بطلة من هذا الزمان

حجم الخط
0

كانت سيدة اسرائيل الاولى، وكانت السيدة الاولى لما بقي من الليبرالية وانفتاحها. وقد شاركت في صوغ الدولة لكنها كانت من الاشخاص القليلين في تاريخها الذين لم يفعلوا ذلك بأنهار من الدم. فهي ليست قائدة عسكرية مجيدة، وليست موسومة بأوسمة المعارك، وليست ‘ممن قضوا على الارهاب’، وليست محتلة ولا مستوطنة، وهي مع كل ذلك بطلة اسرائيل، بطلة مدنية، من اجل التغيير. كانت الآراء مختلفة فيها، فقد كانت غولدا مئير تبغضها في بدء طريقها، وعوفاديا يوسيف في آخرها لكن لم تختلف الآراء في استقامتها وتصميمها وشجاعتها. فها هي ذي امرأة، زعيمة اسرائيلية لم يقع الاختلاف فيها حول الحروب بل حول حقوق الانسان وفصل الدين عن الدولة، وحقوق الأقليات والعدالة الاجتماعية، وهذه أمور نادرة جدا في اسرائيل.
كانت شولاميت الوني الأم المؤسسة لكل ذلك، فقد أوجدت التنور الاسرائيلي. كانت الاولى إذ أثرت بروحها وصبغت الاتجاه. ولم تنجح في كل شيء بطبيعة الامر إذ منيت بغير قليل من الهزائم المؤلمة، وقد أصبحت في أواخر حياتها متطرفة وغضبت على ظواهر كثيرة في الدولة التي شاركت في انشائها. وقد اعتدت أن أقذفها بقولي: ‘أنتم بنيتم كل ذلك’، فكانت تقول بغضب: ‘لم نقصد الى ذلك’. ومع كل ذلك فان اسرائيليين كثيرين مدينون لها بحقوقهم ومكانتهم مثل المستهلكين والمثليين والسحاقات والعرب واليهود والرجال والنساء على الخصوص وربما لا يعلمون ذلك.
تصادقنا في الاحتلال: فقد كنا نلعب التنس في فندق سونستا في طابا المحتلة في الوقت الذي كان فيه زوجها رؤوبين رئيس منطقة شلومو، مديرية الاحتلال الاسرائيلي في سيناء. وفي ملعب التنس، وهو مكان جيد للتعرف على خصائص الشخصية، ظهرت مستقيمة كالمسطرة لا تطمح الى الفوز بكل ثمن. وهذا أمر نادر جدا. لم تكن الوني التي عرفتها امرأة مباديء فقط بل كانت تشتهي الحياة ايضا: فحينما حددنا ذات مرة أن نتناول الغداء معا أخذتني الى دكان بوظة فيتمان لنتناول ‘الفافل الامريكي’، وهو جبل من البوظة والقشدة مع الكرز. وقالت آنذاك نحن نعيش مرة واحدة فقط، وقد عاشت الوني حياة مليئة غنية، تطلب الثقافة والفن وتحب الملابس المنمقة وتقود سيارة جيب حمراء من آخر موديل وكانت مع كل ذلك مناضلة عدالة.
إن الوني التي كانت بريئة من كل شعور بالهزل، والتي كانت تترك الحكومات والمناصب حينما يقتضي الامر، كانت واحدة من أكثر السياسيات تواضعا ممن عرفت. ففي الوقت الذي كان فيه أكثر زملاؤها حتى من ذوي العدالة يخافون على سمعتهم ومنزلتهم، كانت الوني تهتم فقط بالامر الذي تعمل لأجله. كانت الضلع الثالثة في خيمة سونيا وشمعون بيرس وكم كانت طريقها تختلف عن طريق رفيقها في الخيمة منذ ذلك الحين.
يمكن أن يُقال فيها ايضا إنها كانت اسرائيلية ‘وصهيونية’ خالصة؛ فلم يوجد من هم أقوى شعورا وطنيا منها. حينما كنا نسير ذات مرة معا في أزقة القاهرة توسلت إليها ألا تتحدث باللغة العبرية جهرا فقد كانت تلك الايام قد أصبحت اياما خطيرة على الاسرائيليين في مصر. لكنها بقيت مستمرة تتحدث العبرية بأعلى صوتها. وقد كانت الوني تقول دائما حينما كان يُحتاج الى ذلك أو لا يُحتاج، ما اعتقدت وتعتقد ما تقول. ويوجد الآن من يتابعون نهجها يهتم أحدهم بالمثليين وتناضل الثانية الاحتلال، واخرى من اجل حقوق النساء ورابعة من اجل حقوق الأقليات، وخامس يناضل المؤسسة الدينية وسادس من اجل حرية التعبير لكن لا أحد منهم يستوعب كل ما استوعبت، فقد كان بحر أعلام رفعتها امرأة شجاعة واحدة. وربما من اجل ذلك أصبح اليسار الصهيوني الذي خلفته يسارا مستخذيا ومتلعثما’ ومعتذرا وواهنا.
كانت المرأة العظيمة في الاحلام: الحلم بمجتمع مساواة وعلمانية وديمقراطية وعدل. وكانت ايضا المرأة العظيمة لخيبات الأمل لأن أكثر احلامها لم تتحقق. فقد أصبحت اسرائيل مكانا اسوأ أصبحت عنصرية وقومية ومحتلة وذات حكم ديني مؤمن بالقوة، وتضعضعت ديمقراطيتها ومثلها ايضا المساواة، وهذا هو الضد من كل ما دعت اليه. هل كانت تسبق عصرها؟ ماذا دهاكم. لقد جاءت في الوقت بالضبط وربما تركت قبل الأوان لكن اسرائيل فقط هي التي ارتدت الى الوراء بخطوات مخيفة.

هآرتس 26/1/2014

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية