بعد «الجبل» و«الوادي» المخرج اللبناني غسان سلهب ينهي ثلاثيته بالنهر

زهرة مرعي
حجم الخط
0

بيروت – «القدس العربي»: تخفف المخرج اللبناني غسان سلهب من إلحاحية ثلاثيته مع تقديمه لفيلم النهر العام الماضي، وكان عرضه الأول في مهرجان لوكارنو الدولي. اكتملت الثلاثية وتلا النهر فيلما «الجبل» 2010، و«الوادي» 2014.
وبهذه المناسبة عُرض الجبل والوادي إلى جانب النهر في 4 و5 و6 من الشهر الجاري في سينما «فوكس» مجاناً، وبطلب من المخرج. والعرض الأخير شهد حواراً مفتوحاً مع غسان سلهب.
ثلاثية تحمل عناوين قد تشكل مدخلاً للشعر، أو لأغنية أو لرحلة استكشاف لمباهج الطبيعة. فيها يقول سلهب ما يريده عبر مشهدية بصرية جميلة وهادئة جداً. ويترك للمتلقي أن يقرأ ويستنتج ما يحلو له. فالمتلقي في أفلام سلهب يشبه المحدق والمدقق في لوحة تجريدية، ومن مسافة تتيح الإحاطة. وبالطبع لن تكون للجميع قراءة موحدة، فكل يبحث وفق مزاجه في ضربات الألوان، أو مشهدية ما. ومع سلهب لا بد من التقاط الأنفاس والتمتع بالهدوء والسكينة، فهو وفي جزء كبير من لعبته الإخراجية يشتغل على الإحساس. ففي النهر وَصَلنا النفس مع صورة رمادية كبيرة هي الشاشة كاملة، كبداية، ورحنا نترقب التالي.
في صورة غسان سلهب قراءة الصمت وحركة الجسد تضع نفسها أمام المشاهد وتحفزه على الإصغاء. الاعتراف واجب بأن صورته تشوِّق المشاهد لمعاينة أماكن التصوير والسؤال عنها. وفي حين يبقى الموضوع الذي يريد ايصاله مصدر تكهنات، في حين تبرز إلى المقدمة عينه السينمائية الساحرة.
القراءة في ثلاثية سلهب متروكة لمزاج المشاهد إذاً، فكلام أبطاله قليل، والحوار بينهم حدوده مختصرة. حتى إننا لا نتعرّف إلى أسماء الممثلين في أفلامه. وفي نهايات النهر سمعنا المرأة تنادي الرجل باسم غسان ولمرة فقط لا غير. فهل هو غسان سلهب نفسه؟
بين الجبل والوادي والنهر إحساس بجنيات موحدة تشكّل الرابط بينها. ففي النهر تطالعنا المشاهد الأولى لرجل وسيدة ينتهيان من طعامهما في مطعم جبلي تلفه أجواء خريفية وكأنهما فضّا للتو علاقة كانت تربطهما.
يهمّان بالرحيل حين يبدأ هدير الطائرات الحربية في السماء. إنها مشاعر الحرب، وقد عادت من جديد. تتوه المرأة ويتمنّع محرك السيارة عن الدوران، فيتركه الرجل، ويبدأ بحثه. يجد المرأة في المقلب الآخر من الجبل. ويبدآن معاً سبر أغوار المكان والغوص في أحضان الطبيعة وأكل التفاح، لكن الأفعى لم تأت. أوقات تمر لا ينقطع خلالها هدير الطائرات، وخطوط دخانه المرسومة في السماء. إنها الطائرات الحربية الحاضرة في ثلاثية الجبل والوادي والنهر.
مع الممثل علي سليمان والممثلة يمنى مروان نتتبع رحلة جميلة في أحضان طبيعة خريفية فيها عزف لا يتوقف من أوراق الخريف المتساقطة. أو حفيف العالق منها بعضه على الآخر. الهدوء الجميل للطبيعة ولحركة الممثلين الوحيدين شكلت متعة للنظر في هذا الفيلم. وفي الوقت نفسه يتواصل السؤال الداخـــــلي ما الذي يريد قوله منه؟ ربما يكون الربط بين حركة السماء وحركة الأرض، ونظرات الممثلين الوحيدين وأنفاسهما، تقول ما نحن فيه من قلق واضطراب قديم العهد.
في تلك المساحة الشاسعة من الجمال الطبيعي، حيث تنقل البطلان بهدوء، رغم القلق الــــذي يسكنهما، كانــــت فســــحة لحوارات واستنتاجات ما ورائية تدور في فلك الإنسان: «موجودين قبل ما ننوجد.. نختفي قبل ما حتى نخــتفي.. نـــخلق ونذهب بإرادة أو رغبة حدا تاني».
تزداد وتيرة حركة الطيران الحربي، وفي لحظات نسمع وكأنه يقترب من الأرض.
يتوه البطلان مجدداً ليظهرا على ضفتي النهر! إنها متعة المشاهدة في أفلام غسان سلهب، وصحة الاستنتاج دون جدال بأنه لا يقدم سينما شعبية، لكنه يقدّم سينما يعشقها.
سينما سلهب تحــــتاج لتكرار المشاهدة، لمزيدٍ من اكتـــــشاف روعة المشهد، والتأكيد على أن القلق يسكننا جميعنا.
فيلم النهر من إنتاج شركة «خمسين فيــــــلمز» لتانيا خوري. الموسيقى لشريف صحناوي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية