الناصرة- “القدس العربي”: أعلن نقيب المحامين في إسرائيل آفي حيمي استقالته من منصبه، بعد تقديم شكوى ضده من قبل محامية بالقيام بعمل مشين ضدها، كما أعلن، اليوم الأربعاء، عن فتح ملف تحقيق جنائي. ويأتي هذا بعد أربع سنوات من استقالة النقيب السابق والحكم عليه بالسجن، على خلفية مشابهة، مما دفع مراقبين للتساؤل عن معنى استشراء الفساد داخل نقابة المحامين الإسرائيلية، والتنّدر بالقول: “من يحرس الحرّاس”، و”حاميها حراميها”.
رغم استقالته من منصبه حاول نقيب المحامين الإسرائيليين الدفاع عن نفسه بالقول إن العلاقات مع المحامية المشتكية تمّت بموافقتها، وإن جهات حكومية حاكت ملفاً جنائياً ضده على خلفية موقفه المعارض جداً لـ “الإصلاحات القضائية”، التي يقودها وزير القضاء في حكومة الاحتلال ياريف لافين.
ويدور الحديث عن محامية إسرائيلية تقدّمت عام 2021 بطلب لتصبح قاضية، وحصلت على توصية من نقيب المحامين الإسرائيليين تفيد بأنها مؤهلة لتكون قاضية، ولاحقاً زعمت أنه قام بعمل مشين خلال محادثة بينهما عبر تطبيق زوم طلبت خلالها مساعدته في اختيارها من قبل لجنة تعيين القضاة، وعن ذلك قال: “كان ذلك بموافقتها، وقبل بضع سنوات، وقد أخطأت بمنحها هذه التوصية، رغم أنها كانت توصية موزونة”.
في حديث للقناة العبرية 12 قال حيمي إنه من غير الممكن نعته بالمجرم الجنسي، أو أنه تورّط بعمل مشين مخّل بالآداب، داعياً لإخضاعهما أمام امتحان “آلة كشف الكذب” (بوليغراف) وتوجيه الأسئلة عن طبيعة العلاقات مع المحامية المشتكية، والتثبّت عما إذا كانت العلاقة بينهما لمرة واحدة قصيرة، أم أنه فرض نفسه عليه وابتزّها جنسياً مقابل التوصية عليها ومساعدتها لتصبح قاضية. وتابع: “علي تقديم توضيحات لزوجتي وبناتي. أخفقت عندما تصرّفت بشكل غير سليم، لكن هذه كانت علاقة بالتوافق بين شخصين بالغين”. من جهتها روت المحامية المشتكية، في حديث للقناة العبرية 13، إن نقيب المحامين شخص يتمتع بمكانة تسمح له التصرف بطريقة يتوقع فيها كرجل عدم التعامل مع امرأة بهذه المعاملة وهي تحت وصايته وتحتاجه من الناحية المهنية. وتابعت: “خلال المحادثة عبر تطبيق الزوم استوعبت خلال ثوان أنني أمام عمل مشين فقطعت المحادثة بيننا. لم تكن هذه مشاهد سهلة، بل أمر مقلق يقضّ مضجع كل امرأة بكل جيل وفي أي مكانة”.
المحامية المشتكية التي قامت بتوثيق العمل المشين منذ بدايته، قالت أيضاً في حديثها للقناة العبرية، أمس، إنها لا تعرف بالضبط لماذا بادرت مسبقاً لتسجيل وتوثيق المحادثة مع نقيب المحامين. ربما هذه غريزة نسوية، وربما شعرت أنني في وضع في تبعية واستغلال من قبله. شعرت أن هذا الأمر الصحيح الذي ينبغي أن أفعله، وقد فعلته”. وعندما سئلت إذا كان نقيب المحامين قد أوصى عليها لتصبح قاضية أمام لجنة تعيين القضاة قالت المحامية المشتكية: “من الرسالة الخطية التي بعث بها لي يتضح أنه قد أوصى علي، ولكن لا توجد طريقة للتثبّت ما إذا كانت فعلاً توصية أم لا”. وفي هذا المضمار قال حيمي، في المقابلة مع القناة 12، إنه لم يلحق ضرراً بالمحامية، وأنه قد تلقى مئات الطلبات لتقديم توصيات على محامين ومحاميات من منطلق وجود معرفة بينهم واطلاع على مهنيتهم وعلى سلوكهم الإداري. وتابع: “عرفت أن المحامية المشتكية محامية مهنية وجيدة، ولذا كانت توصيتي عليها موزونة ويمكن مراجعتها لاحقاً في يوم من الأيام. أدرك أنني أخطأت”.
في المقابل أكد نقيب المحامين الإسرائيليين آفي حيمي ما نشره موقع “واينت” الإخباري، بأن المحامية لم تمنح في الاختبار الأول الخاص بالمتقدمين لمنصب قاض، لكنه قال: “لو رغبت بمساعدتها لكنت تحدثّت مع مندوبي لجنة تعيين القضاة، وهذا ما لم أفعله، مثلما لم أفعل أي شيء آخر كي تصبح قاضية، ولو ساعدتها لكانت بطبيعة الحال قد نجحت في الاختبار الأول على الأقل”.
يشار إلى أن نقيب المحامين الإسرائيلي السابق آيفي نافيه قد تورّط هو الآخر، قبل بضع سنوات، بمساعدة محامية غير مؤهلة في تعيينها قاضية مقابل خدمات جنسية، ولاحقاً ادعى أن العلاقات بينهما كانت طبيعية ودون ابتزاز. لكن بعد كشف كافة التفاصيل في وسائل إعلام عبرية، بما في ذلك مراسلات سرية بينهما عبر تطبيق ووتس أب، اضطرت القاضية لتقديم استقالتها بعد حملة انتقادات إسرائيلية واسعة ضدهما. أما هو فقدم استقالته وحوكم وحكمت عليه محكمة بالسجن الفعلي.
وفي المقابلة مع القناة العبرية 12 رفض حيمي المقارنة بينه وبين نقيب المحامين السابق نافيه، وقال إن المحامية المشتكية ضده قدمت الشكوى ضمن محاولة “اغتيال” شخصيته، لافتاً لكون التوقيت ليس صدفة: “التوقيت ليس بريئاً، فهو واضح، ويدلل على محاولة تصفيتي ونسف سمعتي لأنني ناهضت إصلاحات نتنياهو ولافين في الجهاز القضائي”.
وحول فتح ملف تحقيق ضده في الشرطة قال حيمي: “هذا سيسعدني، وسأمثل أمام المحققّين، وفي كل مكان، لأطرح روايتي المعززّة بالأدلة، ويداي نظيفتان”.
كما قال بعض المقربين من حيمي إن استهدافه تمّ على خلفية كونه يهودياً من أصل شرقي أيضاً، وهذا يضاف لمزاعم سابقة أطلقها رئيس إسرائيل الأسبق موشيه قصاب، الذي حكم بالسجن سبع سنوات، بعد إدانته بالتحرش، وبعمليات اغتصاب موظفات في ديوان الرئاسة، ولاحقاً ادعى أنه لوحق لكونه يهودياً شرقياً. وفي الأسبوع الفائت، قال الوزير الأسبق دافيد ليفي (الليكود) إن نتنياهو وآخرين لاحقوه، وحالوا دون تقدّمه في السياسة الإسرائيلية وبلوغ منصب رئاسة الوزراء لكونه يهودياً شرقياً.
الاحتلال مفسدة للإسرائيلين أيضاً
يشار إلى أن مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية كان قد حذر في عدة مؤتمرات من خطورة استشراء الفساد في إسرائيل، مشدداً على أنه أشد خطراً من قنبلة إيران ومن الجيوش العربية. وقد جاء ذلك بعد توجيه شبهات وتهم بالفساد لعدد من الساسة الإسرائيليين من مختلف الأحزاب، وعلى خلفية سجن وزيري المالية والداخلية أفؤرهام هيرشزون وآرييه درعي، عقب إدانتهما بالسرقة وتلقي الرشوة.
وعلى خلفية إدانة رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت بتلقي رشوة مالية من رجال أعمال مقابل ترخيص هندسي لمشاريع سكنية، صدر كتاب للمحامي الإسرائيلي آرييه أفنيري عام 2009 بعنوان: “اصرخي أيتها البلاد الفاسدة”، حذر فيه من تفشي الفساد السلطوي، مشدداً على كونه خطراً إستراتيجياً على إسرائيل. وكان الفيلسوف اليهودي الراحل يشعياهو لايفوفيتش قد أكد عشرات المرات، في تصريحاته وكتاباته ومقابلاته، من أن الاحتلال مفسدة وأن الإسرائيليين أيضاً سيسدّدون ثمنه لا الفلسطينيين فحسب. ودعا لايفوفتتش، غداة احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، للانسحاب الفوري وعدم التورط باحتلال شعب آخر، ليس فقط لاعتبارات أخلاقية، بل لحسابات نفعية، حيث دأب على القول إن الاحتلال سيفسد المجتمع الإسرائيلي، ويمس بمصالحها العليا. وكانت بعض الجهات الفلسطينية تؤكد على صحة ذلك، لكنها تذكّر بأن الفساد بدأ بالاحتلال الأول عام 1948 وبأن إسرائيل قامت بعد تهجير واقتلاع شعب من وطنه.