أظهر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، رحابة صدر استثنائية. “أنا سعيد بمشاركتكم في هذه اللحظة التي وصلنا إليها بعد نضال وعمل شاق. تحولت مصر، بفضل شعبها العظيم والمواطنين المخلصين فيها، إلى فضاء من الأمن والاستقرار في المنطقة. بناء على ذلك، قررنا للمرة الأولى بعد سنوات، إلغاء حالة الطوارئ في أرجاء الدولة”، هكذا غرد على حسابه في “تويتر” في 25 تشرين الأول الماضي. أكثر من أربعين سنة ومصر تحت “حالة الطوارئ”، الأمر الذي يعطي للنظام صلاحيات واسعة لقمع حقوق الإنسان والاعتقال بدون تمييز وبدون محاكمة، ومحاكمة مواطنين في محاكم عسكرية ومنع المظاهرات وإغلاق المؤسسات.
مع إلغاء حالة الطوارئ، ربما تعود مصر إلى الوضع العادي، الذي تخضع فيه المحاكم وحقوق المواطن وحرية التعبير للقانون والدستور فقط، وليس لأذرع النظام أي صلاحية لتجاوزها. يبدو أن إعلان الرئيس يبشر بعهد جديد ويجسد تصريحه الذي صدر في آب، عندما أعلن عن الإصلاح في وضع حقوق الإنسان في مصر. قبل أسبوع على إلغاء حالة الطوارئ، حظي المواطنون في مصر على التعرف إلى مرفق السجون الجديد، الذي أقيم في وادي النطرون، وهو السجن الأكبر في الدولة، وستراعى فيه -حسب أقوال الحكومة- كرامة وجودة حياة السجناء، وستكون فيه مرافق للترفيه والرياضة، وتلفزيون بالطبع.
كل هذا الخير ينسب في مصر إلى الضغط الدولي بشكل عام وضغط الولايات المتحدة بشكل خاص من أجل تحسين وضع حقوق الإنسان هناك، وبفضل تجميد الـ 130 مليون دولار من المساعدات الخارجية المقدمة من الولايات المتحدة. للحظة يبدو أن في الخارج من يسمع ويستجيب لصرخات القمع التي تسمع من مصر. والأهم من ذلك، يبدو أن الرئيس مستعد للاستماع والاستجابة.
وضع الطوارئ ألغي في الواقع من ناحية إعلانية، لكن سلطات النظام الوحشية ما زالت قائمة. معظم القيود والممنوعات تكمن داخل قوانين لا تعد ولا تحصى، في بنود ضبابية، وفي الدستور وفي المكانة الخاصة لقوات الأمن. على سبيل المثال، حسب القانون، يمكن أن يقدم مواطنون أضروا بمنشآت مرتبطة بأمن الدولة لمحاكمة عسكرية، وذلك يشمل معسكرات الجيش ومراكز الشرطة، وكذلك البنوك ومحطات الوقود والمستشفيات، وفعلياً أي موقع ومرفق عام بملكية الحكومة. لم يتم سن القوانين المقيدة لنشاطات منظمات حقوق الإنسان في إطار حالة الطوارئ، وهذه ستواصل خدمة النظام الآن أيضاً. فكل جمعية ورابطة ما زالت مضطرة إلى طلب مصادقة من المخابرات العامة ووزارة الداخلية ومحطات البيروقراطية الأخرى. وهذه ستنغص حياتها قبل أن يسمح لها بالعمل.
الرقابة الرسمية قد تتعطل عن العمل في أعقاب إلغاء حالة الطوارئ، لكن الرقابة الذاتية التي أملاها النظام بدون أوامر أو قوانين، ستواصل وجودها. وهذه قوانينها أشد بكثير من قوانين الرقابة الرسمية. ليس لهذه حدود، ولا تحدد قيودها، وهي مرتبطة بنزوات الوزراء والشخصيات الكبيرة، وعقوبة خرقها غير مكتوبة في أي قانون. محررون وصحافيون وأصحاب وسائل إعلام يعرفون جيداً ما ينتظرهم إذا لم يلتزموا بطلب يحصلون عليه من خلال “مكالمة هاتفية ودية”.
إنشاء السجن الجديد والمتطور (تكلفته غير معروفة) ذكر الصحافي عطا الله سليم بقصة من القصص الشعبية حول الكاتب اللبناني المتوفى سلام الراسي. كان مفترق طرق خطير في إحدى المدن، جرت فيه حوادث طرق كثيرة. صراخ السكان وصل إلى السلطات وتم تشكيل الكثير من اللجان. وذات يوم جاءت شاحنة وأنزلت مواد بناء، وجاءت بعثة من كبار الشخصيات وأعلنت عن إنشاء مستشفى لمصابي الحوادث في المفترق. الوضع لم يتغير، شكاوى جديدة أدت إلى تشكيل مزيد من اللجان، وتقرر بناء كراج لتصليح السيارات التي تضررت في الحوادث قرب المفترق. بعد ذلك فتح أحد أبناء القرية “كشكاً” للمشروبات والمأكولات قرب المفترق لخدمة السائقين الذين ينتظرون. وبعد ذلك تم فتح المزيد من الدكاكين، وتطورت خلافات ومواجهات بشأن السيطرة على المفترق، إلى حين اضطرت الشرطة إلى فتح مركز للشرطة للمحافظة على هذا المعلم الوطني. المشبه به واضح. “بدلاً من تغيير القوانين والسياسة التي تجعل الناس يصبحون مجرمين، فتحت سجناً جديداً وعصرياً”، كتب سليم في موقع “درج”. في هذه المناسبة قد توافق الحكومة على نشر عدد السجناء السياسيين في السجون. وعددهم -حسب منظمات حقوق الإنسان- أكثر من 60 ألف شخص.
لكن ليس هناك مكان للتشاؤم؛ سيكون للسيسي فرص كثيرة لتحسين وضع حقوق الإنسان وتوسيع حرية التعبير. يناقش البرلمان في هذه الأثناء تعديلات جديدة على الدستور، ستتضمن رفع القيود عن عدد الولايات للرئيس. في المرة السابقة التي تم فيها تعديل الدستور، مدت ولاية الرئيس حتى 2022 وصادقت له على التنافس لفترة ثالثة تبلغ 8 سنوات حتى العام 2030، التي سيحتفل فيها بعيد ميلاده الـ 75 و17 سنة على الرئاسة. وحتى الآن، المسافة كبيرة عن الثلاثين سنة من الحكم التي حكم فيها حسني مبارك.
ستتكرر في السنوات القادمة طقوس الضغط لتنظيم حقوق الإنسان في مصر. قبيل 2030 يتوقع أن يصل عدد السكان في مصر إلى 150 مليون نسمة. وسيكون السجن الجديد في وادي النطرون ضيقاً لاستيعاب السجناء. ولكن مثلما في قصة المفترق، يمكن بناء سجن جديد، وحتى أكبر.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 22/11/2021