تجرى اليوم في بولندا، أكبر وأهم دول شرق أوروبا، انتخابات للرئاسة. وأمام الرئيس القائم آندجي دودا، رجل الحزب الحاكم المحافظ – القومي “القانون والعدل” يقف رفال تجسكوبسكي، رجل المعارضة الليبرالية “البرنامج المدني”. تجسكوبسكي هو مرشح مثالي: دكتور في العلوم السياسية، وسيم، حيوي، يتقن 6 لغات، سياسي محنك ورئيس بلدية العاصمة وارسو. حملته الانتخابية كانت رقيقة، تشاركية وليست هجومية تجاه الخصم. يتلقى في الاستطلاعات بالمتوسط 27 في المئة تأييداً مقابل 42 في المئة تأييد للرئيس دودا الذي أدار حملة تخويف وتحريض.
اختيار بولندا سيوضح ما إذا كان شرق أوروبا يبدأ بمسيرة تراجع عن الشعبوية القومية التي سيطرت على معظمها في العقد الأخير. حتى هنا، لم تكن مؤشرات إلى ذلك. ففي انتخابات الصرب، انتصر حزب قومي – يميني – محافظ مرة أخرى وبقوة، ويشبه في أيديولوجيته (القانون والعدل) البولندي والأحزاب المتصدرة في هنغاريا، ورومانيا، وأوكرانيا وغيرها. في روسيا نفسها، لا يبدو هناك تغيير في المؤسسة والرسالة السلطوية. الرئيس بوتين، الذي يريد أن يضمن انتصاره المطلق في الاستفتاء الشعبي القريب على تمديد ولايته لـ 16 سنة أخرى، استغل الاحتفالات المتأخرة بالذكرى الـ 75 لانتصار الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية كي ينشر مقالاً تاريخياً – سياسياً عن أسباب الحرب وروسيا. وفضلاً عن الادعاء غير الجديد الذي يفيد بأن حكومة بولندا الفاشلة في الثلاثينيات من القرن الماضي تتحمل مسؤولية رئيسة عن نشوب الحرب، إلى جانب بريطانيا وفرنسا اللتين تتحملان مسؤولية فرعية وان لم تكن تقل عنها، فإن أقوال بوتين مليئة بنقد الفكر الليبرالي الغربي. ذاك الذي ينشر، برأيهم، قيماً “غريبة” مثل ما بعد الحداثة، وسياسة الهويات، وتقرير المصير ما بعد الاستعمار والكفاح ضد امتيازات البيض. الرجل الروسي والشرق أوروبي، كما يشددون، يعانق محبة الوطن، والوطنية، واحترام الأب والأم، والإعجاب بالشرطي والجندي وقدسية العائلة التقليدية.
هذه بالطبع تعميمات، ولكنها تشير إلى الميول. المفكرون في الغرب يميلون بتجاهلها والتعاطي مع الأمزجة في أوروبا الشرقية كمواضع خلل وتشويه لحظي وتلاعب من الأنظمة التي تسمى “سلطوية”. خطأ: نزعة المحافظة القومية والسلوكية في دول الكتلة السوفياتية سابقاً تقف الآن كبديل فكري واثق بنفسه. ويعدل الباحثون في شرق أوروبا الرواية التاريخية كي يبرزوا لحظات القوة الكبرى في تاريخ بلدانهم في الوقت الذي يعدلها المثقفون في الغرب للتعبير عن أعمال القمع ولحظات السقوط وصراعات الأقليات.
عشية الانتخابات، زار الرئيس البولندي دودا الرئيس الأمريكي ترامب وحظي باستقبال حار على نحو خاص. فقد وافق شن طبقة. بعد بولندا –وبعد أن يهندس بوتين نتائج استفتائه الشعبي– ستنتقل المواجهة بين الشعبوية والليبرالية في تشرين الثاني إلى معركة انتخابات رئاسية أمريكية. تتنبأ الاستطلاعات بهزيمة نكراء لترامب وللحزب الجمهوري. فالمرشح الديمقراطي الشاحب جو بايدن يتصدر كل المستويات لدى جمهور الناخبين. هللوليا لليبرالية؟ من السابق لأوانه فتح الشمبانيا. صحيح أن ترامب يعدّ رئيساً فشل فشلاً ذريعاً في معالجة كورونا، ولكن ليس وحده. ففي موجة العدوى الثانية المتصاعد الآن في أرجاء أمريكا، كفيل غضب المواطنين أن يوجه بقوة كبيرة أيضاً إلى حكام الولايات ورؤساء المدن، والكثيرون منهم ديمقراطيون. وقد سبق للاستطلاعات أن وعدت قبل أربع سنوات بانتصار جارف للسناتورة هيلاري كلينتون في حينه.
في العقد الماضي، نجحت أوروبا الشرقية بتصدير الشعبوية المحافظة القومية فيها إلى أرجاء المعمورة، بما في ذلك الشرق الأوسط والرئاسة الأمريكية.
بقلم: سيفر بلوتسكر
يديعوت 28/6/2020