“عمل رجل بألف رجل، أفضل من قول ألف رجل لرجل”، ذهلتُ عن قائلها وحُفر في وجداني معناها، تُصيب كبد الحقيقة، فالناس مجبولون على التقليد، يؤثر فيهم القول، لكن يحركهم الفعل، وقديما حثّ خير الأنام صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء رجل من الأنصار بِصُرّةٍ تعجز كفّهُ عنها، جعلت الناس يتتابعون، فكان له نصيب في أن يكون صاحب سنة حسنة.
حدِّثْني عن خطر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي كيفما شئت، لكنك عندما تتجاوز وضعية القائل إلى الفاعل، فحالك حينئذ أبلغ من أي موعظة، أو محاضرة تلقيها على منبر أو في قاعة مؤتمرات.
“تعبنا كثيرا للوصول إلى الألعاب الأولمبية، لكن القضية الفلسطينية أكبر من هذه الأمور، وهذا قرار لا رجعة فيه، هذا أقل ما نقدمه للقضية الفلسطينية، وهي فوق كل شيء، الانسحاب قرار نهائي”.
بهذه الكلمات صرّح لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين، عقب إعلانه الانسحاب من أولمبياد طوكيو، بعدما أوقعته القرعة في مواجهة اللاعب الإسرائيلي توهار بوتبول حال تأهله للدور المقبل. لم تكن هي المرة الأولى التي صدر فيها هذا الموقف عن اللاعب الجزائري نورين، حيث انسحب من اللعب أمام اللاعب الإسرائيلي نفسه في بطولة العالم للجودو عام 2019. يأتي هذا الانسحاب في وقت كان اللاعب الجزائري يطمح فيه إلى حصد ميدالية تليق ببلاده، التي لها تاريخ مشرف في اللعبة، وتليق به أيضا كلاعب تم تتويجه مؤخرا بلقب بطل افريقيا للمرة الثالثة في مسيرته الرياضية، بمعنى أنه لا مجال للقول إن اللاعب قد انسحب خوفاً من الهزيمة على يد خصمه، كما روج إسرائيليون على مواقع التواصل.
رغم كل شيء، أعلنها اللاعب فتحي نورين رفضا للتطبيع، وليس هذا غريبا عن ابن ذلك البلد، صاحب الموقف الأصيل في دعم القضية الفلسطينية ورفض التطبيع، فالجزائر بلد ذو سياسة ثابتة من هذه القضية، تنبني على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ويمثل أبرز دول الجبهة العربية الرافضة للتطبيع، مقابل المهرولين تجاهه المتسابقين إليه، هو بلد يدعم ويساند القضية الفلسطينية بعيدا عن الضوضاء، بخلاف الذين يستثمرون في رفع الشعارات الجوفاء، أو يحولون أموالهم إلى أداة للابتزاز السياسي للفلسطينيين.
وليس هذا الموقف الجزائري الرافض للتطبيع هو موقف النخب أو الأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني فحسب، إنما هو موقف رسمي للدولة يتبناه النظام ورأس النظام، وإبان نكسة هرولة بعض الدول العربية تجاه التطبيع مؤخراً وتبشير الأمريكيين بأن هناك المزيد في الطريق، حسم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأمر، وأعلن أن القضية الفلسطينية مقدسة بالنسبة للشعب الجزائري، معربا عن أسفه لهذه الهرولة، مؤكدا: “لن نشارك فيها، ولن نباركها”. وسواءً كان موقف اللاعب الجزائري فردياً محضا، أم نابعاً من الاطمئنان لموافقة ضمنية لدولته يعبر عنها مسارها المعروف، فإنه يبقى موقفاً بطولياً، تصدّر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، له أهميته الكبيرة، بيد أن البعض يهون من شأنه ويقلل من تأثيره، ويرى أنه لا يتعدى منح اللاعب مزيداً من الشهرة والشعبية.
ينبغي عدم تفويت أي حدث يتضمن رفضاً للتطبيع، من دون تسليط الضوء عليه، وإبرازه للجماهير
لكننا نقول إن الموقف له أهميته الكبيرة، لأنه يتضافر مع المواقف المماثلة لمشاهير الرياضة والثقافة والفن وغيرها، من المجالات، ليكشف عن سلامة بوصلة وعي الشارع العربي الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية، وأن محاولات التطبيع المستمرة لم تحرفها عن مسارها، وهذا يتبدى جلياً في ردود الأفعال من قبل جماهير هؤلاء المشاهير.
الموقف له أهميته الكبيرة في التعبير عن أهمية الجهد الفردي تجاه قضايا الأمة، واستشعار المسؤولية الفردية في الانتصار لها، من دون الإغراق في المنطق التبريري للتقاعس، ولعن الظلام وإلقاء التبعة على الأنظمة والحكومات. الموقف له أهميته الكبيرة، لأن مثل هذه المواقف تمثل هزة ضمائرية توقظ العاطفة التي تأخذها السِّنَةُ لبعض الوقت، حتى لا تفقد القضية الفلسطينية وهجها في الوجدان، خاصة في ظل هذا السعي المحموم من قبل بعض الأنظمة العربية لتسطيح القضية الفلسطينية، والضغط على أصحابها للرضوخ إلى سلطة الأمر الواقع، فيقظة الوعي في الشعوب الإسلامية والعربية حاجز قوي تصطدم به صفقة القرن. ولذا ينبغي عدم تفويت أي حدث يتضمن رفضاً للتطبيع، من دون تسليط الضوء عليه، وإبرازه للجماهير، لأنه يمثل حالة عملية يتم استثمارها في مواجهة إعلام معسكر التطبيع، حتى لا يتصدروا المشهد بما لديهم من أدوات قوية تغير اتجاهات الرأي العام، فتصبح فلسطين مع مرور الوقت في الأجيال القادمة مجرد اسم تاريخي. وحتما مع كل حدث رافض للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ستجد من يخلط الأوراق عن عمد، ويتهمنا بالتعصب وعدم التسامح الديني، لكنهم دائما يصطدمون بتلك الحقيقة التي أصبحت في حس جماهير الأمة واضحة كشمس في رابعة النهار: أننا لا نخلط بين اليهودية والصهيونية، فنحن لا مشكلة لدينا مع اليهود كأصحاب ملّة، بل أُمرنا ببرهم والتسامح معهم، ما لم نلق منهم أذى، أما الصهاينة الذين اغتصبوا أرضنا فأولئك هم أعداؤنا مهما كانت ملّتهم، فلو كان هناك مسلم في جيش الاحتلال لاعتبرناه عدواً صهيونيا غاصبا معتديا شأنه شأن اليهودي في ذلك الجيش.
بطل الجودو الجزائري خسر البطولة وتم إيقافه وترحيله، لكنه كسب ذاته وهويته، وفاز باحترام الأمة، وأحرج شخصيات وهيئات وكيانات وأنظمة كثيرة شاركت في إمضاء جريمة التطبيع، ووأد عقود من كفاح الشعب الفلسطيني وشرفاء الأمة.
أعلم أن الجراح كثيرة تفوق الحصر، وأن دماء الفلسطينيين ليست أغلى من دماء السوريين والعراقيين واليمنيين وسائر أبناء الأمة، لكننا شئنا أم أبينا ستبقى القضية الفلسطينية هي أم القضايا، ليس فقط من أجل المقدسات، بل لأنها تتعلق بنظام عالمي جديد، ومشروع صهيوني عالمي، وأطماع وأهداف غربية تنفث فيها روح صليبية، فألف تحية وتحية لهذا البطل الجزائري وأشباهه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*كاتبة أردنية
سلم قلمك و بارك الله بك.
هذه الحالات تتكرر و نرجو ان يتم أبرازها و إعلانها على الملا لعلها تكون صفعات في أوجه المطبعين و دافع للمتشككين.
حقيقة يجب إعادة النظر في مثل هاته المواقف ..لذلك سوف نطرح العديد من الاسئلة …
ما الذي يقدمه انسحاب لاعب من بطولة ينافس فيها لاعب صهيوني للقضية الفلسطينية ميدانيا ..
هل يمكن التأثير علي سياسة اسرائيل الاستيطانية من خلال انسحاب رياضي الدول العربية ام رياضي الكيان الصهيوني ؟
كيف يعتقد المنسحبون انهم بانسحابهم يدعمون القضية الفلسطينية ؟ ما هي نتائج هذا الفعل ميدانيا ؟
موازين القوي علي الارض تقول انّ إسرائيل أصبحت اقوي من جميع الدول العربية المحيطة بها في المجال التكنولوجي والعلمي والصحي والرياضي …؟ هل ضرها انسحاب الرياضيين امامها في كل مرة …
لمذا يتم ربط الانسحاب بالتطبيع إذا لم تنسحب فانت مطبع who said that … انت في بطولة عالمية قد تتنافس فيها مع الغربان السود او اكلي لحوم البشر اذا كنت لا تريد ذلك انسحب تماما من مثل هاته المواقف او نافس وفز and take Pictures with Palestine flag
حقيقة هناك خلل بنيوي في تصرفات بعض الرياضيين تجاه قضايا الامة العربية والاسلامية بين المبالغة في التعبير عن الاراء السياسية و سوء التقدير في اتخاذ القرارات نتيجة بيئة اعلامية ومعرفية تهتم بالدعاية و المواقف الانية وفقط …
صحيح كل اللي حكيتوا يا سيد ولا شك في ذلك ولكن في شيء اسمه شهامة ورجوله
العين بظلها عين ولو عِليها حاجب
والصغير بظل اصغير ولو عِلِي المنابر
والكبير اكبير في عين الغائب والحاضر
الله يعوضة بالاحسن رجل بالف رجل بل بمليون رجل بارك الله فيه
بوركت على هذا المقال القيم، اما في الجملة التي تفضلت بها ((بطل الجودو الجزائري خسر البطولة وتم إيقافه وترحيله، لكنه كسب ذاته وهويته، وفاز باحترام الأمة، وأحرج شخصيات وهيئات وكيانات وأنظمة كثيرة شاركت في إمضاء جريمة التطبيع)) فهي تدحض أعداء القضية الاسلامية الأم الذين باعوا بل قدموا أسرار القمة العربية قبيل حرب الستة ايام ضد الكيان الصهي. وني فكانت الخسارة في الحرب و خسارة المزيد من الأراضي العربية