بعد الاغتيال، جاءت التهديدات كالعادة. الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والمتحدثون بلسان حرس الثورة، هددوا أمس بالثأر لموت قائد رفيع في حرس الثورة هو حسن صياد خدائي، الذي أطلق عليه النار في الشارع على يد راكبي دراجة نارية في العاصمة. بصورة مثيرة للاهتمام، لم يتم تحميل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن الاغتيال، رغم أن الفرح الكبير الذي استقبلت به الأنباء الواردة من طهران من قبل قنوات التلفزيون في البلاد لا تترك مجالاً كبيراً للشك.
القتيل الإيراني كان شخصية رفيعة في “فيلق القدس” التابعة لحرس الثورة، واغتياله يذكر بعمليات سابقة نسبت لإسرائيل، منها اغتيال رئيس البرنامج النووي محسن فخري زاده في 2020 وعلماء كبار آخرين للبرنامج قبل أكثر من عقد. في كانون الثاني 2020 اغتال الأمريكيون قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني عند قدومه إلى العراق (وادعي في عدد من وسائل الإعلام لاحقاً بأن إسرائيل ساعدت في المعلومات الاستخبارية قبل تنفيذ العملية). في الخلفية، من الجدير التذكير بأنه هناك تصميماً من قبل إدارة بايدن، تحت جهود إقناع كبيرة من إسرائيل، للإبقاء على حرس الثورة ضمن قائمة العقوبات الأمريكية. وتعتبر الخلافات مع إيران حول هذا الأمر من العقبات الرئيسية أمام التوقيع على الاتفاق النووي الجديد.
لكن ما حدث في طهران أول أمس، مرتبط بدرجة أقل بالنووي ومرتبط أكثر، كما يبدو، بالحرب السرية بين إيران وإسرائيل. منذ أكثر من عقد وعلى خلفية الحرب الأهلية في سوريا وأحداث الربيع العربي، يتم بذل جهود إيرانية واسعة لتسليح “حزب الله” في لبنان ومليشيات شيعية أخرى في أرجاء الشرق الأوسط. في 2017 غيرت أسلوب عملها وبدأت بإنشاء قواعد خاصة بها في سوريا، التي وضعت فيها السلاح ورجال مليشيات ومستشارين من حرس الثورة الإيراني.
خربت إسرائيل هذه الخطوات بشكل دائم، بواسطة مئات الهجمات الجوية في سوريا وأماكن أخرى، لكن بهذه الطريقة، طالت قائمة الحساب المفتوح لإيران التي رد عليها سليماني ورجاله بمحاولات المس بأهداف يهودية وإسرائيلية في أرجاء العالم. استمرت هذه الخطوات حتى بعد قيام الأمريكيين بإبعاد الجنرال عن الطريق. وخلافاً للعمليات كثيرة القتلى في الأرجنتين في التسعينيات والعملية ضد إسرائيليين في بلغاريا في 2012، التي نسبت لـ”حزب الله” وإيران، فإن الجهود هذه المرة تحظى بنجاح أقل. جزء منها يبدو مثل عمليات غير ناضجة.
ما زالت اللكمات المتبادلة قائمة، بدون أي علاقة بوضع المفاوضات حول النووي. وإلى جانب محاولات إيرانية لتنفيذ عمليات في الخارج، فقد نشر أيضاً عن طائرات هجومية مسيرة تم إطلاقها نحو إسرائيل من العراق. يبدو أنه لا يوجد هنا أي تغيير في السياسة، بل ربما أكثر تسريع لها من الطرفين. ولا يجب الخلط بين القدرة على تشغيل مغتالين على دراجة (هنا اعتيد إضافة “مثلما في أفلام جيمس بوند”) وبين الموضوع الثاني المحبب أكثر لوسائل الإعلام الإسرائيلية، وهو خطة مهاجمة المنشآت النووية في إيران. تم إخراج هذه الخطط من الأدراج عند أداء حكومة بينيت للقسم، وقال المطلعون على بواطن الأمور بأن غباراً كثيراً تجمع حولها.
حول شهر الحرب الذي يتدرب عليه الجيش الإسرائيلي الآن، تم النشر عن مناورة واسعة لسلاح الجو التي ستحاكي هجوماً جوياً كبيراً في إيران. من الجدير العودة والتذكير حول هذا الأمر بأن: أولاً، أيدي إسرائيل مكبلة فعلياً، لأنه لا حكومة في إسرائيل، وحتى حكومة بينيت وحكومة سلفه نتنياهو، مستعدة الآن للمخاطرة في خصومة جوهرية مع الإدارة الأمريكية. ثانياً، القدرة على مهاجمة المنشآت النووية غير ذات صلة الآن. مشكوك فيه إذا كانت حقيقية في بداية العقد السابق عندما ناقشها بنيامين نتنياهو بشكل متحمس، وهي أيضاً ليست جزءاً من النقاش الآن، خصوصاً بعد سنوات من الإهمال المتعمد. ما ينشغل به الجيش الآن هو استكمال فجوات عملياتية بخصوص الهجوم، وهذه عملية قد تستغرق سنوات كثيرة.
أعصاب ضعيفة
في غضون ذلك، ثمة خفوت يتم الشعور به في “المناطق” [الضفة الغربية] بعد تنفيذ ومحاولات تنفيذ عمليات في الأسابيع الأخيرة، وهو خفوت قد يرتبط بهبوط التوتر داخل الحرم، لكن الخلافات الجديدة حول الحرم قد تشعل النار مجدداً. الأحد المقبل، يوم القدس، يتم التخطيط لمسيرة أعلام تجريها “الصهيونية الدينية”، التي سيمر المشاركون فيها (بصورة مصادق عليها) عبر الحي الإسلامي. والآن تثور عاصفة حول قرار محكمة الصلح في القدس عدم اعتبار قراءة “اسمع يا إسرائيل” من قبل اليهود في الحرم كمخالفة جنائية، يعتبرها المسلمون خرقاً للوضع الراهن.
تعتبر هذه القرارات بالنسبة للفلسطينيين دليلاً على وجود مؤامرة إسرائيلية كبيرة هدفها سيطرة اليهود على الحرم وإبعاد المسلمين من هذه المنشأة. منذ بداية موجة الإرهاب الحالية في منتصف آذار الماضي، شكلت المواجهات في الحرم الوقود الذي زاد من اشتعال النار في القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر. عند انتهاء رمضان، كان هناك أمل معين لتهدئة النفوس بسبب تقليص عدد المصلين الذين قدموا إلى الحرم. ولكن الأعصاب في القدس ضعيفة جداً، حيث يكفي قرار حكم قضائي من هيئة قضائية متدنية كي يشعل النفوس مجدداً. إذا بقي هناك شك لدى أي شخص، فيبدو أن “يوم القدس” سيكون متوتراً جداً في هذه السنة.
حتى قبل قرار المحكمة، هدد رئيس حماس إسماعيل هنية، بأن إجراء مسيرة الأعلام، “هراءات يهودية تلمودية”، كما وصفها، سيجدد العنف. شخصيات رفيعة في حماس والجهاد الإسلامي في غزة أشارت إلى ردود مشابهة. مع ذلك، قيلت هذه التصريحات قبل فترة طويلة من المسيرة من للسماح للوسطاء المصريين بالتدخل لمنع التصعيد في غزة.
في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية، قالوا بأن التوتر في “المناطق” قد يستمر أسابيع، وربما أشهراً. مع ذلك، تواصل الاستخبارات العسكرية نسب تدخل ضئيل فيما يحدث لحماس في غزة. ترى الاستخبارات العسكرية أن هذه موجة إرهابية جاءت من الأسفل بدون سيطرة تنظيمية، وتواصل قيادة حماس في القطاع التحفظ من جولة قتال مع إسرائيل في الوقت الحالي. “الشاباك” متشائم أكثر بقليل؛ فهو قلق من نشاطات محمومة لقيادة حماس في الخارج، لتجنيد وتمويل خلايا إرهابية في الضفة، ويلاحظ في الواقع الحالي إمكانية كامنة لتصعيد أوسع.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 24/5/2022