حسب البريطاني آدم تايلور، ولكن في “واشنطن بوست” وليس في الـ”صنداي تايمز” مثلاً، ثمة أسئلة كثيرة ما تزال تكتنف اتفاقية الانفصال التي وقعتها بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي؛ على عجل، غنيّ عن القول، لأنّ الساعة كانت تدقّ بقوّة وصخب، وتوجّب أن تتوقف قبيل انتهاء العام 2020.
وأسئلة تايلور أقرب إلى لائحة متاعب وهواجس ومشكلات، عالقة أو مؤجلة أو جرى التعامي عنها ولكن لا مناص من مواجهة استحقاقاتها في المدى المنظور أو الوسيط أو البعيد: هل وقع الطلاق بالفعل، وهل هو نهائي لا رجعة عنه؟ ما الذي حدث للسمك، بين شواطئ بريطانيا وأوروبا، ومَنْ سيصيد ماذا، وأيّ شباك، وأين؟ ماذا تقول اتفاقية الانفصال عن لندن، عاصمة التمويل والأعمال التي تشغّل أكثر من مليون متعامل، وترفد الاقتصاد البريطاني بما يقارب 178 مليار جنيه استرليني؛ وإلام ستتحوّل هذه “سيتي البزنس” العملاقة؟ وبعيداً عن الرساميل والصفقات والتمويل والصيرفة، ما مصير إرلندا الشمالية وحدودها مع جمهورية إرلندا، لجهة البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي وما يستتبعه ذلك من معضلات الجمارك والبضائع والضرائب؟ وماذا عن جبل طارق، وهل ستصمد البروتوكولات المتسرعة بين بريطانيا وإسبانيا في تنظيم المرور والاقتصاد والأمن؟ والأهمّ من هذا وذاك، مَنْ يضمن بقاء المملكة المتحدة متحدة على حالها الراهن، في ظلّ شبح أوّل داهم هو انفصال سكوتلندا التي صوّتت للبقاء في أوروبا بنسبة 55%؟
ولعلّ توارد العلاقة بين مفهومَيْ البداية والنهاية هو الذي أوحى لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين باقتباس الشاعر الأمريكي ــ البريطاني ت. س. إليوت (بترجمة توفيق صايغ لـ”ليتل غدنغ”، آخر “رباعيات أربع”): “ما نسميه البداية كثيراً ما يكون النهاية/ والانتهاء هو الابتداء”. فاتها، مع ذلك أنّ الأسطر القليلة اللاحقة من القصيدة تقول: “كلّ عبارة وكلّ جملة نهايةٌ وبداية/ كلّ قصيدة كلمةٌ أخيرة. وكلّ فعل خطوةٌ نحو المقصلة/ نحو النار، نزولاً في حلق البحر”. هذا إذا وضع المرء جانباً حقيقة أنّ “ليتل غدنغ” اسم لكنيسة صغيرة في الريف الإنكليزي، لكنها خلاصة تاريخية ودينية وثقافية، وربما وجودية أيضاً لمعنى إنكلترا؛ وبالتالي، إذا لم تتقصد فون دير لاين هذا الاقتباس على نحو يغمز من قناة الطلاق مع أوروبا، فإنّ الاقتباس الشعري الأنسب كان ينبغي أن يأتي من رديارد كبلنغ الشاعر والروائي البريطاني الذي تنعّم بلقب الناطق الأدبي باسم الإمبراطورية البريطانية والمشروع الاستعماري، واستحق من جورج أرويل صفة “نبيّ الإمبراطورية”.
ذلك لأنّ قسطاً غير قليل من حماس البريطانيين للانفصال لم يكن مردّه استرداد القرار الوطني سياسياً واقتصادياً وتجارياً وقضائياً فقط، بل إشباع هوس سيكولوجي عارم باستئناف بعض أمجاد التاج وماضي الإمبراطورية، إذا ضرب المرء صفحاً عن رغائب التقارب الأنغلو ــ سكسوني مع الولايات المتحدة. أسبوعية الـ”إيكونوميست”، محراب المال والأعمال والبورصات، اختارت في التعليق على بريكست غلافاً قاسياً رهيب الدلالة: لقد وضعت المحارب البريطاني وحيداً على صخرة في عجاج بحر، لا عدّة لديه سوى رمح الأسطورة ودرع التاج! التاريخ يوحي، تتابع الـ”إيكونوميست”، أنّ بريطانيا سوف “تُجرّ” ذات يوم إلى أوروبا طبقاً لمصالح مشتركة وشراكة في الموارد؛ ورغم ما قد يبدو غريباً في أنظار أهل الطلاق، فإنه كلما تعافى الشريك السابق من عمى بصره بصدد أوروبا، كلما كان خيراً لمنظورات “بريطانيا العالمية”.
غير مستبعد، بذلك، أنّ زمناً غير مديد سوف يكون الحدّ الفاصل قبل أن تتضح أمام القائلين بالطلاق، أو المطالبين بالبقاء، معادلات الحدود والسفر والجيوب والمال والأعمال والحسابات المصرفية؛ فضلاً عن حقائق أخرى كثيرة غير تلك التي قصدها إليوت بصدد العلاقة بين البداية والنهاية؛ أو التي تغنى بها كبلنغ، حول واجب البريطاني في حمل “عبء الرجل الأبيض!”.
وكذلك ظهور ألمانيا و “ماما ميركل” كمنقذ في أزمة الهجرة في ٢٠١٥، وظهور الشقاق بين الأروبيين حول التوزيع العادل لحصص اللاجئين بين دول الاتحاد، هو كذلك ساهم في نزوع البريطانيين للانعزال
شكرًا أخي صبحي حديدي. لاأعرف الأسباب أو الدوافع خلف نزوع البريطانيين إلى الخروج من الإتحاد الأوربي. لكن بالنظر إلى ماحدث في السنة الماضية وسياسة ماكرون الذي يريد أن يعيد أوربا إلى ماضيها الإستعماري بغطاء جديد هو أوربا القوية القادرة على لعب دور قوة عظمى على الساحة الدولية، يجعلتي أشعر بالإرتياح للخروج البريطاني بل وبادرة أمل بأن المشاريع الإستعمارية لن تعود ولن يكون لها دور في السياسة العالمية، وملنا أمل بعالم أفضل!
شكرًا أخي صبحي حديدي. لاأعرف الأسباب أو الدوافع خلف نزوع البريطانيين إلى الخروج من الإتحاد الأوربي. لكن بالنظر إلى ماحدث في السنة الماضية وسياسة ماكرون الذي يريد أن يعيد أوربا إلى ماضيها الإستعماري بغطاء جديد هو أوربا القوية القادرة على لعب دور قوة عظمى على الساحة الدولية، يجعلتي أشعر بالإرتياح للخروج البريطاني بل وبادرة أمل بأن المشاريع الإستعمارية لن تعود ولن يكون لها دور في السياسة العالمية، وكلنا أمل بعالم أفضل!
لم يرد البريطانيون الخروجإلا أن حفنة من السياسيين البريطانيين من عديمي الضمير والأخلاق آثروا مصالحهم الشخصية على مصالح بريطانيا و اذكر بالإسم السياسي الساقط أبداً نايجل فاراج حبيب ترامب وكذا الحال بتيريزا ماي التي توهمت يوماً ما أنها مارغريت تاتشر أخرى و سار على هذا المنوال شعبوي ساقط هو بوريس جونسون ومعاونيه ديفيد كامينغ ومايكل غوف وكل هؤلاء من حثالات الساسة البريطانيين الذي أوردوا هذه الممكلة مورد الهلاك والذل الأبدي. وأنا أشد على ايدي الإسكتلنديين للإنفصال وإختيار طريق آخر .