عمان – «القدس العربي» : تبدو المقاربة أول المقارنة مجدداً غير منصفة عندما يتعلق الأمر بتقييم أقل من 8 أسابيع في عمر الحكومة الأردنية الجديدة والعريضة نسبياً التي ترأسها الدكتور بشر الخصاونة.
لكن يبدو بالمقابل، أن حكومة الخصاونة، التي تقلل من الكلام بالمناسبة، تسعى لتأطير نمط من الإنجاز والتقدم على أرض الواقع، خصوصاً أن تداعيات فيروس كورونا لا تزال في الأولوية والمقدمة، وتشكل الصحة العامة البند الأول والأبرز، وستبقى كذلك على جدول الأعمال الحكومي، كما فهمت «القدس العربي» مباشرة من الخصاونة نفسه.
بعيداً عن الهتاف الإعلامي والإكثار من الكلام، يمكن القول بأن العمل متواصل وبجهد مكثف على تأسيس مركز مهم جداً لأول مرة في تاريخ الأردن، وهو مركز الأوبئة والأمراض السارية، الذي وضعت الحكومة خطته الهيكلية، ويعتقد على نطاق واسع بأن أبزر المرشحين لتولي إدارته قد يكون عالم الوبائيات والوزير السابق والطبيب الدكتور عزمي محافظة.
إقامة فعلية لثلاث مستشفيات «ميدانية» وتمكين النظام القانوني في خلايا الأزمة
ويتمتع المحافظة في مسألة الوباء تحديداً بمصداقية رفيعة المستوى، في الوقت الذي يمكن القول فيه بأن بقاء وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات في الواجهة ومعه مساعده الدكتور وائل هياجنة، هي رسائل تطمين للشارع ولبقية أجهزة الدولة، على أن ملف فيروس كورونا صحياً بين يدي الخبراء على الأقل الآن وبدون استعراضات مبالغ فيها أمام الكاميرات.
على الأرض أيضاً تسارع منجز صحي كان موجوداً على الورق فقط ولـ 8 أشهر في أدراج رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز، حيث اجتماعات مكثفة وإجراءات اتخذت لإقامة 3 مستشفيات ميدانية في شمال وجنوب ووسط الأردن، للتعاطي مع مستجدات فيروس. وضعت الآلية لذلك، وخصصت الأموال اللازمة، وعملية التنسيق متواصلة مع منظمة الصحة الدولية وحتى مع المؤسسات المالية المانحة التي سبق لها أن طالبت بتخفيض الفاتورة العامة في قطاع الصحة. عادت مستويات التنسيق في الوقت نفسه مع المسار السيادي بعدما صدرت توجيهات ملكية بإعادة العمل ضمن تقنية خلية الأزمة بالتعاون مع القوات المسلحة الأردنية، التي تتميز بقدرات كبيرة في الميدان وباحتراف كانت تفتقده المؤسسات البيروقراطية في العادة.
واضح أن الخلية المعنية في رئاسة الوزراء وضعت الإطار المنظم قانونياً لأعمال التنسيق بين المؤسسات بعدما أمر الملك عبد الله الثاني شخصياً، في أكثر من مرة، بالعمل المؤسسي التنسيقي المشترك، وإن كانت في تفصيلات الاشتباك الميداني وبعدما تبين لاحقاً في المسار التنفيذي أن الحكومة السابقة راكمت من تشكيل اللجان والخلايا وفوتت فرصة الاستجابة في الإطار القانوني على الأقل لمقتضيات العمل.
لا يزال الفارق ملموساً أحياناً بين البوصلة السيادية الضرورية جداً للإحاطة بالتداعيات وتطويق الأزمات، وبين مقتضيات النظام القانوني والبنية التشريعية التي تعمل على تنشيط وتفعيل أوامر الدفاع، وهي حصراً ودستورياً من صلاحيات رئيس الوزراء، وإن كان المطلوب العمل الجماعي قسراً تحت مظلة الدستور.
تحتاج حكومة الخصاونة الوليدة إلى مستويات أعمق من التفهم لدورها وواجباتها. وتحتاج أزمة فيروس كورونا، حتى تلتزم الحكومة بنص ومضمون خطاب التكليف الملكي، إلى تخفيف التجاذبات ليس من خارجها فقط ، ولكن في عمق طاقمها الوزاري أيضاً، وبهدف توفير مساحة متوازية أكثر من المرونة والأهلية، لأن الحكومة -دستورياً وإجرائياً- هي المعنية بالتنفيذ بيروقراطياً. والظروف الاستثنائية التي تحدث عنها الملك علناً تحتاج أحياناً إلى وقف الزحام والتيسير على عمل الحكومة، حتى يستطيع الشارع والبرلمان والقصر الملكي محاسبتها على الأداء لاحقاً.
ثمة تقييم ظالم ومتعسف في بعض الأحيان ويرقى إلى مستوى الموضوعية في أحيان أخرى، في الوقت الذي يربك فيه الزحام، كما يحصل العديد من المشاريع والاتجاهات. وفي كل حال، الفرصة متاحة لإعادة التذكير بأن حكومة الخصاونة ينبغي أن تحصل على جائزة «الصبر» خصوصاً أن الأوراق المخلوطة في ملفات عابرة لها ولا علاقة لها بها، تفجر أحياناً بعض الاحتقانات والتساؤلات وفي حضن الحكومة دون الحاجة الملحة في بعض الأحيان إلى توفير أجوبة شافية أو مقنعة.
عملياً، حصل ذلك في ملف واحدة من أسوأ الانتخابات الأردنية، لا من حيث الإدارة والنزاهة ولكن من حيث تداعيات النتائج، كما يؤكد البرلماني والمرشح والخبير البيروقراطي البارز سامح المجالي لـ «القدس العربي» وهو يتحدث – بعيداً عن تجربته الشخصية- عن وقفة وطنية تستحق التأمل الآن في كثير من التفصيلات، حتى لا تفقد عملية الانتخاب نفسها جوهرها وعمقها وشرعيتها مستقبلاً بما ينسجم مع مصالح الناس والدولة.
خلافاً لكثيرين، لا يتعلق الأمر بالانزعاج والغضب، لكن قانون الانتخاب الحالي نفسه آن الأوان لمراجعته ومعرفة القيمة المضافة التي يؤسسها أو يؤطرها في السياق. وهي مهمة يفترض للمطبخ السياسي في حكومة الخصاونة أن يتعاطى معها أيضاً إذا كان مشروع الحكومة يريد الاستمرار والصمود، لأن واجبات السلطة التنفيذية، خصوصاً عند تدشين العمل البرلماني بعد ثلاثة أسابيع، لا تقف عند حدود الانشغال بفيروس وتداعياته.
للاحتقان الاقتصادي والمالي والاستثماري نتائج وتداعيات ورثتها الحكومة كما ورثت سلسلة من الاستعراضات الإعلامية والمشاريع الورقية على المستوى الوبائي والصحي من الحكومة التي سبقتها.