة أكثر علمانية إلا أن دستور سعيد يبدو أكثر إسلامية. فالمادة 5 من المسودة تنص على أن تونس هي “جزء من الأمة الإسلامية” ويطلب من الدولة “العمل وتحقيق مقاصد الإسلام الصحيح” والتي حددها بمقاصد الحياة والعرض والمال والدين والحرية. وبند كهذا لم يكن ليتجرأ أي حزب إسلامي على تقديمه.
واقترح المحلل التونسي محمد ضياء الهمامي أن الدستور قد يؤسس لدولة إسلامية ثيوقراطية. ومن الناحية السياسية فقد يضر البند بسعيد بين الأحزاب القليلة التي تدعمه والحكومات الخارجية وكلها معادية للإسلاميين. وربما حسب سعيد أن القاعدة الداعمة له والتي يحتاجها للمشاركة في التصويت هي قاعدة محافظة دينيا. فبعد كل هذا دعمت معارضته للتساوي في الميراث والمثلية عام 2019. وأهم من جوهر الدستور هي الطريقة التي كتب فيها، فلو تمت من خلال عملية شاملة وإجماع لحصل على دعم ضمن استمراره حتى بعد رحيل معده. وفي هذا السياق فشل سعيد وبشكل بائس بعدما أعد بطريقة أحادية وخلف الأبواب المغلقة، فقد استبعدت كل الأحزاب السياسية إلى جانب الاتحاد التونسي العام للشغل من العملية. وتخطط كل الأحزاب لمقاطعة الاستفتاء وحرمانه من الشرعية عبر مشاركة متدنية.
وقال أحمد نجيب الشابي، من جبهة الخلاص الوطني، أن مقاطعته جاءت “لأن هذا الانقلاب، ووصف لجنة البندقية العملية بأنها مخالفة للمعايير الدستورية، وهي محاولة لمنح شرعية مزيفة لأمر سيكون دائما سلطة مطلقة وشخصية”. وفي الوقت الذي يمكن للمعارضة منع الدستور لو قررت المشاركة والتصويت بلا إلا أنها لا تثق بنزاهة الاستفتاء.
من المحتمل تمرير دستور سعيد، حتى في ظل مقاطعة الأحزاب له، لكنه سيكون بمثابة الانتصار الفارغ، فلن يؤدي تمرير دستور جديد إلا لتوحيد المعارضة وتوسعها ولن يمنح الشرعية للجمهورية الجديدة. وستتعمق الانقسامات والخلافات السياسية
وعلق زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي “لا نثق بأنه سيكون استفتاء نظيف” و”لماذا غير الرئيس لجنة الانتخابات؟ ولماذا منع المراقبين الأجانب؟ وهذه إشارات عن النية للسيطرة على العملية الانتخابية، والنتيجة باتت معروفة”.
وقالت سميرة الشواشي، زعيمة قلب تونس، “لقد تم التحرش بالقضاء اليوم واعتقل سعيد العديد من المدونين، وهو قادر على إسكات أي صوت ضد الاستفتاء، هذا غير شرعي ولن نشارك”.
ومن المحتمل تمرير دستور سعيد، حتى في ظل مقاطعة الأحزاب له، لكنه سيكون بمثابة الانتصار الفارغ وقصير الأمد، فلن يؤدي تمرير دستور جديد إلا لتوحيد المعارضة وتوسعها ولن يمنح الشرعية للجمهورية الجديدة. وستتعمق الانقسامات والخلافات السياسية وستتفاقم الأزمة للأسوأ.