بريطانيا أمام مخاطر «انقلاب» جونسون

حجم الخط
5

تشهد بريطانيا في هذا اليوم والأيام القليلة المقبلة، تطورات سياسية ودستورية عاصفة لا تقتصر آثارها على تنفيذ مضمون التصويت الشعبي بمغادرة الاتحاد الأوروبي، المعروف باسم «بريكست»، بل تمس مبادئ الديمقراطية البريطانية ذاتها وخاصة العلاقة بين مجلس العموم بوصفه ممثل السلطة التشريعية، ورئيس الحكومة الحالي بوريس جونسون ممثل السلطة التنفيذية.
وإذا كانت مشكلات «بريكست» تراكمت واحدة تلو الأخرى طوال ثلاث سنوات مضت، وانطوت على رفض مجلس العموم لثلاثة مشاريع اتفاقات توصلت إليها رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، فإن كبرى المشكلات طرأت مؤخراً مع قرار جونسون تعليق البرلمان لمدة تقارب الشهر، في محاولة للحيلولة دون امتلاك النواب المعارضين الوقت اللازم لمناقشة وإقرار تشريع يلزم الحكومة بعدم مغادرة الاتحاد بتاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر إلا بعد إبرام اتفاق مع بروكسل.
البعد الأول في المشكلة الجديدة قانوني يخص مبدأ ديمقراطياً معروفاً يعطي للسلطة التشريعية استقلالية كاملة في العلاقة مع السلطة التنفيذية، وبالتالي يحجب عن ممثلي هذه السلطة الأخيرة أي حق في تعطيل أعمال السلطة الأولى وصلاحياتها. ويزيد في تعقيد النزاع أن الحكومة تسعى إلى تعطيل البرلمان بسبب خلاف مع غالبية البرلمانيين في مسائل حاسمة تخص مستقبل البلاد، الأمر الذي برر الحديث عن «انقلاب» ضد الديمقراطية قاده رئيس حكومة «دكتاتور». صحيح أن تعليق البرلمان إجراء قانوني، ولكنه يتم خارج سياقاته المعتادة والمقبولة، ولا يجوز اللجوء إليه لحسم الخلاف لصالح السلطة التنفيذية.
البعد الثاني له صلة بمدى ديمقراطية وصول جونسون إلى سدّة رئاسة الحكومة، ومقدار الشرعية التي يمتلكها فعلياً وتخوله سلطة اتخاذ قرارات كبرى مصيرية تتجاوز مجلس العموم، كما تنتهك روحية استفتاء «بريكست» ذاته لجهة عدم النص على مغادرة الاتحاد من دون اتفاق، وكذلك من دون حل المشكلة المستعصية التي تخص بند «شبكة الأمان» ونشوء حدود أمر واقع بين مقاطعة إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا. فمن المعروف أن جونسون لم يخض انتخابات ديمقراطية، بل صعد بأصوات 92 ألف عضو ضمن انتخابات داخلية في حزب المحافظين ونتيجة استقالة رئيسة الحكومة، فضلاً عن أنه يحكم بأغلبية صوت واحد يتيم في مجلس العموم.
وهذا يقود إلى البعد الثالث والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه جونسون في تنفيذ خططه، إذ قال مسؤول حكومي بارز أمس إن جونسون سيدعو إلى انتخابات عامة في 14 تشرين الاول/أكتوبر المقبل، إذا واجه هزيمة اليوم في تصويت برلماني على استراتيجيته للخروج من الاتحاد الأوروبي، في مناورة سياسية تستهدف إحراج خصومه وشق صفوفهم بين تأييد المشروع في البرلمان أو رفضه بالنظر إلى أن إقراره يتطلب أغلبية الثلثين. ومن جانب ثانٍ أوحى أحد أبرز وزراء جونسون، مايكل غوف، أن الحكومة قد لا تكون ملزمة بتنفيذ أي تشريع في مجلس العموم يحظر الخروج من دون اتفاق، وهذا انتهاك فاضح للأعراف الديمقراطية حتى إذا كانت بريطانيا تفتقر إلى دستور مكتوب. وأما من جانب ثالث فقد هددت قيادة حزب المحافظين بإقصاء كل نائب محافظ يتمرد على خطط رئيس الحكومة.
كل هذه الجوانب وسواها تشكل أخطاراً جدية محدقة ببريطانيا ونظامها الديمقراطي، لكنها لا تقتصر على الجزيرة وحدها بل تخص أوروبا والعالم بأسره، في شؤون السياسة والاقتصاد وفلسفة الحكم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول .Dinars.:

    ملخص أزمة بريطانيا يختزل فيما جاء في رأي القدس العربي لهذا اليوم :
    ” . . .بريطانيا تفتقر إلى دستور مكتوب . . .” .

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    الحل الوحيد هو بإجراء إستفتاء سريع على الإنضمام من جديد للإتحاد الأوروبي أو لا؟ الإقتصاد البريطاني كان سيئاً في هذه السنتين! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول سامح//الاردن:

    *من الآخر :- (ترامب) خرب أمريكا
    و(جونسون) يقلده وسوف يخرب بريطانيا.

  4. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم. رأي القدس اليوم عنوانه (بريطانيا أمام مخاطر «انقلاب» جونسون)
    ما يشجع جونسون على هذا الانقلاب هو أن فترة رئاسته لوزراء بريطانيا تزامنت مع وجود اهوج مثله في البيت الأبيض وآخر في الكرملين وثالث على رأس عصابة الصهاينة في فلسطين المحتلة وغيرهم كثير.
    وهو مصمم على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالرغم من كل العوائق القانونية التي تحول دون ذلك حاليا و(كبرى المشكلات طرأت مؤخراً مع قرار جونسون تعليق البرلمان لمدة تقارب الشهر، في محاولة للحيلولة دون امتلاك النواب المعارضين الوقت اللازم لمناقشة وإقرار تشريع يلزم الحكومة بعدم مغادرة الاتحاد بتاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر إلا بعد إبرام اتفاق)
    ومع أن جونسون قفز لمكزه دون أخذ رأي الشعب البريطاني فيه ، وذلك بعد استقالة رئيسة الوزراء قبله( تريزا ماي) ،فهو يتصرف بعنجهية واستعلاء وكأنه
    ابو الشرعية في مركزه كحاكم لدولة كانت عظمى بل الاعظم قبل قرن أو أقل .واظن أن قدوته في ذلك أكثر الزعماء العرب الذين يعتلون كراسيهم أما بالوراثة أو الانقلاب ويتفرعنون على شعوبهم دون حسيب أو رقيب.وكمثال على نزعةجونسون الديكتاتورية
    (هددت قيادة حزب المحافظين بإقصاء كل نائب محافظ يتمرد على خطط رئيس الحكومة.)

  5. يقول لحسن عبدي:

    القضية والاستشكال ليس في مجلس العموم ولا حكومة وديموقراطية ، بل في الدولة العميقة البريطانية كما هو الشأن في الانظمة المعاصرة ، بريطانيا لا تختلف عن فرنسا وماكرون تحدث عن رفضه الانصياع للدولة العميقة غير ان شكل النظام البريطاني تنطلي عليه ضغوطات البورجوازية المباشرة على قرارات الحكومة خروج بريطانيا من الاتحاد يوجع تروست الانجليزي

إشترك في قائمتنا البريدية