باريس- “القدس العربي”:
في وقت يواجه فيه الأوروبيون أزمةَ وصول نحو 200 سفينة محمّلة بآلاف بالمهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، ووسط إجراءات أمنية استثنائية، وتغطية إعلامية واسعة، من
المنتظر أن يصل البابا فرنسيس، اليوم الجمعة، إلى مدينة مرسيليا الساحلية الفرنسية، في زيارة تستغرق يومين، تندرج في إطار “اجتماعات البحر الأبيض المتوسط”، وهو منتدى دولي يركّز على سلسلة من الأسئلة، لا سيّما موضوع التغيّر المناخي، ومصير المهاجرين.
البابا فرانسيس كان قد شدد، في عدة مناسبات، على أن زيارته إلى مرسيليا، يومي الجمعة والسبت 22 و23 سبتمبر الجاري، ليست زيارة دولة، قائلاً: “سأذهب إلى مرسيليا، وليس إلى فرنسا”.
ميلينشون: البابا مرحّب به في فرنسا.. عمله من أجل المهاجرين قد يكون حاسمًا.. لكن ماكرون يضرب المسمار في رأسه دون احترام لوظيفته
بالنسبة للبابا فرنسيس، الذي قام بأول رحلة رسمية له إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي شهدت، قبل أسبوع، إنزالاً جماعياً لما يقرب من 10 آلاف مهاجر، فإن الهدف الرئيسي من هذه الزيارة إلى مرسيليا هو المشاركة، يوم السبت، في ختام “اجتماعات البحر الأبيض المتوسط”. ويجمع هذا المنتدى الدولي أساقفة وشخصيات من جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط، بهدف خلق روابط بين شواطئ هذا البحر لتسهيل حلّ عددٍ معين من المسائل، وعلى رأسها الهجرة والمهاجرين.
يتصدّر أجندة هذه الزيارة ، التي تستغرق ما يزيد قليلاً عن 24 ساعة، اللقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتَرَؤس قداسٍ ضخم، يوم السبت، في ستاد فيلودروم الأسطوري، أمام 60 ألف متفرج. برنامجه مخصص للتضامن مع اللاجئين والفقراء، وذلك بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت، بالإضافة إلى العديد من الممثلين الدينيين، وعدد معين من ممثلي من الجمعيات المدعوة لهذه المناسبة. وسيلقي كلمة مرتقبة أمام هذا الحضور الكبير.
وغالباً ما تتصادم دعوات فرانسيس لمزيد من الإنسانية مع مواقف الحكومات التي لا تستطيع الاتفاق على حلول مشتركة.
الإعلان عن حضور الرئيس ماكرون لقداس البابا فرنسيس في مرسيليا أثار جدلاً جديداً، حيث اعتبر البعض، لا سيّما في صفوف أحزاب اليسار، أنه يُعَدّ “انتهاكاً” لعلمانية الجمهورية التي ينص عليها الدستور، و “دَوْساً على مبادئها، بما في ذلك فصل الكنائس عن الدولة، وحياد الدولة في ما يتعلق بالأديان”.
جان ليك ميلينشون، زعيم حركة “فرنسا الأبية” اليسارية، مثلاً، اعتبر أن “البابا مرحّب به في فرنسا.. عمله من أجل المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط قد يكون حاسمًا.. لكن ماكرون يضرب المسمار في رأسه دون احترام لوظيفته، وصافرات القداس ستكون له وليس للبابا”، في إشارة منه إلى صافرات وصيحات الاستهجان التي تعرّضَ لها الرئيس الفرنسي مؤخراً في ملعب “ستاد-دو-فرانس” بضاحية باريس، خلال كلمته بمناسبة افتتاح كأس العالم للرغبي.
على المنوال نفسه، تحدثَ العديد من المنتخبين عن حركة “فرنسا الأبية”، بمن فيهم النائب البرلماني باستيان لاشو، الذي قال: “بعد 15 يومًا من الذعر الأخلاقي بشأن العباءة ووصم المسلمين، سيظهر ماكرون في قداس البابا.. إنه يدعس على حياد الدولة تجاه الأديان”، وفق النائب البرلماني اليساري.. كما شدّدَ زميله في البرلمان والحزب، آليكسي كوربيير، على أن “ العلمانية هي الفصل بين الكنائس والدولة. ولا يمكن أن تختلف حسب الدين”.
من جانبه، قال فابيان روسيل، والسكرتير الأول للحزب الشيوعي الفرنسي، والنائب البرلماني عن الحزب: “ليس بالضرورة مكان رئيس الدولة.. إما أن يشارك في جميع الاحتفالات الدينية للديانات المختلفة التي لدينا في فرنسا، أو أنه لا يشارك في أي منها”.
البابا فرانسيس: سأذهب إلى مرسيليا، وليس إلى فرنسا
في المقابل، دافعت النائبة في البرلمان الأوروبي ناتالي لوازو، التي انضمت مؤخراً إلى حزب Horizons، الذي أسسه رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، عن حضور الرئيس ماكرون قداس البابا فرانسيس الضخم في مرسيليا، قائلة: “البابا هو رئيس الدولة، ويأتي إلى فرنسا، من الطبيعي أن يرحب به رئيسها. الأمر بسيط”.
تحدث إيمانويل ماكرون بنفسه عن الموضوع، قبل ستة أيام، قائلاً : “أعتبر أنه مكاني أن أكون إلى جانب البابا فرانسيس. أنا لا أذهب إلى مرسيليا بصفتي كاثوليكياً، بل بصفتي رئيس دولة علمانية. سأحضر القداس احتراماً ومجاملة، ولن أمارس الشعائر الدينية أثناء القداس”. وأشارت وسائل إعلام فرنسية إلى أن من غير المتوقع أن يجلس إيمانويل ماكرون في السيارة البابوية التي ستعرض في “برادو” في مرسيليا.
تعود آخر مرة شارك فيها رئيسٌ فرنسي في مثل هذا الحدث البابوي إلى عام 1980 عندما استقبل فاليري جيسكار ديستان البابا يوحنا بولس الثاني، وسط ضجة كبيرة، وقاد سيارته إلى جانبه في شارع الشانزليزيه.